اليوم الحت على خاطري فكرة غريبة.. هل أنا هذا الذي يكتب لكم أم أن إنساناً آخر يتحدّث اليكم نيابة عني، يقدم لكم صورة أخرى أو مختلفة يرسمها لتناسبكم.. يجتهد في أن يكون على هواكم حتى وإن كان له هوى آخر.. مثل ذلك المرشح العربي الذي يعد الناخبين بالمن والسلوى ومكافحة الفقر والجهل والمرض؟! أعترف لكم بداية أنني أخفي أشياء مثلما يخفي كل منكم أشياءه.. قد لا يكون سيئًا وشريرًا لكنه يتجمل على هوى الناس ويخفي هواه عن عيونهم! كتبت في بداياتي قصة بعنوان (كلهم كذّابون).. كتبتها ببساطة وبعفوية وبلا حسابات دقيقة.. ما كنت القي لها بالاً.. ولا أعدها شيئًا.. لكنها فعلت فيمن حولي فعلها، حتى أن مصحح الجريدة (الرجل الصامت بسلامته) خرج عن صمته وقال لي يومها : أكتب (كلهم منافقون) أيضًا! ...... ماتت في حارتنا القديمة زوجة رجل مهم - ليست هذه هي القصة لكنني أسوقها للاستشهاد - نصب سرادق كبير احتشد الناس فيه أممًا.. صفوفا تتلاطم كموج البحر في ريح عاتية.. يواسون..أو يتزلّفون.. أو يتفرجون على بعضهم.. أنت لا تستطيع في البحر المائج أن تعرف نوع السمك! كان مأتمًا عظيمًا يتباهى الناس فيه يتنافسون لإظهار الحزن على الفقيدة التي لم يفقدها أهلوها. قليلون من يعرفون، أكثرهم الصغار – وأنا منهم – أن زوجها، الذي يقف في خشوع ليتقبّل العزاء، كان يسومها سوء العذاب.. انغرست عيوني في عيونه قبل أن يحول بيننا الموج ويرتفع صوت القارئ بالذكر الحكيم! ....... ما عادت هذه الاحوال تلفتني.. ما عادت تترك أثرًا في نفسي، حتى لو تكررت مرات ومرات! تحركنا مخاوفنا في الاتجاه الآخر تجعلنا غرباء حتى عن أنفسنا.. نخفي كثيرًا مما نحب وكثيرًا مما يكرهه الناس فينا حتى لو احببناه! ...... * آخر السطور : «المشاعر في غيابك ذاب فيها كل صوت والليالي من عذابك عذبت فيني السكوت صرت خايف لا تجيني لحظة يذبل فيها قلبي وكل أوراقي تموت»!