في الآونة الأخيرة اشتد بشكل لم يسبق له مثيل تضييق الخناق الذي تفرضه القوات المسلحة اليمنية على جماعة الإرهاب والتمرد الحوثية، وتوالت بوتائر مطردة هزائمها وقنوات النزيف البشري والمادي الذي تتعرض له ، ولاحت في الأفق إمكانات كبيرة لاجتثاث هذه النبتة الشيطانية الغريبة من داخل نسيجنا الاجتماعي والعقائدي الإسلامي، وبالتالي تخليص اليمن والمنطقة من واحدة من أخطر المنابع والروافد الفكرية والسياسية والدينية المولدة والمغذية للتطرف والغلو والإرهاب والمهددة للأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي في المنطقة برمتها. وبالتزامن مع هذه التطورات المتسارعة على الجبهة العسكرية المنذرة بقرب لحظة الحسم بإذن الله، تكالبت قوى هذه الجماعة الإرهابية وأنصارها ومؤيدوها والمتمصلحون منها في الداخل والخارج وتعالت أصواتهم المتباكية من هنا وهناك، مشكّلة حملة دعائية إعلامية سياسية عبر مختلف وسائل الإعلام والساعية إلى تشكيل رأي عام وموقف دولي رسمي وشعبي ضاغط على الحكومة اليمنية لإيقاف عملياتها العسكرية تحت شعارات ومبررات شتى، في ظاهرها الحرص على مصلحة اليمن ودعوات إنسانية لوقف نزيف الدم وحماية السكان المشردين.. الخ وفي باطنها العذاب والويلات لهذا الوطن وتوفير أي شكل من أشكال الحماية لهذه الجماعة وضمان بقائها واستمرارها كما حصل في الجولات السابقة من الصراع العسكري.. هذه الحملة الإعلامية الدعائية وهذا التباكي المفتعل على حقوق وحياة أبناء اليمن ومصالحهم، ترافقا بإجراءات عملية على الأرض نفذها أعداء هذا الوطن من جماعة القاعدة الإرهابية التي حاولت تفجير الأوضاع في بعض المديريات الجنوبية في محاولة ميئوسة تستهدف جرّ الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية إلى مواجهة عسكرية مباشرة معها، وتخفيف الضغط العسكري على حلفائها في الإرهاب من جماعة التمرد الحوثية، والحيلولة دون مضي الدولة قدما في تحقيق أهدافها النهائية من الحرب في صعدة، والسعي في الوقت ذاته إلى توسيع رقعة الأزمة والصراع وفتح بؤر جديدة للاخلال بالأمن والاستقرار واستنزاف جديد لموارد الدولة المحدودة، وإعادة خلط الأوراق السياسية الوطنية والإقليمية عبر خلق معطيات جديدة على الساحة تصب في خدمة الجماعة الإرهابية وكل أعداء اليمن. لا غرابة أن نجد هذه الحملة السياسية الدعائية المغرضة، تستهدف وبشكل واضح وأكثر من أي وقت مضى موقف المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً، الداعم بقوة وثبات لموقف وجهود الحكومة والشعب اليمني في محاربة التطرف والإرهاب، والدفاع عن سيادة ووحدة واستقرار اليمن وأمنه والقضاء على الفتنة، فالغاية الحقيقية من مثل هذا الاستهداف مسخرة لإضعاف موقف اليمن في مواجهة التمرد الحوثي، ومحاولة إخفاء أبعاد إقليمية ودولية على الصراع الداخلي في صعدة، وتصويره للرأي العام بأنه شكل من أشكال الحرب بالوكالة وواحة لتصفية حسابات إقليمية بين السعودية وإيران بوسائل وأدوات يمنية ، ويأتي الحديث الصحفي الأخير للمدعو البيض لصحيفة لبنانية مقربة من حزب الله، ليعكس حقيقة يأسه وفشل مشاريعه التحريضية، وتضامنه وحرصه الكبير في الحفاظ على جماعة التمرد والإرهاب الحوثية وبقائها خنجراً مسموماً مغروساً في خاصرة الوطن لتمزيقه وتهديد الأمن الإقليمي، ومثل هذا الحديث يأتي أيضا في سياق الابتزاز السياسي لدول الخليج العربي وواحدة من المحاولات التآمرية المفضوحة لفتح المزيد من قنوات التدخل الإيراني المباشر في الشؤون الداخلية اليمنية وتحويل البلد إلى واحة مفتوحة أمام الأطماع الأجنبية وأداة من أدوات الصراع الدولي من أجل المصالح على حساب وحدة وأمن واستقرار اليمن وحياة ومصالح أبنائه. ومحاولة جعل اليمن ومصالحه وأمنه واستقراره شعاراً رئيساً لحملة دعائية إعلامية تستهدف المملكة العربية السعودية وعلاقتها الأخوية والإستراتيجية والمصيرية باليمن، تمثل في مضمونها واحدة من اخطر حلقات التآمر على اليمن واستهدافاً مباشراً لمصالحه، ولحالة الاستقرار والتعاون والتكامل بين دول المنطقة، لا سيما وأن العلاقات اليمنية - السعودية شكّلت عبر الكثير من المراحل التاريخية وفي مختلف الأحداث والمنعطفات التي تمر بها المنطقة، والمواقف المسؤولة المبنية على درجة رفيعة من التنسيق والتكامل ووحدة القناعات والرؤى بين القيادتين والشعبين الشقيقين، حجر الزاوية الرئيسة في تجاوز الخلافات والتباينات ومواجهة الأخطار والتحديات التي تتعرض لها المنطقة. اليوم يمكننا القول وبوضوح كامل إن موقف المملكة الداعم للحكومة والشعب اليمني، في مواجهة فتنة التمرد والإرهاب، يمثل امتدادا عضوياً لمواقفها التاريخية إلى جانب أشقائها اليمنيين، وهذا الموقف يعبر عن مصلحتها وحاجتها إلى يمن موحد وقوي ومستقر يمتلك عوامل النهوض الحضاري والمناعة ضد مختلف أشكال التآمرات والاختراقات لأمنه الوطني، انطلاقاً من يقينها بأن اليمن كانت وستظل إحدى البوابات الرئيسة للأمن والاستقرار في المنطقة التي ترتبط دولها مع اليمن بتأثير تفاعلي تبادلي سلباً وإيجاباً. موقف المملكة في دعمها لليمن في مثل هذه الظروف الاستثنائية المعقدة، لم يكن في أية لحظة من اللحظات موقفاً عبثياً تشترطه قناعات وحسابات ومصالح ذاتية، ولم يكن مناورات سياسية آنية غير مشروعة، بل هو موقف أخوي استراتيجي ومبدئي ثابت حتمته وتحكمه جملة من الواجبات والاحتياجات الموضوعية والمصالح القُطرية والقومية أهمها: •أن هذا الموقف المناهض لأي مساس أو محاولة لتحريف تعاليم الدين الإسلامي الحنيف يأتي في سياق الواجب الديني العقائدي الذي يقع على عاتق كل مسلم لحماية الدين الإسلامي من كل أشكال التحريف والتضليل، والتصدي لكل أشكال تزييف الوعي الجمْعي الإسلامي للأمة، وكل محاولات التوظيف الخاطئ للخطاب السياسي - الديني في الترويج للفكر الضال المنحرف وثقافة التطرف والغلو والإرهاب، والحيلولة دون استثمار الخطاب الديني لتمزيق الوحدة العقائدية والاجتماعية للأمة وتسخيره لخدمة أجندة ومصالح سياسية لا تمت إلى الدين بصلة. •هذا الموقف نابع من طبيعة المسؤولية الأخلاقية والقومية والإنسانية للقيادة والشعب السعودي إزاء أشقائهم العرب واليمنيين على وجه الخصوص، وهذا الموقف محكوم بقناعات والتزامات اخلاقية ودينية ونهج سياسي واضح لقيادة هذا البلد، مكرّس لخدمة قضايا هذه الأمة والدفاع المكين عن مصالح وخيارات شعوبها، والإسهام الفاعل والمباشر في الدفاع عن أمنها واستقرارها وسلامها الاجتماعي وسيادتها ووحدة أراضيها. •أخيراً يمكن القول إن هذا الموقف نابع من حقيقة الحوار والتماس الجغرافي والتداخل والتشابك الثقافي والاجتماعي، وواحدية اللغة والثقافة والدين والحضارة والتاريخ، ومن الاحتياجات والمصالح الأمنية المشتركة بأبعادها المعاصرة والمستقبلية، انطلاقاً من يقين القيادة في المملكة بأهمية اليمن كعمق استراتيجي لأمنها القومي وحرصها على أمن اليمن وعدم تعريضه للتداخلات الخارجية المضرة بمصالحه باعتبار ذلك مساساً مباشراً بمصالحها وبالأمن الإقليمي والعربي. وعبر مختلف المراحل كان وسيظل الأمن والاستقرار الإقليمي والقومي، يتبوأ أولوية يمنية - سعودية مشتركة، تضاعفت أهميته في الظروف الراهنة بعد أن تكشفت للعالم أجمع الخطورة المستترة للإرهاب بكل أشكاله ومسمياته ومشاريعه التدميرية باعتباره أداة خارجية مسخرة لزعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي والقومي برمته، لاسيما بعد أن تنامى النشاط الإرهابي على الساحة الوطنية وتعددت أشكاله ووسائله وتحالفت قواه المختلفة "الحوثيون، القاعديون، الانفصاليون" وحلفاؤهم وأنصارهم في الداخل والخارج وتناسقت وتكاملت أدوارها ومهامها وسعيها المشترك بدعم وتوجيه خارجي فاعل لتحويل اليمن إلى بيئة رخوة ملائمة لتفريخ ونمو قوى الإرهاب والعنف والتطرف باختلاف مشاربها وولاءاتها وأهدافها. إن أي نجاح يمكن أن تحققه الجماعات الإرهابية على الساحة اليمنية مهما كان بسيطاً أو محدوداً سينطوي على أبعاد خطيرة على أمن جيرانها وسيؤثر بشكل عميق في نظريات وفلسفات الأمن الإقليمي والدولي، والمحاولة الفاشلة لاغتيال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية بالمملكة العربية السعودية الشقيقة من قبل جماعات القاعدة الإرهابية وما كشفته التحقيقات من حقائق تؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن التهاون مع هذه الجماعات الإرهابية أو السماح بأي شكل من أشكال التدهور الأمني في اليمن أمر مرفوض، ولا يمكن القبول به في مثل هذه الظروف التي أضحى فيها الإرهاب أحد أهم الهواجس الأمنية في العالم أجمع وتقوم على أساسه آليات ونظريات الأمن الإقليمي والدولي. ومما لا شك فيه أن التعاون الأمني اليمني - السعودي من شأنه أن يجهض كل المحاولات الرامية لجعل اليمن قاعدة انطلاق النشاط الإرهابي في المنطقة، وتبديد أحلام الإرهابيين وتطلعاتهم القديمة الجديدة في الوصول إلى أهم المناطق الحيوية بالنسبة لمصالح القوى الكبرى في العالم وأكثرها مقدرات وموارد وأشدها تأثيراً في السياسة العربية، وهذا التعاون يشكل على الدوام سداً منيعاً أمام نجاح وتمدد كل أشكال التطرف والإرهاب والعنف فيالمنطقة. * رئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر اليمنية