لا يمكن لأحد أن ينكر أن اليمن يعاني إشكالات وأزمات اقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية معقدة، يعمل البعض على استغلالها بهدف تمزيق اليمن وتدمير قدراته على النهوض ومواجهة التحدّيات، والخطر والتهديد الأكبر الذي يمكن أن تتحقق من خلاله مشاريع التدمير والتمزيق يتمثل في المواقف المتخاذلة لبعض القوى والأحزاب السياسية من التطورات والتفاعلات الخطيرة المهددة للكيان الوجودي لهذا الوطن وحاضر ومستقبل أجياله، ومما يؤسف له حقاً أن هؤلاء لم يتعلموا من دروس الماضي وتجاربه التي مازالت راسخة في العقل والوجدان، ولم يتعظوا مما يجري في بعض البلدان العربية من قتل وتدمير ممنهج بفعل ما سُمّي بالربيع العربي، ولم يدركوا بعد أن الوطن هو سفينة النجاة للجميع، ومنه تتحدد الهوية والوجود والمصير المشترك، فلا يوجد وطن خاص بالأحزاب والنخب وآخر للشعب، فالوطن للجميع، والحفاظ عليه وحمل رسالته، وإنجاز مشروعه النهضوي، والدفاع عن سيادته وحريته ووحدته مسؤولية كل اليمنيين بكل شرائحهم وأطيافهم السياسية مهما كانت خلافاتها وتناقضاتها وصراعاتها؛ لأن مواجهة التحدّيات والمخاطر المحدقة باليمن ليست مهمة أفراد أو نخب أو صفوة أو جماعة أو حزب بعينه، بل هي قضية الجميع بدون استثناء، ومهما كانت قدرات الدولة، فإنها لا تجدي نفعاً في مواجهة أخطار وتحدّيات وتآمرات مصيرية بالحجم الذي تواجهه اليمن، لا سيما وأن تلك الأخطار تستمد بعضاً من عناصر فعلها واستمرارها ونجاحها من قوى وأحزاب مازالت تحلم وتخطط للاستيلاء الكامل على السلطة وإلغاء الآخر، وبلوغ أحلامها الماضوية ومشاريعها الصغيرة واستغلال الاحتجاجات والغضب الجماهيري المسنود من قوى خارجية. إن الأوضاع المتردية في اليمن تفرض تفعيل مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية لتقوم بواجباتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار، وتطبيق القوانين والأنظمة، والحفاظ على السلم الاجتماعي، وتهيئة المناخات الملائمة للتنمية والاستثمار، وقبل كل ذلك التصدي لأعمال التخريب والعنف والإرهاب وملاحقة مرتكبي جرائم الاغتيالات والتفجيرات وقطع الطرق وتفجير أنابيب النفط والغاز وتدمير أبراج وخطوط نقل الكهرباء مهما كان مرتكبوها، وعدم وقوف أجهزة الحكومة موقف المتفرج مما يحدث، فالأوطان لا تنمو وتتطور إلّا في ظل الأمن والاستقرار وسيادة القانون، وفرض هيبة الدولة، وردع كل من يحاول المساس بأمن الوطن والمواطنين وتعكير صفو السلم الاجتماعي والسّكينة العامة، وبالتالي حشد كل طاقات وقوى المجتمع السياسية والثقافية والاجتماعية لمساندة مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية، لأنه من غير المقبول أن يُطلب من المجتمع أداء دور تلك الأجهزة التي لم يعد يعنيها ما تشهده محافظات ومناطق كثيرة من اليمن من أعمال عنف وإرهاب وقتل بشكل يومي دون اتخاذ أي إجراءات رادعة، والاكتفاء بإصدار البيانات وإعلان أسماء الجناة، بالإضافة إلى الركون على ضربات الطائرات بدون طيار التي أصبحت تصيب الأبرياء من المواطنين أكثر مما تصيب الإرهابيين الذين يرتكبون جرائم القتل والاغتيالات في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من الدولة وأجهزتها الأمنية، التي يفترض أن تكون على دراية كاملة بأماكن تواجد عناصر الإرهاب ومصادر تمويلها وخططها الإرهابية. إن اليمن تتعرض لهجمة شرسة وتآمرات خبيثة متعددة مصادرها وأشكالها، لا تكتفي بكبح جموح تطلعاتها النهضوية الحضارية بشروطها وآلياتها الديمقراطية، وإنما إبقاء اليمن أسير التخلّف والصراعات والتمزقات الداخلية، وتدمير الكيان الوطني لليمن، وفق أجندة استراتيجية استعمارية حديثة، استهدفت في أولوياتها دول وشعوب ومواطن الحضارات الإنسانية في المنطقة والتي تشكل القاعدة التاريخية والحضارية والسكانية، وتختزل في وجدانها مختلف عناصر القوة والإمكانات المادية والروحية والبشرية اللازمة لنهوض الأمة، ابتداء من بلاد الرافدين والهلال الخصيب، مروراً بدول المغرب العربي وبلاد النيل، وصول اً إلى جنوب الجزيرة العربية. المخاطر المحدقة باليمن كثيرة، أهمها الإرهاب القاعدي الذي يستفحل ويسيطر على كثير من المناطق بسبب تقاعس الحكومة في مواجهته والتصدي له واستئصال شأفته، وإزالة الأسباب الرافعة له - ولو جزئياً- وأهمها الفقر والبطالة والانفلات الأمني، إلى جانب خطر بوادر الحرب المذهبية التي تغذيها قوى وأحزاب سياسية بهدف تمزيق اليمن وجعله لقمة سائغة لقوى النفوذ التي تحلم بالسيطرة على هذا الجزء الهام من الجزيرة العربية وتحويله إلى مصدر إقلاق لدول الجوار والمنطقة، بالإضافة للنزعات الانفصالية الهدامة التي تريد العودة باليمن إلى عهود التشطير والحكم الشمولي، كل ذلك يحدث بينما كافة القوى والأطراف السياسية والاجتماعية منخرطة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي من المنتظر أن يخرج بنتائج تحافظ على وحدة واستقرار اليمن وإقامة الدولة المدنية الحديثة على قاعدة الحكم الرشيد، والعدالة والمواطنة المتساوية، والحرية والديمقراطية وسيادة النظام والقانون. أمام كل تلك المخاطر هل تستيقظ القوى الفاعلة في اليمن من سباتها وتدرك خطورة ما يُحاك ويُدبر لوطنها المتطلع إلى حياة الأمن والحرية والكرامة، وإلى أن يتمكن من القيام بدوره الإيجابي في الإطار الإقليمي والعربي والدولي، بدلاً من أن يكون مصدر خوف وفوضى وقلق لليمنيين أنفسهم وللآخرين..؟