تختلف شدة الرغبة الجنسية عند كل من الرجال والنساء الأصحاء من شخص إلى آخر، ولكن ربما يكون نقص الرغبة الجنسية التي تؤثر في ملايين الناس في العالم من أكثر الحالات صعوبة في التقييم والمعالجة، وأكثرها نقصاً في التقدير وإهمالاً وغموضاً، ويعتبر اضطراباً جنسياً مخيباً للأمل كما ناقشناه بالتفصيل في فصل خاص في كتابنا "الصحة الجنسية: دليل طبي كامل حول الجنس والمشاكل الجنسية ومعالجتها" والذي نورد بعض المقتطفات منه في مقالتنا هذه. وكثيراً ما يشخص نقص الرغبة أو الشهوة الجنسية عند الرجال على أنه اضطراب في الانتصاب خطأً، ويعالج على أساس ذلك، ولذلك تكون النتائج سيئة جداً في معظم الحالات. علاوةً على ذلك، لم يثبت وجود دور فعّال بشكل خاص لجميع الأطعمة المستخدمة عادة في تعزيز الرغبة الجنسية والأعشاب، والجرعات مثل الجينسنغ والذبابة الاسبانية والذراح والكافيار والمحار والشوكولاتة والفريز (الفراولة) والأطعمة الكثيرة التوابل والجنكة ذات الفصّين. وفي الحالات التي نجحت فيها هذه المواد في زيادة الشهوة الجنسية لدى بعض الرجال، ربما كان ذلك بسبب أنها تلجم المثبطات الجنسية الذهنية أو تعمل على المستوى التحفيزي او على مستوى نفسي آخر. مع توفير مثبطات الفسودايستراز من الفئة 5ونجاحها مثل الفياغرا والسياليس والليفيترا، في استعادة الأداء الجنسي الطبيعي، أصبح ملايين الرجال الذين يعانون من عجز في تحقيق الانتصاب قادرين على احراز انتصاب قوي ومستمر يسمح بمجانسة مرضية. ولكن هذه الأدوية لا تستطيع زيادة الشهوة الجنسية الناقصة، ولذلك ليس من المستغرب أن تكون هناك مجموعة كبيرة من الرجال القادرين على بلوغ الانتصاب لكن مع رغبة خفيفة او من دون رغبة فعلية في القيام في ذلك مما قد يسبب لهم القنوط والقلق واليأس والاكتئاب وعقدة الذنب والمشاكل الزوجية. نقص الرغبة الجنسية يعرّف اضطراب نقص الرغبة الجنسية في "الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات النفسية" بأنه "الغياب المستمر أو المتكرر أو نقص التخيلات الجنسية والرغبة بالنشاط الجنسي". انه من الصعوبة تقييم الانتشار الحقيقي لتلك الحالة الشائعة عالمياً لأن معظم الرجال لا يعبرون عادة عنها الا اذا ما حاورهم الطبيب. يعتمد تقييم مشكلة الشهوة الجنسية على أسئلة مباشرة وواضحة يطرحها الطبيب على المريض فيما يتعلق بالحافز والرغبة الجنسية. ويمكن الحصول على معلومات أخرى مفيدة من شريكة المريض أو باستعمال استبيانات حول الرغبة الجنسية أو الاشباع الجنسي. ينجم نقص الرغبة الجنسية عن أسباب واسعة من العوامل البيولوجية والنفسية، بما في ذلك تقدم العمر واضطرابات طبية مختلفة مثل نقص في مستوى الهرمون الذكري وفرط هرمون البرولكتين (هرمون الحليب) المفروز من الغدة النخامية وداء الشرايين التاجية والفشل القلبي، ومتلازمة نقص المناعة المكتسبة AIDS، والفشل الكلوي. كما أن بعض ممارسي رياضة كمال الأجسام والمصابين باضطرابات الأكل يكونون عرضة لنقص الرغبة الجنسية أيضاً. وتشتمل الاضطرابات النفسية الأكثر ترافقاً بنقص الشهوة الجنسية على الاكتئاب والقلق، والغضب واضطرابات العلاقات. كما أن العديد من العقاقير المستعملة لمعالجة الاكتئاب وارتفاع الضغط الدموي والقلق قد تسبب نقصاً في الرغبة الجنسية. إن الأسباب الهرمونية لنقص الرغبة الجنسية معقدة، ولكن، أصبح من المقبول طبياً أن نقص التستوستيرون المصل أي هرمون الذكورة يمكن أن يؤدي الى غياب أو نقص الرغبة الجنسية كما ناقشناه في عدة مقالات نشرت في "عيادة الرياض". كما أن زيادة انتاج هرمون بروكلتين (هرمون الحليب) في النخامية الذي نخصص له هذه المقالة من ابرز أسباب الرغبة الجنسية عند الرجال. فرط برولاكتين الدم (هرمون الحليب) يتصاحب ارتفاع برولاكتين المصل والذي يسمى بالعامية "بهرمون الحليب" أو فرط برولاكتين الدم لدى كل من الرجال والنساء باضطرابات في الوظائف التناسلية، ويمكن ان يثبط بشكل مباشر بعض المراكز الجنسية في الدماغ. ولدى الرجال، قد يثبط ارتفاع البرولاكتين إفراز الهرمون المطلق لمواجهة الغدد التناسلية GnRH الذي ينبه عادة الغدة النخامية لإفراز الهرمون الملوتن LH الذي يحث الخصيتين على انتاج التستوسيترون. وقد تشتمل الأعراض الناجمة عن فرط برولاكتين الدم على نقص الرغبة الجنسية، والعجز في تحقيق الانتصاب والعقم وتساقط الشعر ونقص الكتلة العضلية وغيرها من الأعراض التي ناقشناها سابقاً في جريدة الرياض الغراء. يمكن أن تؤدي أمراض مختلفة، وحتى بعض الحالات الفيزيولوجية الى ارتفاع تركيز البرولاكتين في المصل، ويكون السبب الأكثر شيوعاً هو وجود ورم غدي حميد في الغدة النخامية (الورم الظهاري الحميد). وينجم فرط برولاكتين الدم في حالات نادرة عن نقص في عدد الغدد المفرزة للبرولاكتين في النخامي، أو عن ورم في الوطء أو بالقرب منه. وتشتمل الأسباب الأخرى على بعض الأدوية التي تعد مناهضات لمستقبلات الدوبامين (تلغي تأثير مستقبلات الدوبامين)، مثل بعض مضادات لاضهان، ومضادات ارتفاع ضغط الدم، ومضادات الاكتئاب (مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية)، وقصور الدرقية (نقص نشاط الغدة الدرقية وافرازها الهرموني)، وبعض الحالات الأخرى مثل اصابة جدار الصدر والفشل الكلوي المزمن. ولكن لا يعثر على سبب لدى عدد كبير من المرضى المصابين بارتفاع البرولاكتين رغم الاستقصاءات الواسعة. يقوم تشخيص فرط برولاكتين الدم على القصة الطبية الشاملة، مع تأكيد خاص على الأعراض الجنسية وعلى أية تغيرات في الرؤية أو صداع مزمن بين الساعة الثامنة والعاشرة. وفي حالات ارتفاع البرولاكتين، يمكن أن تساعد الدراسات الشعاعية بالمرنان MRI والتصوير المقطعي المحوسب CT كشف ورم غدي نخامي أو ورم حميد أو خبيث آخر في الدماغ. يعتمد علاج فرط برولاكتين عن ورم غدي على الأدوية المنهضة للدوبامين، مثل الكابرغولين أو البروموكربتين لإنقاص البرولاكتين ورفع مستوى التستوستيرون. وتكون هذه المعالجة في العادة ناجحة جداً في استعادة الرغبة الجنسية والفحولية وتحسين امكانية الاخصاب، كما قد تنقص الأعراض العصبية الناجمة عن الورم الغدي، لاسيما إذا كان الورم أكبر من 1سم، ويمتد خارج السرج التركي (البنية العظمية للجمجمة التي تحيط بالنخامي)، ويضغط على العصب البصري أو الجيب الكهي أو الوتدي (جيبان هوائيان في عظام القحف). ونادراً ما اذا كان الغدّوم ذات حجم كبير وغير متجاوب للعلاج الدوائي يمكن القيام بعملية جراحية لاستئصاله. واما بالنسبة الى نقص هرمون الذكورة او التستوستيرون فإننا قد نشرنا حوله مقالة مفصلة في "عيادة الرياض" ويشمل علاجه الهلامة واللصقات الجلدية والفموية والاقراص والحقن العضلية مع نجاح مرتفع جداً في معظم الحالات.