للمطر نبض يتدفق عبر القلوب العطشى في بلد تمتد صحاريه إلى ماشاء الله .. للمطر وجد كما عاشق يذوب صبابة ليرى معشوقه مرة في السنة، ولأجل هذا المعشوق تركض الأجساد لتشبع بمنظره ساعة وبتركه يبلل الشعر ساعات، ثم يتذوقه شرباً ومن ثم يحاول العوم في مائه ليتحد روحاً وجسداً.. قطرات المطر بالنسبة لنا هي حياة تماماً مثلما يحيي الماء النبتة ويعيد لها رونقها يخلع إنساننا بعض عبوس أيامه، يلحق القطرات المتجمعة تبلل البنات شعورهن راقصات هازجات. تتكون الخباري والشلالات الجميلة، وتنتج الأرض عشقاً من خضار ونفل وشيح ومن ثم تتزاوج التربة مع البرق لتكون ثمرة عشقناها منذ الأزل، نبتهج ونحن نصبو نحو ارتفاعات بسيطة في الأرض، نحرثها قليلاً وتنبثق الكمأة لذة للآكلين.. يجرف المطر مع ما يجرف نفايات البشر في الطرقات وسطوح المنازل ويعيد للشجر اخضراراً بعد أن يكون الغبار قد لونه بالرمادي. المطر بالنسبة لنا حياة فكم خضنا في خبارية وكم خضنا في المستنقعات والتي عادة لا تكون عميقة ولا طينية ولعلها التربة الرملية التي امتص الرمل كفايته وترك لنا الباقي جعلنا أحياء حتى هذا الوقت. المطر جمال وعشق ورحلات قد تتكلل بالفرحة وقد تعود بضياع أعمار. المستنقعات الطينية عادة هي التي تكوّن الأرض حاجزاً للمياه فتبدو وكأن المياه داخلها جميلة ورقراقة تغري بالنزول لها، لكنها هي أشد الأنواع قسوة فهي تجذب من يسبح بها إلى أسفل ومن ثم من يلحقه لينقذه، لأن هناك طبقة غرين قوية تشكل ما يشبه الغراء التي تحيط بالضحية فيغوص أسفل ويثقل على المنقذ فيذهب بمعيته، ومن ثم يجذب أكثر، كل من هو فوق يظن له قدرة على نشل الضحية فتكون المصيبة مضاعفة كما كان لبنات رماح الست.. الدفاع المدني يحذر، وهو دائماً يصدر تحذيراته مشكوراً، لكن مع هذه التحذيرات ولا توجد طريقة للإسعافات في مثل هذه الحالات ولا طريقة ما بعد إسعاف الغارق في وحل المستنقعات. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصل إسعاف الهلال الأحمر أو غيره للمكان في الحال للإنقاذ، والغريق لا يجد الهواء الذي يمكنه للبقاء حيا في وقت قياسي، وسنكون متفائلين كثيراً لو طالبنا بوجود الإسعاف قرب الكثير من المستنقعات أو حتى ردمها سريعاً. ولكن يحق لنا أن نطالب بدورات مكثفة في الإسعافات في حدوث حالات الغرق بالمستنقعات أو غيرها، من يجيد السباحة ممكن أن ينقذ غريقاً في نهر أو بحر أو حتى مجرى سيل، لكن في المستنقع ستكون العملية صعبة جداً وخطرة خطراً مضاعفاً فكما أسلفت الطين يثقل الغريق ويجره للأسفل والمنقذ أيضا، لذا يتوجب أن توضح الهلال الأحمر والدفاع المدني طريقة الإنقاذ وضرورة سرعتها، كما ضرورة أن تحمل الأسر المتنزهة الأدوات الخاصة بالأسعافات الأولية. ففي مثل حالات غريقات رماح كان لابد من حبل قوي يرمى على أولى الغريقات لتمسك به فإن لم تتمكن يرمى على جسدها ثم تسحب سريعاً. الأعمار بيد الله وكل شيء مقدر ومكتوب، ولكن مع ذلك لابد من الأخذ بأسباب الوقاية، وقد قال رسولنا الكريم (اعقلها وتوكل). خلال العام الماضي ذهب ضحية الأمطار 45 فقيداً، في هذا العام كانت مصيبة كبرى لعائلة فقدت ست فتيات مرة واحدة، غريقة واحدة وجرت خلفها خمساً، والأخبار تأتي بالمزيد.. دائماً هناك تحذيرات ولكن لا تكفي هذه التحذيرات إلا إذا اقترنت بوسائل الإنقاذ المختلفة.. وهذه يجب أن تكون حصصاً إجبارية في المدارس والمعاهد والكليات والجمعيات الخيرية وجمعيات الهلال الأحمر.. حتى لا يتحول المطر من معشوق إلى قاتل نذهب له طواعية.. اللهم عظم الأجر وأجزل الصبر والعوض لأهالي الضحايا.. وللوطن في بناته.