كانت الطبيعة فيما مضى تطوّع الإنسان، فيأخذ منها قدر حاجته، ولا يستطيع أن يقهرها، أو أن يسبح عكسها، ومع تسارع العلم الحديث وظهور مئات الاكتشافات العلمية العظيمة؛ استطاع الإنسان أن يتجرأ ويعلن عناده ويعاكس قوى الطبيعة -غالباً-، فإذا أراد أن يشق طريقاً إلى أي مكان تقف الجبال الشاهقة عقبة أمامه مما يضطره إلى الالتفاف حولها، أمّا اليوم فقد عمد إلى قصر المسافات متسلحاً بالعلم والتقدم التقني، فتمكّن من شق الطرق في الجبال الشاهقة، وبناء الأنفاق تحت الأرض، وتحت مياه البحار. «اختصرت الزمن» للمسافرين باتجاه الحجاز وأثارت فضول المسافرين رغم أنها تصم آذانهم وأول معجزة من هذا النوع شهدها التاريخ هي شق «قناة بنما»، بين المحيط الأطلنطي والمحيط الهادي، في الشريط الضيق من الأرض بأمريكا الوسطى، حيث تعتبر هذه القناة إحدى المعجزات الهندسية التي حققها الإنسان عبر العصور المختلفة على مستوى العالم، ووجه الإعجاز في تصميم هذه القناة المائية هو اختلاف منسوب المحيطين الأطلنطي والهادي بدرجة كبيرة؛ مما اضطر المهندسين إلى تقسيم القناة إلى قطاعات متعددة، ولكل قطاع بوابة، للانتقال بين مختلف قطاعات القناة، والتي لكل منها منسوبها الخاص من الارتفاع والانخفاض، وقد تم الانتهاء من شق القناة المائية في سنة 1914م، واستغرق حفر القناة عشرة أعوام كاملة، بتكلفة (333.000.000) دولار أمريكي بتمويل كامل من الولاياتالمتحدةالأمريكية. وقد واجهت المملكة منذ عقود تحدياً في شق الطرق في الأماكن الجبلية الوعرة، خصوصاً في المنطقة الجنوبية، ومنطقة الحجاز، ونجحت في شق عقبات شاهقة وعملاقة على امتداد الجبال، حيث ساهمت بشكل كبير وملموس في اختصار المسافة والزمن. أشهر العقبات: «شعار»، «ضلع»، «الباحة»، «الجوة»، «قلوة»، «برحرح»، «الأبناء»، الهدا، «شمرخ».. طريق «أباالقد» كان طريق «أبا القد» من الطرق الشهيرة منذ القدم، فهو همزة الوصل بين العاصمة «الرياض» وبقية بلدان «نجد»، حيث كان ممراً لقوافل الخيول والجمال المحملة بالبضائع من وإلى «الرياض»، ويخترق «جبال طويق» المرتفعة الشاهقة، والتي تمثل حاجزاً طبيعياً لمدينة «الرياض» من الغرب، وكان طريقاً ملتوياً «حلزونياً» لا يتسع إلاّ لجمل واحد، ويصعد من سفح «جبل طويق» من شرق قصور «آل مقبل» حتى أعلاه، ويوجد في أسفله مصلى، وكان يسلكه المسافرون والحجاج من «الرياض» ومن مرّ عليها، والصعود منه شاق، لوعورته ولما به من مخاطر بسبب المنحدرات، وقد تم رصف العديد من المنحدرات بالصخور، ووضع لها سلمٌ من الحصى «درج انسيابي» يمكن للدواب من السير عليه بيسر وسهولة، كما تم بناء جدران من الصخور في أجزاء منه على جوانبه بارتفاع المتر تقريباً؛ لمنع المارين بالطريق من السقوط من أطرافه إلى الهاوية، ولا تزال معالم هذا الطريق باقية وإن تم الاستغناء عنه، حيث يُرى على يسار النازل مع الطريق الجديد، ولا يبعد كثيراً عنه، وكان هذا الطريق القديم يسهل الوصول إليه من أعلى «جبال طويق». السواق «الغشيم» يتعلّم وإلاّ «الله يرحمه» مع نزول وشدة انعطاف الطريق شيخ الطرق وبعد ظهور «الإسفلت» كان من الصعوبة سفلتة طريق «أبا القد» طريق «القدية»؛ نظراً لصعوبة شق الطريق في «جبال طويق»، فكان طريق «ديراب» أسهل بمراحل من طريق «أبالقد»، واتجه الطريق من «الرياض» إلى «الحجاز»، مروراً ب»ضرماء»، «مرات»، «الدوادمي»، «عفيف»، «ظلم»، «المويه»، ووصولاً إلى «الحوية»و»الطائف»و»مكةالمكرمة»و»جدة»، ويسمى «طريق الحجاز القديم»، ويحلو للبعض تسميته «شيخ الطرق»، وسعياً من وزارة النقل -وزارة المواصلات آنذاك- في اختصار المسافة من العاصمة إلى «الحجاز» فقد شرع العمل على تنفيذ طريق «أبالقد» أو «القدية» في بداية الثمانينيات الهجرية، وذلك بشق «جبال طويق» نزولاً، وقهر تلك العقبة التي ظلت شامخة منذ الأزل، وصارت طلعة «أبالقد» سهلة بعد حفرها عشرات الأمتار، وهكذا توج العمل باختصار المسافة بين العاصمة ومدن الحجاز، فتم صرف الطريق من مساره السابق إلى مساره الجديد، الذي يخرج من «الرياض» إلى «المزاحمية»، «الجله»، «القويعية»، «الرويضة»، «حلبان»، «الخاصرة»، وصولاً إلى «ظلم» حيث يلتقي بالطريق القديم. «طلعة القدية» اختصرت السفر إلى الحجاز وأنعشت تنمية المحافظات على الطريق مقاومة الانزلاق وقد عمت الفرحة جميع المسافرين من العاصمة أو القادمين إليها بهذا الانجاز، الذي يعد بمثابة المعجزة في وقته، ونظراً لدوره الحيوي الهام وكثرة عابريه؛ فقد طبقت فيه وزارة النقل أول تجربة من نوعها، تتمثل في تنفيذ أول الطرق المقاومة للانزلاق في المملكة، وتصل شدة الانحدار في الطريق إلى (8%)، وأدى هذا العمل إلى اختفاء ظاهرة انزلاق المركبات -خاصةً الناقلات- وقت نزول الأمطار، حيث تمثّل ما تم عمله وتجربته في المنحدر هو كشط سطح الطريق بعمق (70 ملم)، ووضع طبقة رمل ساخن بسماكة (50 ملم)، يليها طبقة سطحية بسماكة (50 ملم)، وطبقة مقاومة للانزلاق بسماكة (20 ملم)، وقد تم قياس مقاومة الانزلاق لسطح الطريق وكانت النتائج ممتازة. جانب من أعمال الحفر لشق جبال «طويق» وفتح الطرق وسبق أن صدر منعاً للشاحنات من ارتياد هذا المنحدر، وتم تغيير اتجاه سيرها إجبارياً إلى طريق «ديراب» بعد ازدياد الحركة المرورية الكثيفة على «القدية»، وما تسببه الشاحنات من خطر تمثل في تكرار الحوادث المرورية الشنيعة، وبذلك زال خطر الحوادث وصار الطريق أكثر أمناً لمرتاديه. طرق العقبات ويعدّ جنوب غرب المملكة من أصعب المناطق، من حيث تكوينها الجغرافي و»الجيولوجي»، إذ إنّها تضم تجمعات سكانية في «السراة» التي ترتفع حوالي (3000 متر) عن سطح البحر، وتجمعات أخرى فى سفوح الجبال، وعلى ساحل البحر الأحمر، وكان التنقل بين الجهتين على قدر كبير من الصعوبة، ومحفوفاً بالمخاطر إن لم يكن مستحيلاً فى بعض المناطق، ولقد تم إيجاد طرق في أعالي الجبال إلى السهل، لتربط بين الجهتين عبر عدد من طرق العقبات، مثل: عقبة «شعار» التي تربط بين «أبها» و»محايل عسير» بطول (59 كلم)، وعقبة «ضلع» الرابطة بين مرتفعات منطقة «عسير» والساحل من جهة، وبين منطقة «جازان» من جهة أخرى بطول (26 كلم)، وعقبة «الباحة» التي تربط بين قطاعي «تهامة» و»السراة» بطول (46 كلم)، وعقبة «الجوة» التي تربط المنطقة الجنوبيةالغربية بميناء «جازان» مباشرة بطول (96 كلم)، كما تعتبر قسماً من طريق «جازان- الرياض» المباشر، إلى جانب عقبة «قلوة» التي تربط بين محافظة «المندق» ومدينة «الباحة» وقطاع «تهامة» بطول (25 كلم)، وعقبة «برحرح» التي تربط قرى «برحرح» مع قرية «الجرداء» بطول (6 كلم)، وعقبة «الأبناء» التي تربط «بلجرشي» مع «نمرة» بطول (44 كلم)، وعقبة «طريق الملك عبدالله» -حزنة- الرابطة بين بلجرشي والمخواة بطول (29 كلم)، وعقبة «الهدا» المزدوج، التي تربط بين «مكة»و»الطائف»، وتعد شرياناً رئيساً في المنطقة الغربية بطول (23 كلم). صب الخرسانة الوسطية في طريق «القدية» انهيارات وتصادم وكان تساقط الصخور من أعلى الجبال على الطريق مما يقلق عابري طرق العقبات، خصوصاً في أوقات الأمطار، التي تؤدي كذلك إلى إنزلاق المركبات، إضافةً إلى أنّ عدداً من تلك العقبات غير مزدوجة الطرق؛ مما يزيد من فرصة وقوع الحوادث للسيارات وجهاً لوجه، خاصةً عند المنعطفات الخطرة، وقد حرصت وزارة النقل على سلامة عابري العقبات بسعيها إلى ازدواج طرق العقبات، كما حصل لطريق «كرا»، الذي صار أكثر أمناً بعد ازدواجه. مجازفات الشباب ونظراً لكثرة تردد الشباب من سكان المنطقة بشكل شبه يومي على العقبات، فقد أكسبهم ذلك خبرةً واسعة واحترافية وبراعة في فنون القيادة فيها؛ مما يجعل الفرد منهم يسير بسرعة عالية، وقد يسبب هذا التهور الخوف لدى سالكيها، خاصةً من كبار السن أو من يسلكون الطريق للمرة الأولى، ولعل آخر صيحة من تقليعات الشباب هي نزول أحدهم من عقبة «الباحة» متزحلقاً بالأحذية ذات العجلات «الآسكيت»، وقد أذهل فعله هذا الكثيرين من عابري العقبة، وهم يشاهدونه يقطع المسافة بسرعة كبيرة واحترافية بمروره بين السيارات من أعلى العقبة إلى أسفلها. عقبة «شعار» منجز حضاري تربط بين حسناء «شعار» وتردد في أوساط مجتمع منطقة «عسير» منذ فترة بسيطة شائعات عن ظهور امرأة حسناء، تتنقل خلال الأمسيات بين مغارات وكهوف عقبة «شعار؛ مما أدى إلى تخوف المسافرين في العقبة خلال ساعات الليل، وقد نشرت إحدى الصحف اليومية هذه الشائعة، وقال البعض من الرقاة الشرعيين بأنّ المرأة التي زعم بعض المواطنين رؤيتها أسفل العقبة ربما تكون «جنية» من النوع الخطر إذا تلبست الإنسان، ولم يستبعد البعض أن يكون للجن دورٌ في الحوادث المروية التي تشهدها العقبة بين الحين والآخر، فيما يدّعي عددٌ من المواطنين أنّهم شاهدوا المرأة الحسناء تتنقل في العقبة، خاصةً في أواخر الليل، حينما تهدأ الحركة المرورية في مسارات العقبة. طريق (أبا القد) كان ممراً للقواقل المتجهة من الحجاز إلى نجد قبل إنشاء «طلعة القدية» سوّاق «عليمي» ويروى أنّ شاباً من «مرات» وفّر من راتبه حتى اشترى سيارة نقل جديدة «بيك أب»، وطلب من أحد أصدقائه أن يعلمه قيادتها، فعلمه صديقه أساسيات القيادة، وكان من دروسه أن حذره من استعمال «الفرامل» إذا كانت السيارة مسرعة!، وبعد أسبوع من ذلك قررت عائلته الذهاب في رحلة خلال الإجازة الصيفية إلى مصيف المملكة الأول -آنذاك- مدينة «الطائف»، وكان المسير بسيارتين «صالون جمس» ركبت فيه العائلة و»ددسن» ركب فيه صاحبنا ومعه عمه، و»قش» الرحلة ومستلزماتها، وبعد المسير والوصول إلى «الطائف» قرروا التجول يومياً في أرجاء المنطقة؛ للاستمتاع بمتنزهاتها الطبيعية، وفي أحد الايام سلكوا طريق «الطائف-الباحة»، وعبروا عقبة «شمرخ»، ولما بدأ صاحبنا «العليمي» بالنزول مع العقبة سار بسرعة كبيرة، ولاحظ ذلك عمه فطلب منه تهدئة السرعة، فقال لعمه: «ما أقدر»، فسأله عمه عن السبب، وهل «الفرامل» متعطلة؟، فرد: «لا، ولكن من علمني القيادة سبق وأن حذرني من استعمال السيارة إذا كانت مسرعة»!، ورفع رجليه عن الدواسات، وجلس متربعاً على مرتبة السيارة، واكتفى بإمساك «الدركسون» بقوة، وصارت السيارة تنزل بسرعة، فغضب عمه، ولم يتمالك نفسه، وصار يكيل له السباب والشتم، وهو يردد: «إمسك فرامل»، ولكنّ صاحبنا لم يعره أي اهتمام، واستمرت السيارة في السير بسرعة جنونية، وبالكاد ينحرف السائق عن السيارات القادمة، ويزيد صراخ عمه مع أنواع السب والشتم في كل لحظة تقترب السيارات والشاحنات منهم، حتى وصلوا إلى نهاية العقبة، واستوت الأرض، وسلّمهم الله بمعجزة من الموت والوقوع في حادث مأساوي، فطلب منه عمه الوقوف، وما إن أوقف السيارة حتى نزل ماسكاً رأسه بكلتا يديه من هول المفاجأة، وحالفاً بأيمانٍ مغلظة أنّه لن يركب معه بعد هذا اليوم، واستقل سيارة العائلة، وتركه وحده في سيارته يواجه مصير تهوره و»غشامته». ازدواج طريق الكرا قلّل من مخاوف المسافرين والمتنزهين مشروعات الطرق طوّعت الطبيعة لخدمة التنمية في المناطق الجبلية طريق «الكرا» القديم