يصنف اضطراب نقص الرغبة الجنسية التي تؤثر في ملايين الناس في العالم على انه من أكثر الحالات صعوبة في التقييم والمعالجة، وأكثرها نقصاً في التقدير من قبل الطبيب وإهمالاً وغموضاً من قبل المريض. ومع ان شدة الرغبة الجنسية عند كل من الرجال والنساء الأصحاء تختلف من شخص إلى آخر، الا ان هذه الحالة اجمالا تعتبر اضطرابا جنسيا مخيبا للأمل، وكثيراً ما يشخص نقص الرغبة أو الشهوة الجنسية عند الرجال على أنه اضطراب في الانتصاب خطأً، ويعالج على أساس ذلك، ولذلك لاتكون النتائج جيدة في معظم الحالات. ومع توفير العقاقير الجنسية من مثبطات الفسودايستريز من الفئة 5 ونجاحها مثل الفياغرا والسياليس والليفيترا، في استعادة الأداء الجنسي الطبيعي، أصبح ملايين الرجال الذين يعانون من عجز في تحقيق الانتصاب قادرين على احراز انتصاب قوي ومستمر يسمح بمجانسة مرضية للطرفين، ولكن هذه الأدوية لا تستطيع زيادة الشهوة الجنسية الناقصة، ولذلك ليس من المستغرب أن تكون هناك مجموعة كبيرة من الرجال القادرين على بلوغ الانتصاب لكن مع رغبة خفيفة او من دون رغبة فعلية في القيام في ذلك مما قد يسبب لهم القلق واليأس والاكتئاب وعقدة الذنب والمشاكل الزوجية. علاوةً على ذلك، لم يثبت وجود دور فعّال بشكل خاص لجميع الأطعمة المستخدمة عادة في تعزيز الرغبة الجنسية والأعشاب، والمستحضرات مثل الجينسنغ والذبابة الاسبانية والذراح والكافيار والمحار والشوكولاتة والفريز (الفراولة) والأطعمة الكثيرة التوابل والجنكة ذات الفصّين. وفي الحالات التي نجحت فيها هذه المواد في زيادة الشهوة الجنسية لدى بعض الرجال، ربما كان ذلك بسبب أنها تلجم المثبطات الجنسية الذهنية أو تعمل على المستوى التحفيزي او على مستوىً نفسي آخر. اين المشكلة؟ يعرّف اضطراب نقص الرغبة الجنسية بأنه الغياب المستمر أو المتكرر أو نقص التخيلات الجنسية بشكل لا يندفع به الشخص إلى ممارسة النشاط الجنسي. وبينما يعتمد البعض على عدد مرات المعاشرة ويقترحون أن ممارسة العلاقة الحميمة اقل من مرتين بالشهر ولفترة تفوق الستة أشهر يمكن اعتباره كشخص يعاني من نقص الرغبة الجنسية، الا ان هذا التعريف المعتمد على عدد مرات المعاشرة يبقى تقييما سطحياً غير دقيق للمشكلة. وتشير الإحصائيات إلى أن 38% من الرجال يشكون من نقص الرغبة مقابل 49% من النساء الا أن تقييم الانتشار الحقيقي لتلك الحالة الشائعة عالمياً من الصعوبة بمكان لأن معظم الرجال لا يعبرون عادة عنها الا اذا ما حاورهم الطبيب. ويعتمد تقييم مشكلة الرغبة الجنسية على أسئلة مباشرة وواضحة يطرحها الطبيب على المريض فيما يتعلق بالحافز والرغبة الجنسية. ويمكن الحصول على معلومات أخرى مفيدة من زوجة المريض أو باستعمال استبيانات موثقة حول الرغبة الجنسية أو الاشباع الجنسي. أسباب عضوية ونفسية تؤدي لحدوث المشكلة: ينجم نقص الرغبة الجنسية عن انواع واسعة من العوامل البيولوجية والنفسية، بما في ذلك تقدم العمر خاصة بعد عمر الخمسين، كما تشمل اضطرابات طبية مختلفة مثل نقص في مستوى الهرمون الذكري (التيستوستيرون) وفرط هرمون البرولاكتين (هرمون الحليب) المفروز من الغدة النخامية. كما تضم قائمة الأمراض المسببة لنقص الرغبة الجنسية داء الشرايين التاجية والفشل القلبي، ومتلازمة نقص المناعة المكتسبة (الايدز)، والفشل الكلوي. كما أن بعض ممارسي رياضة كمال الأجسام والمصابين باضطرابات الأكل يكونون عرضة لنقص الرغبة الجنسية أيضاً. يضاف الى السابق العديد من العقاقير المستعملة لمعالجة الاكتئاب وارتفاع الضغط الدموي والقلق والتي قد تسبب نقصاً في الرغبة الجنسية. وقد تعود اسباب نقص الرغبة الجنسية الى أسباب نفسية، وتشتمل قائمة الاضطرابات النفسية الأكثر ترافقاً بنقص الشهوة الجنسية على امراض الاكتئاب والقلق، والغضب واضطرابات العلاقات الاجتماعية. يضاف الى ذلك الخوف من العلاقة الحميمة ومشاكل الحياة الزوجية واضطرابات الشخصية لدى الرجل. كما ان المظهر الآخر الذي يختفي وراء مشكلة تناقص الرغبة هو غياب الاستيهام الجنسي وقد أظهرت العديد من الدراسات أن الاستيهام والخيال الجنسي يشارك بشكل فعّال في المحافظة على الاهتمام الجنسي ويحرض النشاط الجنسي عند الزوجين. الأسباب الهرمونية من اهم أسباب هذا الإضطراب: الأسباب الهرمونية لنقص الرغبة الجنسية كثيرة ومعقدة، ولكن من اكثر الاضطرابات الهرمونية المعروفة طبيا كما أشرت سابقا هو نقص التيستوستيرون (هرمون الذكورة) والذي يمكن أن يؤدي إلى غياب أو ضعف الرغبة الجنسية كما ناقشناه في مقال سابق نشر في "عيادة الرياض"، كما أن زيادة انتاج هرمون البرولاكتين (هرمون الحليب) من الغدة النخامية الذي نخصص له هذه المقالة من ابرز أسباب ضعف الرغبة الجنسية عند الرجال. ارتفاع هرمون الحليب: يتصاحب ارتفاع هرمون البرولاكتين والذي يسمى بالعامية "بهرمون الحليب" أو فرط برولاكتين الدم لدى كل من الرجال والنساء باضطرابات في الوظائف التناسلية، ويمكن ان يثبط بشكل مباشر بعض المراكز الجنسية في الدماغ. ولدى الرجال، قد يثبط ارتفاع البرولاكتين إفراز الهرمون المطلق لمواجهة الغدد التناسلية GnRH الذي ينبه عادة الغدة النخامية لإفراز الهرمون المحفز LH الذي يحث الخصيتين على انتاج التيستوستيرون. وقد تشتمل الأعراض الناجمة عن فرط برولاكتين الدم على نقص الرغبة الجنسية، والعجز في تحقيق الانتصاب والعقم وتساقط الشعر ونقص الكتلة العضلية وغيرها من الأعراض. يمكن أن تؤدي أمراض مختلفة، وحتى بعض الحالات الفيسيولوجية (مثل قلة النوم) إلى ارتفاع تركيز البرولاكتين في الدم، لكن السبب الأكثر شيوعاً هو وجود ورم حميد في الغدة النخامية (الورم الظهاري الحميد). كما ينجم فرط برولاكتين الدم عن ورم في الوطاء أو بالقرب منه. وتشتمل الأسباب الأخرى على بعض الأدوية التي تعد مثبطات لمستقبلات الدوبامين (تلغي تأثير مستقبلات الدوبامين)، ومضادات ارتفاع ضغط الدم، ومضادات الاكتئاب، وقصور الغدة الدرقية (نقص نشاط الغدة الدرقية وافرازها الهرموني)، وبعض الحالات الأخرى مثل اصابة جدار الصدر الالتهابية والفشل الكلوي المزمن. من ناحية أخرى قد لا يعثر على سبب لدى عدد كبير من المرضى المصابين بارتفاع البرولاكتين رغم الاستقصاءات الواسعة. يقوم تشخيص فرط برولاكتين الدم على اخذ التاريخ الطبي الشامل، مع التركيز الخاص على الأعراض الجنسية وعلى أية تغيرات في الرؤية أو صداع مزمن يكون بين الساعة الثامنة والعاشرة صباحا. وفي حالات ارتفاع البرولاكتين الذي يمكن قياسه بفحص الدم، يمكن أن تساعد الدراسات الشعاعية بالرنين المغناطيسي (MRI) والتصوير المقطعي للدماغ (CT scan) على كشف ورم في الغدة النخامية أو ورم حميد أو خبيث آخر في الدماغ. يعتمد علاج فرط هرمون الحليب على الأدوية المناهضة للدوبامين، مثل الكابرغولين أو البروموكربتين لإنقاص البرولاكتين ورفع مستوى التيستوستيرون. وتكون هذه المعالجة في العادة ناجحة جداً في استعادة الرغبة الجنسية والفحولية وتحسين امكانية الاخصاب، كما قد تنقص الأعراض العصبية الناجمة عن الورم المصاحب، لاسيما إذا كان الورم أكبر من 1سم، ويمتد خارج السرج التركي (البنية العظمية للجمجمة التي تحيط بالنخامى)، والذي يؤدي للضغط على العصب البصري مما يقود الى ضعف او فقدان الابصار جزئياً. ونادراً اذا ما كان الورم ذا حجم كبير وغير متجاوب للعلاج الدوائي يمكن القيام بعملية جراحية لاستئصاله عن طريق فتحات الانف او الجيوب الانفية. يوجد العديد من العقاقير التي تسبب تناقصاً في الرغبة الجنسية لم يثبت وجود دور فعّال بشكل خاص لجميع الأطعمة المستخدمة عادة في تعزيز الرغبة الجنسية