إن الوعي على ايجابيات الحياة اللبنانية في العيش الانساني والاجتماعي المشترك والمتقدم هو ارتفاع بلبنان وهو ضخ للحياة الاجتماعية والثقافية اللبنانية بدم جديد لا يرتد بالخير والعزة والمثالية على اللبنانيين فقط بل على الحياة العربية بصورة عامة، فلبنان هو قاطرة وليس مقطورة فقط في سكة التقدم العربي. فحتى الدول العربية الاكثر تقدما كمصر على وجه المثال تستفيد من ايجابيات التقدم اللبناني ومن نهضوية الانسان والحياة اللبنانيين، علماً ان ايجابيات أوطان عربية عديدة ارتدت بالخير ايضا على حياة اللبنانيين في وطنهم وفي مهاجرهم. ذلك اننا نحن العرب كنا وما نزال امة واحدة، وما في لبنان من ايجابيات يمكن لسائر العرب ان يستفيدوا منها. ومهما قيل يبقى صحيحاً ان هناك امة اسمها الأمة العربية، وانها موجودة في كل مكان ويمكنها ان تدفع بنفسها الى أمام. ومع الأسف الشديد ليس هناك اي التفات جدي لامكانية ارتداد الوجود العربي بالخير على كل الاقطار والمجتمعات العربية. اننا جميعا نردد بطرب كلمة عالم عربي. ولكن أين نحن من مهمة تفعيل قدرات هذا العالم رغم كثرة الحديث عنه والتباهي به، بل أين نحن كعرب من العروبة كمفهوم وكمرجعية قائمة او يمكن ان تقوم؟ والعتب على بعض الاقطار والمجتمعات العربية الاساسية قائم بلا شك ولكن هل هناك من هذه الدول من يفكر ويعمل على أساس ان هناك عالما عربيا واسعا قادرا على خدمة كل الأمة العربية بشكل أو آخر؟! اننا جميعا نردد بطرب كلمة عالم عربي. ولكن أين نحن من مهمة تفعيل قدرات هذا العالم رغم كثرة الحديث عنه والتباهي به، بل أين نحن كعرب من العروبة كمفهوم وكمرجعية قائمة او يمكن ان تقوم؟ وما هو سر هذا النسيان الكامل للوجود العربي المشترك سواء في البلدان العربية او المهاجر؟ إن البلدان العربية الكبيرة القادرة، قادرة اذا شاءت ان تفعل لأمتها وابنائها حيثما كانوا الكثير ولكن اين الانكباب الصحيح والصادق على هذا الموضوع؟ وكيف السبيل الى إيقاظ الوعي النائم عند أصحاب القدرات، وأين تصرفات العرب من افتخارهم الدائم بالعروبة وبالعالم العربي؟ بل الى متى يستمر القادرون على تحمل الشكاوى من دون اي خطوة حقيقية باتجاه ايقاظ الأمة ولاسيما قادتها ومثقفوها من حالة نسيان الذات الحقيقية للامة، والاكتفاء بالتغني بالعروبة من دون تحويلها الى أعمال ومخططات عملية تفيد الجميع وخاصة أصحاب النيات الحسنة والغيرة على مستقبل العرب والعروبة وهم موجودون بكثرة ولا شك. التغني بالعروبة لا يكفي؛ فالاستهداف متواصل. وهناك تعاطف مصلحي بين جهات عديدة معادية للاسلام ولا سيما العرب من المسلمين، ولا بد من الاشارة اليها، ولفت نظر العالم اليها والا دفع المسلمون وحدهم وفي كل مكان من العالم ثمن الاستهانة بوجود هذه الظاهرة وتوسعها المتواصل في كل مكان. فماذا تنتظر الحكومات العربية والشعوب لفضح هذه السياسات الموجهة ضد المسلمين عموما ولكن ضد المسلمين العرب خصوصا، وكأن ثنائية الاسلام والعروبة هي التي تدفع الثمن من مصالحها حيث كانت؟ وتاريخ النضال الفلسطيني يعزز هذا الاعتقاد، بأنه لولا العلاقة الأخوية التي كانت تربط دائما بين ثنائية المسيحية والعروبة، وثنائية الاسلام والعروبة، لما ظلت القضية الفلسطينية حية. فالقضية الفلسطينية هي الجامع الحقيقي بين المسيحيين العرب والمسلمين العرب، وحافظت على وهجها على الرغم من كل ما احاط بها من مؤامرات على كل الصعد لتبقى القضية الفلسطينية هي احدى القضايا الاقدس في تاريخ الانسانية، فالحلف الوطني الصادق بين المسلمين والمسيحيين العرب كان أساساً في المكانة القائمة والمستمرة للقضية الفلسطينية. التحالف بين ثنائيتيْ العروبة والمسيحية، والعروبة والاسلام، تجلى ايضا في سطوة الشارع السياسي البيروتي منذ أيام ابراهيم باشا المصري، ثم استمرت حتى عهد الانتداب الفرنسي وثم عهد الاستقلال. وكأن الزعماء الشعبويون القادرون على تحريك شارع بيروت ذوي هالة واحترام وسلطة لا في بيروت فقط ولا في لبنان بل في كل البلدان العربية. فشارع بيروت وشارع دمشق السياسي ايضا كانا معروفين بتأثيرهما في توجهات المنطقة السياسية منذ العهد العثماني ثم الانتداب الفرنسي ثم العهد الاستقلالي. ففي القاهرة وفي باريس وفي لندن كان هناك دائما حساب لشارع بيروت السياسي وتأثيره في البلدان العربية والدول الاجنبية، بسبب مكوناته الدينية المتنوعة. فشارع بيروت السياسي قابل للتحريك سواء من المسلمين او المسيحيين. فهذان الطرفان كانا يوجهانه ضد السلطة العثمانية ثم ضد الفرنسيين ثم ضد الحكومات والزعامات المحلية او معها. فبيروت عرفت من قديم بأهمية شارعها السياسي وسلطته على الحكومات العربية وغير العربية. وليس على الفرنسيين وحدهم خلال الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان. وقد كانت الزعامات الوطنية كرياض الصلح وعبدالحميد كرامي تحرك شارع بيروت للضغط على الحكومات العربية والاجنبية، ما أعطاها وأعطى لبنان وزنا خاصا في الحياة السياسية لكل وطن عربي.. إن ما يسمى بالشارع السياسي لبيروت، ظل لمدة طويلة من الزمن حقيقة يحسب لها الكثيرون من الساسة العرب أدق الحسابات. فكم من سياسي من هذا البلد العربي أو ذاك ارتفعت أسهمه في بلده نتيجة تظاهرة في بيروت. واذا كان واضحا بالنسبة للساسة السوريين، فإنه ينطبق على العراقيين والفلسطينيين، وغيرهم ممن كانوا يأتون الى مدينة بيروت ويتحركون منها ويعودون الى بلادهم نجوما سياسية لامعة زادتها اقامتهم في لبنان ومدينة بيروت بالذات لمعانا على لمعان. وهذا من ايجابيات المجتمع اللبناني وعروبته وتعدديته الدينية..