الرواية الشعرية، تعجب القراء ولا تروق على الأغلب للنقاد. تقنياً، هي رواية، بطيئة الحركة، بفعل الزخم البلاغي المقيد للتطور الدرامي الملحوظ، هي رواية تصف الجواني، والحالة بي الشخصيات والذكريات والأمكنة، تتفنن باللغة ولكنها - أيضا - رواية خطرة إذا لم تضبط جيداً. حيدر حيدر في رواية (وليمة لأعشاب البحر) أجاد الكتابة الشعرية في الرواية، وكذلك أحلام مستغانمي التي ولدت أعمالها، عشرات الكتابات المحاولة اجترار (ذاكرة الجسد) و(فوضى الحواس) والنصوص الأخرى التي أثبتت أنها ذات قرب خاص إلى القراء وخاصة الإناث، وهو ما يحتاج إلى برهنة. حسناً، الرواية فن السرد القصصي، في أوسع تعريف، لكن ثمة ما يزاحم هذا القص في الرواية العربية، إنه الشعر، في ثقافة لها تاريخ عميق ومتجذر من الشعرية، ثمة أمر آخر، يعزز مكانة الرواية الشعرية، على حساب "الدراما الأدبية" وهي أن الكتاب، المكان الأخير والوحيد لفن اللغة الأدبية، قد تشاهد أي حكاية درامية في فيلم أو مسلسل لكن يبقى للغة تأثير سحري خاص، لا تبلغه جماليات الصورة ولا تقنية الإبهار الحديثة. أحلام مستغانمي اللغة، سر من أسرار البشرية، بدأ للتواصل بين البشر، ثم تحول لفن، مع دخول الكتابة، حدث ذلك في الحضارة السومرية، وصولاً إلى نقش ملحمة جلجامش (جنوبالعراق) مروراً بملحمة (الإلياذة) الشعرية الإغريقية الكبرى لهوميروس في القرن الثامن قبل الميلاد، حتى دخول الأديان التي وجدت اللغة فيها مكاناً مرموقاً ومؤثراً فيها، فكل هذا التاريخ، يشكل وعياً عميقاً لدى الإنسان بأهمية وأثر اللغة الأدبية الجميلة، وتحديداً الشعر، الذي انتقل أيضا إلى المسرح الأوربي الكلاسيكي، من شكسبير إلى هنري ابسن. أما الرواية الحديثة، فبقيت بمنأى عن الشعرية الفائضة، بيد أن الرواية العربية، التي يصعب التحدث عنها بعمومية، كان اللجوء إلى الرواية الشعرية فيها، موجة بارزة، انتهت كثير منها إلى النسيان، والسبب هو التقليد لا الابتكار، أجل، ثمة خواطر شعرية، في حلل روائية، يكتبها وتكتبها، في العادة كتابٌ مبتدئون وفي سن مبكرة نسبياً، للتعبير عن ذاوتهم، وإعلان شخصياتهم، إلا أن بعض هذه الكتابات، تكون بمثابة إحماء لولادة كاتبة أو كاتب المستقبل، لكن تبقى الرواية الشعرية، عملاً حساساً وخطراً في الكتابة، إنها التأرجح بين الشعر والرواية، مشدوداً بحبال اللغة، الدقيق والتي لا تحتمل أن أي ثقل زائد، فتقطع.