تشكل ظاهرة "القطيعة" الثقافية فجوة بين الأجيال الناشئة وأصحاب التجارب الإبداعية والريادية في مختلف الفنون الإبداعية.. إلا أن شيوع التقانة الحديثة، وانتشار وسائطها، وتحول الثقافة إلى مكون رئيس من مكونها المعرفي عبر المواقع والصفحات الشخصية الإلكترونية.. وشبكات التواصل الاجتماعية.. تعيد التساؤل إلى واقع خارطة القطيعة الثقافية في ظل (شيوع التواصل الرقمي / انتشار المكون الثقافي ) بين قطبي تقدمه المؤسسة الثقافية من جانب.. وما توفره وسائل الاتصال الحديثة ووسائطها من جانب آخر. د. الشهري: الجيل «القديم» ظلمه جيل «أناني» يريد أن يستحوذ على الثقافة بحجة القديم والتقليدي! الشاعرة والإعلامية مها السراج، استهلت حديثها عن قدرة التقنية الحديثة ووسائطها الحديثة التي شاعت عبرها القراءة قائلة: شهد مشهدنا الثقافي خلال فترة مضت على مستوى المؤسسات الثقافية وخاصة الأندية الأدبية والحراك الثقافي بوجه عام ما يشبه الفجوة الثقافية منذ بدايات السبعينيات وحتى بداية القرن الجديد – تقريبا – الأمر الذي يشاهد في واقع تواصل أجيال هذه الفترة أدبيا وإبداعيا بسابقيهم، وخاصة إذا ما اقتربنا أكثر من تفكيك بعض السنوات التي مرت بها هذه الفجوة كما هو الحال في المرحلة التي شهدت ظهور تيار "الحداثة" على سطح الساحة الثقافية، الأمر الذي كشف واقع التواصل مع الأجيال السابقة إبداعيا محليا وعربيا. مها السراج وأضافت السراج في هذا الجانب أن بداية انحسار موجة الفجوة الثقافية أخذت تظهر للمتابع خلال الثلاثة العقود الماضية – تقريبا – الأمر الذي انعكس بدوره على ظهور الكثير من الأسماء الإبداعية في فنون أدبية وإبداعية مختلفة، من الجنسين وخاصة من جيل الشباب والفتيات خلال الفترة ذاتها، مما أضفى تواجدا مختلفا وشكلا متنوعا للحضور الثقافي بوجه عام في مشهدنا الثقافي، وخاصة الأجيال التي كانت بداياتها تعود إلى الثمانينيات والتسعينيات، الأمر الذي تبعه بعد ذلك ينعكس على مجاليهم من جانب ومن يقلونهم عمرا من جانب آخر. وقالت مها: مع وجود تلك الفجوة التي ما تزال موجودة، إلا أنها بشكل عام في تراجع مقارنة بمرحلة سابقة، لما شاع في وسائط القراءة من شيوع الجانب الثقافي فيما ينتشر ويقرأ عبر وسائلها الرقمية، التي جاءت بالتفاتة واضحة من قبل الأندية الأدبية بالشباب ومواهبهم وإبداعاتهم، وفي ظل ما أتاحته لهم التقنية من تواصل مع التجارب لإبداعية بوجه عام، رغم ما قد يشوبها من افتقادها إلى العمق والشمولية والمعرفة الناقدة، إلا أن ما أحدثه شيوع الإنترنت من ظهور المنتديات ونقل المعرفة وفنون الثقافة جعلت الكتاب متوفرا بلمس "زر" ويسرت متابعة الأحداث عبرها بشكل مباشر، مما ينعكس على حجر الزاوية المتمثل في طريقة تلقينا للثقافة. إيمان رجب أما رئيس نادي الأحساء الأدبي الثقافي الدكتور ظافر الشهري، فقد اعتبرها عاملا رئيسيا من عوامل القطيعة مع المؤسسات الثقافية، وفي مقدمتها الأندية الأدبية.. مشيرا إلى أن مشاهداتها أو قراءتها عبر الوسائط المختلفة لا يمثل قيمة حقيقية في التواصل مع أرباب التجارب، ولا يعد تواصلا حقيقيا بين الأجيال الثقافية.. مما أنتج قارئا أو مشاهدا متلقيا "مستهلكا" دون أن يكون متلقيا "منتجا" مما يفرض رؤية شمولية أبعد من الوقوف عند مجرد شيوع حضور الأسماء على الوسائط الرقمية المختلفة. د. ظافر الشهري وعن جيل الشباب تحديدا، وأصحاب البدايات الأدبية والثقافية قال د. الشهري: المشكلة تكمن أن الكثير من وسائل الإعلام، ووسائل الاتصال الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائطها لا تروج، ولا تتبنى أعمال الرواد، والأعمال الإبداعية للأجيال السابقة.. وإنما توجهت وبشكل كبير إلى الترويج والاهتمام بالأعمال الجديدة، وخاصة الأعمال الأدبية التي تقوم على الإثارة سواء كانت قصيدة أو قصة أو رواية أو مقالا.. مما جعل الجيل القديم مظلوما مع الجيل الجديد وانقطاعه عن تلك القامات الأدبية في مختلف الفنون، مما جعله جيلا "أنانيا" يريد أن يستحوذ على الثقافة عبر الوسائط الإلكترونية، وصادر الآخرين، تحت قناعاته بمفاهيمه التي يرى من خلالها أن ما سبقه من التجارب قديمة وتقليدية.. ولنا أن نستعرض أصحاب الريادة الإبداعية في الرواية والقصة والكتابة الإبداعية بشكل عام، فلا نجد لأولئك حضورا بالاسم، أو بالمنتج، فأين – مثلا – إبداعات الدمنهوري، والعامودي، والسباعي، وشحاته، والعواد، والأنصاري، وغيرهم كثر.. مما لا نزال اليوم نتتلمذ على أعمالهم لا تجد لهم حضورا ولا تداولا عبر هذه الوسائط. وعن دور المؤسسة الثقافية تجاه استثمار التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي لردم فجوة القطعية الثقافية قال د. الشهري: المؤسسة الثقافية تعاني من شريحة انتسبوا لها، من قبيل أخذ الثقافة وجاهة اجتماعية، وكذلك الحال في شريحة ممن هم خارج أسوار المؤسسات الثقافية، وخاصة أولئك الذين لا يزالون في أبراجهم العاجية، ولم يستطيعون التواصل بما يكتبون مع من حولهم وفي مقدمتهم الجيل الحالي، فأناشدهم من خلال هذه المشاركة بالتنازل عن النرجسية.. مختتما حديثه بالتأكيد على أهمية أن تدرك المؤسسات الثقافية عامة والأندية الأدبية خاصة بمناشطها وما تقدمه من فعاليات ضرورة الانتقال بما تقدمه إلى خارج أسوارها، وأن تستثمر كل ما أتيح لها لتقدم صناعة ثقافية تتقبلها مختلف الشرائح الاجتماعية، وفي مقدمتهم جيل الشباب. من جانب آخر وصفت الإعلامية إيمان بنت رجب، وسائط التقنية الحديثة سهلت الوصول إلى المعرفة بوجه عام، والفنون الإبداعية والأدبية بوجه خاص، انطلاقا مما استطاعت أن تشكله وسائط المعرفة الرقمية للمعرفة وشيوعها في شتى أنحاء العالم، الذي أحالته إلى قرية كونية صغيرة.. مشيرة إلى أن هذا الوجود الكوني عبر التقنية المعاصرة انعكس على التواصل مع الثقافة بمختلف أشكالها في مشهدنا الثقافي المحلي وعربيا وعالميا. ومضت إيمان قائلة: كنا نتحدث عن الثورة التي أحدثتها شبكة الإنترنت، إلا أن الوسائط الحديثة التي شاع انتشارها في السنوات الأخيرة، استثمرت خصائص جديدة للتواصل عبر وسائطها المختلفة، الأمر الذي نشاهده عبر ظهور الفيس بوك، والتويتر، والوتس آب.. وغيرها التي تجاوزت ما كانت تتيحه المنتديات الثقافية من تواصل ثقافي عبر سنوات مضت، وهذا ما يجعل الفجوة الثقافية بوجه عام تأخذ في مرحلة انطفاء، نتيجة لشيوع التواصل مع النص الإبداعي ايا كان جنسه، أو جنسية كاتبه، وأيا كانت الحقبة الزمنية التي كتب فيها نظرا لتوفر المحتوى الثقافي الهائل الذي توفره هذه الوسائط. وختمت رجب حديثها عن واقع القطيعة الثقافية بين الأجيال، عبر شيوع الرقمنة، ومن خلال مشاهداتها الثقافية والإعلامية، بأن انتشار الأسماء الإبداعية في الفنون الأدبية والثقافية المختلفة عبر المواقع الإلكترونية الخاصة والصفحات الإلكترونية، إلى جانب استخدام تقانة التواصل الاجتماعي كتويتر وغيره، يكشف عن وجود أجيال أدبية مختلفة تتواصل مع بعضها البعض غبر هذه الشبكات التي استطاعت أن تحد من ظاهرة القطيعة الثقافية بين الأجيال إلى حد كبير.. مؤكدة على أن هذا التواصل لا يعني بالضرورة الإفادة من تجارب الأجيال وتلاقح أفكارها الإبداعية عطفا لما يطغى من شيوع جانب "التسلية" بعيدا عن القراءة الباحثة عن معلومة أدبية.. الفاحصة في نص إبداعي.. الناقدة لقيمة جمالية.