لا يتمدد حزب بمفاصل الدولة ليقبض عليها كلها إلا وسارع إلى الحزب الخراب. منذ منتصف القرن الماضي والتجارب الحزبية الأحادية من قومية وبعثية وصولاً إلى الأحزاب الإخوانية الآن تثبت تلك التجارب أن الحزب إن تمدد بكل شيء انكمش. صدام حسين الذي حكم العراق بالحديد والنار حين جعل الحزب مقدساً ومعبوداً وحين جعل من فريقه فقط هو من يقود العراق أكل الدهر على حزبه وشرب حتى انهار على النحو الذي رأيناه تدريجياً منذ 1991 وإلى 2003 حيث النهاية التامة. وكذلك حزب البعث السوري الذي كان مطالباً منذ بدء الألفية الحالية بإصلاحاتٍ جديدة حيث انبهر بعض المثقفين السوريين ببشار الأسد حينها وأرادوه أن يدشّن فعلياً "ربيع دمشق" لكن ها هي الأمور تسوء بسوريا على النحو الذي نتابعه يومياً بكل أسف. تجربة الطغيان الحزبي الإخواني تعاش الآن في تونس ممثلاً بحزب النهضة، وبمصر انتهت شمولية حزب الحرية والعدالة الإخواني وضرب بيدٍ شعبية بخروج 33 مليون في 30 يونيو. كانت ضربة شعبٍ يعلّم الإخوان درساً لن ينسوه، لقد كانت ضربة مدنية ضد الطغيان وضد الشمولية الايديولوجية. لفتت نظري مقالة كتبها المفكر والشاعر السوري أدونيس وهو الذي يحذر دائماً حين يدخل في توصيفات الربيع العربي ومن حذره هذا يمكننا أن نستمد منه حكمةً، لنقرأ بعض عباراته حين قال: "للمرة الأولى، في التاريخ العربي، وربما في تاريخ العالم، يتجسّد في الشارع، على الأرض، عمليّاً، وميدانياً مثل هذا الوعي، وهذا التعبير عن إرادة جمعية. التعبير عن موقف فكري - سياسيّ بالغ الوضوح والدقة والتمييز، بين الدينيّ والسياسيّ، رفضاً للتبعيّة والخضوع، وطلباً للعدل والمساواة والإدارة العالمة للدولة والمستقبل". الشعب المصري أراد التمييز بين الديني والسياسي من جهة، وأراد التمييز من خلال هبته الكبرى بين الفردي والجمعي، أراد الإخوان تحويل الفرد المصري إلى "ترس" ضمن آلة، وهذا ما جعل المناوئ للإخوان بمصر يرفض مبدأ أن يكون مجرد ناخبٍ يقاد إلى الحتف بنفسٍ مطمئنة. بآخر السطر، إن الأحزاب الُأحادية الشمولية تعرضت لهزات وضربات، ولعل حزب النهضة التونسي يفيق فيبدو أن الدور عليه من خلال هبة اجتماعية تونسية على غرار الهبة المصرية القوية. فالدروس الآن توزعها الشعوب الواعية المعتدلة المدنية.