عادت اليابان إلى الواجهة في الصناعات النووية، بعد كارثة فوكوشيما التي أضرت بسمعتها كإمبراطورية حقيقية للاستخدام السلمي للطاقة الذرية، إذ تضم 55 مفاعلاً تنتج 28 % من الطاقة الكهربائية للبلاد، إلا أن الكارثة تسببت بكثير من الحرج للحكومة اليابانية التي كانت تراهن على تصدير خبراتها في هذا المجال بعد ازدياد الطلب على الطاقة الذرية والمتجددة بسبب ارتفاع أسعار الوقود الاحفوري وارتفاع نسب التلوث البيئي وهما أمران ألقيا بظلالهما سلباً على الحكومات في الدول النامية والصناعية على حد سواء وباتا هدفاً رئيسياً للجماعات الخضراء في الولاياتالمتحدة والدول الغربية بشكل عام . وكانت اليابان التي قام رئيس وزرائها شينزو آبي بزيارة إلى الشرق الأوسط شملت المملكة والإمارات وتركيا، قد أثمرت عقداً مع تركيا لإنشاء محطة نووية بقيمة 22 مليار دولار وهو أمر كان ضرورياً لليابانيين من أجل لفت أنظار حلفائهم في المنطقة مرة أخرى، لاسيما أولئك الذين كانت اليابان ترغب في الاستحواذ على مشاريع الطاقة النووية لديهم. وكان من ضمن الأولويات التي حملها شينزو آبي في جولته الشرق – أوسطية التعاون في مجال تطوير الطاقة وحسب البيان الذي أصدرته رئاسة الوزراء اليابانية وجاء تحت عنوان " من الطاقة إلى التآزر" ، وضع صائغو الأجندة اليابانيون التعاون في مجال الطاقة النووية والمتجددة وكذلك ترشيد الطاقة من عناصر تعزيز وتوسيع التعاون الاقتصادي . وتفادياً لانتقادات متوقعة من الاعلام التركي على الاتفاقية النووية كان رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان حاضراً لتبرير ذلك، إذ أشار إلى أن " ما حدث في فوكوشيما أزعج الجميع ... هذه الاشياء تحدث وباتت تقنيات حديثة تطبق الآن " أما رئيس الوزراء شينزو آبي فقد أكد أن بلاده استفادت من درس فوكوشيما وستعمل على تعزيز الامن النووي . وجاء شكل الاتفاقية التي وقعت بين طوكيو وأنقرة على طريقة كونسورتيوم ياباني – فرنسي. ويجدر الحديث هنا أن إحدى الشركات الموجودة في هذا التحالف هي شركة متسوبيشي للصناعات الثقيلة التي كانت خلف الأضرار التي لحقت بمفاعل فوكوشيما بفعل الزلزال وأمواج المد تسونامي . الاتفاق النووي ليس يابانياً خالصاً إذا تشترك فرنسا في هذا التحالف من شركة "جي دي إف سويز" الفرنسية التي ستدير المحطة المتوقع أن تبلغ طاقتها ما بين 4500 ميغاواط و5000 ميغاواط. وتبدو تركيا متحمسة جداً نحو الاندفاع شرقاً في التعاون مع اليابان في هذا القطاع إذ يؤكد مسؤولون ان أنقرة عازمة على التعاون مع اليابان في إنشاء محطة نووية أخرى. ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى اعتبارين : الاول سياسي إذ إن علاقة تركيا بأوروبا ليست في وضع مستقر خصوصاً فرنسا، والتي ينظر لها أنها أكثر الدول خبرة في المجال النووي على مستوى العالم وهي في ذات الوقت لا تربطها بتركيا علاقة ود، كما أن أنقرة تخشى من أن تطغى حسابات السياسة على حسابات الاقتصاد فتحدث تأثيراً في قطاع الطاقة الذي تنظر له تركيا بأهمية بالغة. أما الاعتبار الثاني فهو فنيّ إذ إن تركيا كجغرافيا بلد يقع ضمن أحزمة زلزالية منها حزام المحيط الاطلسي الذي يمتد حتى شمال تركيا ، إضافة إلى حزام صدع الاناضول وهو حزام زلزالي ضعيف، إلا ان الخبرة اليابانية في تصميم المفاعلات المضادة للزلازل كون اليابان تقع ضمن حزام "حلقة النار" ، الامر الذي اكسبها قدرة هندسية في تصميم الانشاءات المضادة لتلك الظاهرة الطبيعية ، بالرغم أن مفاعل فوكوشيما لم يصمد أمام امواج المد التي نشأت بفعل زلزال بلغ 9 درجات على مقياس ريختر الا أن مصممي المحطة لم يتوقعوا موجاً يبلغ ارتفاعه 15 متراً .