هذا قائد فذ حمل على عاتقه أصعب المسؤوليات من وقت مبكر من عمره.. فبعد أن نجح المؤسس الملك عبدالعزيز في توحيد المملكة العربية السعودية وبدأ اسم هذا الكيان الجديد في الظهور كان لابد من أن يسنده، ويرعاه، ويعتني به جيل مؤهل بالعزيمة، والطموح، والتحدي فكان اختيار الأمير فهد وزيراً للمعارف ليخوض هذا الشاب معركة التعليم من الصفر ويعجز الإنسان أن يفي بعض القادة التاريخيين حقهم من الثناء، والتقدير، والاحترام، والوفاء نظير ما قدموه من إنجازات، وأعمال لأمتهم، وبلادهم، وفي مقدمة هؤلاء الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - الذي قدم لشعبه، وبلده الكثير من الإنجازات، والأعمال التي تتحدث عن نفسها بنفسها في مجال التعليم (وكان هذا هو الأساس الذي بنيت عليه مسيرة البناء).. ثم في مجال الأمن (الذي بنيت عليه مسيرة الاستقرار).. ثم في مجال التطوير (الذي بنيت عليه مسيرة التحديث).. العنوان الأول «التعليم» كان العنوان الأول للملك فهد بعد مرحلة التأسيس على يد والده الملك عبدالعزيزالتعليم. وكان الشاب الأمير فهد وقتها وهو يتسلم مسؤولية وزارة المعارف يدرك صعوبة المهمة التي كان لابد منها.. كانت مهمة غاية في الصعوبة فهذا البلد الذي يتولى الأمير الشاب فيه أول وزارة للمعارف بعد التأسيس مباشرة يكاد يكون (بلا موارد) تكفي للصرف على إقامة المدارس، وجلب المعلمين، والإداريين فمع (ضعف الموارد) كانت المملكة مترامية الأطراف (سهول، وجبال، ووديان، وصحارى، وبحار، وقفار) متباعدة، ومرتفعة، ومنخفضة.. وفي ظل هذه الظروف الجغرافية البالغة التعقيد من جبل، إلى سهل، ومن صحراء، إلى براري، ومن بحار إلى أودية، وجزر، ومن ظروف مالية قاسية، وظروف اجتماعية، واقتصادية صعبة للغاية، في ظل هذه الظروف (التي لا توحي بنجاح المهمة النجاح المأمول) استطاع الأمير الشاب أن ينطلق بقافلة النور إلى جميع مدن، وقرى، ومناطق المملكة مدينة، مدينة، وقرية، قرية، ومنطقة، منطقة، سهلاً، وجبلاً، صحراء، وبرية، ونشر التعليم فيها فالتعليم هو الأساس الذي تُبنى عليه نهضة الأمة، وتقدمها، ورقيها لتكون هناك مدرسة في أعلى الجبل، وأخرى في أسفل الوادي، وثالثة في الصحراء القاحلة، ورابعة في الساحل البعيد.. لم تكن هناك الطرق المعبدة، ولم تكن هناك وسائل مواصلات مريحة، أو شبه مريحة، سواء لإدارات المدارس، ومعلميها، أو لطلبتها لكنه بفضل الله أقام ما سمي وقتها بمعجزة التعليم إلى أن غطى التعليم كل شبر من هذه المملكة، القارة، وتقدمت مسيرته، وانطلاقته ليشمل التعليم العالي الذي واصل رعايته، وعنايته، واهتمامه به بعد أن أصبح القائد الأول. وكان الملك فهد خلال لقاءاته بأبنائه طلبة الجامعات يقول (لقد كنا نذهب للمطار لاستقبال أي مبعوث يتخرج من الجامعة) إلى أن صار لدينا سبع جامعات، ثم تسع جامعات، وآلاف الطلبة المتخرجين، ثم آلاف الطالبات المتخرجات، ولم يكن ذلك إلا ثمرة طيبة للجهد الخارق الذي بُذل في البداية ليحقق هذه النتائج الرائعة بكل مقاييس العمل، والإخلاص، والحرص، والصبر.. العنوان الثاني «الأمن، والأمان» كان استقرار الكيان الجديد، وأمنه وأمانه، وطمأنينته مهماً كما التعليم فجاءت المسؤولية الثانية - الصعبة - للأمير فهد ليكون وزيراً للداخلية وقد اكتسب خبرة التعليم، وكسب جولته، ونجح في تحدياته. وبدأت - مع توليه وزارة الداخلية - عمليات التطوير لأجهزة وزارة الداخلية في كافة مستوياتها فتم تحويل مدرسة الشرطة إلى كلية، وأنشئت خدمة أمنية في تلك الفترة كانت حديث المجتمع لأنها كانت تعمل على خدمته، ومساعدته، وتأمين راحته، واستقراره.. كانت هذه الخدمة الأمنية الجديدة هي (شرطة النجدة) التي تم اختيار مجموعة من الضباط الشباب المؤهلين لإدارتها، وكانت شرطة النجدة - في تلك الفترة - حديث المجتمع نظراً للمستويات المهنية التي قدمتها فاقتربت من الناس، واقترب الناس منها.. ثم تطورت أجهزة الأمن فكانت الكليات الجديدة، والبعثات الخارجية، وأصبحت منظومة الأمن محل تقدير، واحترام المواطنين، والمقيمين.. وانتشر (الأمن الوارف) ليعم الكيان الجديد، والوطن القارة، وليصبح الأمن أحد معجزات الحكم السعودي (إضافة للتعليم) بل إن التعليم هو الذي مد جسوره نحو الأمن، والأمن بدوره مد جسوره للتعليم فكانا (التعليم، والأمن) مصدراً لكل النجاحات التي مضى الكيان الجديد لتحقيقها، وإنجازها، وصار الأمن مضرب المثل في الداخل بين السعوديين، والمقيمين، وضرب المثل في الخارج بين من يأتي للعمرة، والحج فيتحدث عن هذا الأمن، والأمان كشيء من معجزات الحكم السعودي.. وضمن وزارة الداخلية كانت وكالة البلديات، وتخطيط المدن، ومنها انطلق الأمير فهد - وقتها - ليقود مسيرة بناء جديدة، لمدننا، ومناطق من خلال (جولات عمل) كان يقوم بها الأمير فهد بنفسه، ومعه المهندسون، والفنيون، والخبراء لتحديث وتطوير مدننا، ومناطقنا، وهذا ما حدث بعد ذلك، وما كان بعد ذلك، وهو يحسب لمسيرة الملك فهد الطويلة، الموفقة والناجحة، والتي شملت سنوات الشدة، والرخاء التي كان زعيمها، وعنوانها الرئيسي الملك فهد. مؤسس الدولة الحديثة وهو رحمه الله بعد هذا المشوار الصعب، والطويل أصبح - فيما بعد - رمز الدولة الحديثة بكل معنى الكلمة.. فهو الذي وضع (المملكة العربية السعودية) على الطريق الصحيح علماً، وتعليماً، ونهضة، وبناءً لتكون بهذه الصورة الحضارية، ولتكون بهذه المكانة الرائعة، والقيمة الكبيرة.. ودائماً يكون التاريخ المليء بالإنجازات، والأعمال الكبيرة، الرائدة لأي زعيم، وقائد سبباً في حيرة من يريد أن يكتب عن هذا التاريخ، وهذه الإنجازات، وهذه الأعمال: ماذا يكتب، وماذا يترك.. والملك فهد - يرحمه الله - يملك تاريخاً حافلاً بالإنجازات، مليئاً بالأعمال الكبيرة من لحظة تحمله مسؤولية التعليم، إلى الأمن بعد ذلك، إلى مرحلة التطوير، والبناء، والنهضة العامة، الشاملة، إلى لحظة الانطلاقة الكبرى، وهي لحظة التحديث.. والملك فهد الذي تحمّل مسؤوليات كبيرة، وواجه تحديات أكبر نجح بطموحه، وإيمانه، وإخلاصه، وصبره، وصدقه، وحبه لوطنه، وأهله، وأفراد مجتمعه في تجاوز كل الصعاب تقريباً.. تعليمياً انتقل بالبلاد من (عصر الكتاتيب) إلى عصر المدارس الحديثة فكانت النهضة التعليمية التي شهد الجميع نجاحها، وتفوقها.. وأمنياً قاد هذه البلاد (القارة) إلى أن يصبح الأمن، والأمان عنوانها الرئيسي في الداخل، والخارج، وأن تكون مضرب المثل في ذلك، وأن يرتقي بمؤسسات الأمن من مدارس عادية إلى كليات، وجامعات، وأن تتواصل البعثات للأفراد ليكونوا مؤهلين على أعلى مستوى.. ومن التعليم، إلى الأمن واصل مشوار التحدي، والطموح، فحمل راية البناء، والنهضة، والتطوير من خلال مسؤوليته عن (وكالة البلديات) التي انطلق منها في زيارات ميدانية للمدن فأنشأ مكاتب تخطيط المدن، واستقدم شركات عالمية تفرغت لهذه المهمة حتى سابقت مدننا الزمن في النهضة، والبناء والتطوير.. لقد فقدت الأمة العربية، والإسلامية (وليس المملكة العربية السعودية) فقط زعيماً، وقائداً، وملكاً فذا كان دائماً مع همومها، وآمالها، وتطلعاتها، وأحلامها.. لقد فقدت الأمة العربية، والإسلامية، و(ليس المملكة العربية السعودية) فقط قائداً ظل إلى آخر لحظة متمسكاً بحقوقها، حريصاً على استقرارها، طموحاً لحاضرها، ومستقبلها.. لقد فقد العالم زعيماً محباً للسلام، والعدل، والاستقرار لا يُعوّض.