ما عاد لي عذر أخذت كفايتي، منذ احتباس الذات في الذات الحبيسة كانت الأيام قاصرة وكان الليل أطول من خيوط الشمس حول سوادها المعتاد والأولاد كانوا يلعبون وكنت أصغر واحد، بين الذين سيكبرون ويتعبون وكان صلصال الطريق عجينة بين الكفوف وبعض ناس يسلكون الدرب في حذر المغير على المرايا والنوافير التي كانت تصر على انتهاك الماء تسحبه وترفعه ويرفضها فتتبعه ولا تمضي به في حضنها، إلا لغايات التسلي كي تلاحظها العيون والناس كانوا يسخرون ويسخرون حياتهم لحياتهم، وإذا انتهت فيهم حياةٌ يحزنون ما عاد لي أمل ولا طمحت يداي لنجمة إلا تهاوت عند قبر أبي وأمي ربما كانت تدافع عن مراثيهم، ليكتبها بديل ما تربى بين كفيهم ولا دعست على أضلاعه أقدامهم حتى، ولا اتسعت لديه خيامهم حتى يكون بقربهم حتى يرى من حبهم كل الذي أخفاه عنه رحيلهم حتى هناك.. وهناك، يا الله.. ما أقسى هناك.. فهناك موتٌ لا يميت وهناك ملحٌ لا يبلله المحيط وهناك جرحٌ لا يحض على النزيف ولا يصد عن المخيط وهناك صوتٌ.. لا يلاقيني سواه، إذا التقيت ولأنني، لا عذر لي.. حاولت أن أخفي عن المرآة كل ملامحي وأسير من سفر إلى سفر ومن تعب إلى تعب ومن حب بلا ذنب إلى ذنب بلا قلب يلاحقني بلا حب ويتعبني بلا ذنب ويرميني بلا قلب إلى نفسي ويا ويلاه من نفسي.. يا ويلاه من نفسي.. تردُّ إليَّ ماضيَّ الذي حاولت أن أنساه وتخطف من يدي عمراً سألت الله أن أحياه فيا ويلاه من نفسي.. يا ويلاه.. يا ويلاه أنا من يعرف الكلمات، والأشعار، والصرخات أنا من يفهم الأحياء إن سكتوا عن الأموات لهذا فاسكتوا عني، وقولوا: كان دون صفات. فلا حلمٌ ألوذ به.. ولا ضحك.. ولا دمع.. ولا رقصات كأني عشت مغشوشاً، ولا تعنى بي النظرات أسافر مرة في الليل أفتش عن كتاب كان محظوراً وأحمله على ظهري، وكان الظهر مكسوراً وأكتبه بلا قصد.. قصيدة من يرى الظلمات في تدويرة الشمس فيا ويلاه من ليلي ويا ويلاه من صبحي، ويا ويلاه من أمسي تعبت من الحياة، تعبت.. موتي الآن يا نفساً سُدى سميتها نفسي فثمة من يناديني.. يهددني.. ويحميني يعلمني على الخَرَس.. تعبت أنا من الإيقاع، تعبت أنا من الجرس فليت الأرض تسحبني، وتفلتني من القوس.. المدينة كلها أضواء وناسٌ كلهم أسماء ولا شيء غريب مثل إنسان بلا جدوى.. يخاف من الزحام، يخاف حتى دعوة العُرس فإن طالت حياة هكذا انتفعت فقاعات تُعكر صفوة الكأس فيا رباه خلصني، وخلص بي خساراتي من القدمين.. للكفين.. للكتفين.. للرأس. يناير 2005