شبرقة - ( المدينة ) محمد البيضاني - عقيل المسكين- سيهاتنايف كريري - جازان/ خيرالله زربان : مع التوسع التقني الهائل الذي انتظم العالم أجمع في كافة مجالاته، وتقديمها لخدمات سهلة وسريعة ويسيرة أحالت كل الوسائل القديمة إلى «متحف التراث الإنساني»، لم يعد من المناسب الوقوف بمنأى عن هذه الثورة الرقمية، بل أضحت لزامًا على الجميع التعامل معها بغية المواكبة والتطور.. ولم تستثنِ هذه ثورة الاتصالات والمعلومات الثقافة والأدب عن طوفانها، فقد دخل الأدب هذا المجال، وظهرت الإبداعات الأدبية والثقافية محمولة على أجنحة سريعة ومتطورة طافت بها الفضاء مخترقة كل الحدود والحواجز.. والحال على ما هو عليه كان لزامًا على أدبنا المحلي أن يدخل سوق الفضاء بإنتاجه.. فإلى أي حد أستطاع أدبنا المحلي في اختراق الفضاء وتقديم نموذج قادر على المنافسة في زمن البوابات والنوافذ المشرعة.. وهل استطاع فعلاً أن يتفاعل ويؤثّر بشكل واضح.. المشاركون في هذه القضية قدموا إضاءتهم حول أدبنا المحلي وثورة المعلومات والاتصال، معددين أوجه القصور والإيجاب في ذلك.. اقتحام الخصوصيات في البداية يذهب الدكتور عبدالرحمن المحسني عضو هيئة التدريس في قسم اللغة العربية بجامعة الملك خالد وعضو مجلس إدارة النادي الأدبي بأبها إلى التأكيد على أهمية التقنيات الحديثة في الحياة المعاصرة، تأكيدًا يصل بالمحسني إن قناعة راسخة تتجلى في قوله: أعتقد أن التقنية لم تعد خيارًا لدى المبدع؛ فهي تدخل في كل خصوصياته الحياتية ومنها الأدب، ومن المستغرب أن نلاحظ ونؤمن بأثر التقنية على حياتنا العامة، ولا نلتفت إلى تأثيرها في نسج أفكارنا ورؤانا. ويمضي المحسني في تأكيد مزايا التعامل مع التقنية الحديثة في مجال الأدب بالتحديد قائلاً: ومن الطبيعي أن تختلف تجربة مبدع الصحراء عن مبدع الغرف المريحة، هذا أمر بدهي، سواء على مستوى معطياته الإنتاجية الدلالية، أو كان ذلك على مستوى البنيات المكونة للنص. وحين ننظر في التجربة السعودية يمكننا أن نشاهدها في مستويين أيضًا: مستوى الإنتاج الأدبي عن المبدعين السعوديين، وأعتقد أن الأدباء قد تعاطوا مع التقنية إلى أقصى مدى ممكن، يشهد على ذلك دواوينهم الشعرية وأعمالهم السردية التي تزخر بمعطيات التقنية في موضوعاتها وفي بنائها اللغوي وصورها الأدبية بما يشكل ظاهرة جديرة بالتوقف والنظر لتقريها وتقديمها كشاهد على العصر وعلى مكوناته المعرفية والثقافية؛ حيث نجد حضور معطيات التقنية في التجربة بدءًا من الأدوات الحياتية التي يمارسها المبدع بصورة مألوفة كأدوات النقل الحديثة، ومعطيات الحياة المختلفة، وصولاً إلى حوامل المعرفة كالكمبيوتر وتقنية الماسنجر واليوتيوب وغيرها، وكالجوال برسائله القصيرة (sms)، ورسائل الوسائط المتعددة (mms) تلك الوسائط هي التي تتشكل فيها تجربة المبدعين المعاصرين. وقد أفاد منها الأدباء السعوديون بصورة ملحوظة، حيث لم تعد الإصدارات الورقية هي سيد الموقف وحدها بل انضاف لها الإصدارات المدونة، والإصدارات الصوتية، وإصدارات (mms) وإصدارات (اليوتيوب)؛ بما يشكل بعدًا في الوسائط الناقلة للتجربة المعاصرة. ويتابع المحسني: المستوى الآخر - مستوى النقد الأدبي: وهو المستوى المؤلم فعلاً الذي يمثّل غياب النقاد عن ذلك المشهد المتجدد، وعن تلك الحركة النشطة في تعامل المبدع المعاصر مع التقنية، ربما رهبة من الدخول في تلك المجالات التي تحتاج إلى آليات وقدرات لا يمتلكها كثير من النقاد المعاصرين، فلا يملكون إلا أن يحيدوها ويرموها بسفاف الرأي، وتلك من وجهة نظري مثلبة في حق النقاد، فمن حق هؤلاء المبدعين أن تقرأ تجربتهم بمعطياتها الحضارية من خلال مصادرها، وتقيم، وتقدم إلى مشرحة الحق النقدي، وأحسب أن لو كان ذلك لوجدنا فيها صوتًا إبداعيًّا يستحق الوقوف والتأمل، ولرأيناها إضافة حسنة تمثل عصرها، وتضيف بعدًا مهمًا للتجربة المحلية والإنسانية. دهشة وإبهار وترى الدكتورة عائشة يحيى الحكمي الأستاذة المساعدة للأدب الحديث بجامعة تبوك أن الأدب معرفة مفتوحة مرنة قادرة على توظيف كل جديد في الإنتاج والتلقي، فكل متخصص أو متلقي مهما كانت درجة اهتمامه بالفنون الأدبية يلمس بقوة استجابة الأدب لجميع الفنون غير الأدبية. وتضيف الحكمي: التصوير الموسيقى والفنون التشكيلية المسرح وغيرها خدمت فنون الأدب بقوة وأخرجته من أطار التقليد إلى رحاب استقبال لكل جديد، منذ دراسة أرسطو لفنون الأدب وضعت فكرة المحاكاة موضع الاهتمام محاكاة الطبيعة في النصوص، ومن الطبيعي أن يستقبل الأدب السعودي كل جديد، التقنية ثورة استقبلتها كل مجالات المعرفة بترحاب بالغ، فإذا كان الأمر كذلك فمن الأولى أن يكون الأدب الأكثر ترحيبًا بالتقنية وأدواتها، ولا ننسى أن الأدب في حاجة ماسة إلى توظيف وسائل أخرى لإزالة حالة الجمود التي قد تصيب النصوص من وجهة نظر بعض المتلقين وتوسيع دائرة حضوره أكثر وأكثر. وتؤكد عائشة على حرص المتخصصين في التعاطي مع التقنية الحديثة في سياق قولها: ويحرص المتخصص أن يستغل ثورة التكنولوجيا في إيصال أدبه بطرق جديدة تجد رواجًا لدى المتلقي؛ خاصة وأننا في زمن الصورة والحركة واللون والإبهار والإدهاش، فإذا استمر النص الأدبي كلمات في أوراق سيخسر المضي قدما وسيفقد جمهوره، والصورة واضحة في الفعاليات الأدبية المحلية؛ ففي أمسية قصصية لجبير المليحان في الطائف حاول استغلال الحاسب في العرض فأخرج النص من حالة الجمود إلى حالة إدهاش وأشاد الصحفيون بذلك في حينه. وحينما قدمت لمياء باعشن قراءة لرواية «الحزام» في ملتقى النص نجحت في أن تستغل التقني في العرض وفي توظيف مفرداتها في تحويل النص النقدي العادي إلى نص نقدي محمول على أكف التكنولوجيا مما أحدث بهجة لدى كل الحضور وانبهار الجميع بالجديد في القراءة والعرض فأخذنا نمني أنفسنا بمحاكاتها. وتختم عائشة قائلة: إن توظيف التكنولوجيا في عملية الكتابة، وظهور ما يسمي بالكتاب الإلكتروني، الذي يقدم النص من خلال وسائط مصاحبة، جعلت بعض الأدباء يفكرون بالتعاطي مع التقنية لبث حياة جديدة في نصوصهم بحيث تقدم بوسائط متعددة، أي النص الذي يتضمن الكتابة والصورة والحركة، هو النص التكويني المفرع، وهذا لا يعني مجرد تغيير في الأداة التي يستخدمها الأديب فحسب؛ وإنما يغير من طبيعة الأدب ذاته، فلم تعد اللغة هي أداته فحسب وإنما أضيفت إليها تجسيدًا ومؤثرات جديدة لم تكن مرتبطة بالأدب مما قد يؤدي هذا إلى عملية تثوير جذرية للإنتاج الأدبي من ناحية الدراسة والنقد والإبداع أيضًا. ولكن الأدباء السعوديين خاصة الرواد مازالوا ينشغلون بالمعرفة ولم يظهر لدى بعضهم الاستعداد للتعامل مع التقنية وبعضهم من ينيب آخرين لتعويض النقص، أما الغالبية فيدركون أهمية ذلك لمسيرة الأدب. فضاء رحب ويشارك نائب رئيس مجلس إدارة نادي الباحة الأدبي حسن الزهراني بقوله: لا شك أن ثورة التقنية الحديثة كان لها أكبر الأثر على مسيرة الأدب والتواصل بين الأدباء دون قيود. حيث أصبحت المواقع الإلكترونية والمنتديات فضاء رحبًا لنشر جميع فنون الأدب؛ خصوصًا لبعض الفئات التي كانت تجد صعوبة في النشر في الصحف والمجلات أما إنها خارج الشللية المسيطرة علي الصفحات الثقافية أو لتجاوزها سلبًا أو إيجابًا أو لضعف نتاجها الأدبي الذي لا يرقى إلى مستوى النشر. فهذه الفئات لا تجد أمامها في الشبكة العنكبوتية عائقا أو محاسبًا إلا في مواقع ومنتديات قليلة جدًّا. ويرى الزهراني أن الأدب السعودي حاضر في فضاء التقنية بما أضافه قائلاً: والأدب السعودي بالتأكيد تفاعل مع هذه التقنية وبشكل ملفت أجزم أنه كان له الأثر الإيجابي على أدبنا بجميع فنونه، خصوصًا وأننا بدأنا نرى أن غالبية المهتمين بالأدب من الشباب أصبحوا لا يقرؤون ولا ينشرون نتاجهم إلا من خلال المواقع والمنتديات. وأصبح لدينا الآن أدبًا (رقميًّا) مميزًا تجاوز غيره بكثير. وهذا من وجهة نظري مؤشر وعي للأديب؛ لأن الأمية الآن هي أمية التقنية، ونادرًا ما نجد أميًّا في هذا المجال بيننا في هذا العصر التقني المتجدد.. وإن كان لهذه التقنية من سلبية أما أمام هذه الايجابيات الجمة فهي أنها فتحت بابًا للأدب الغث الذي لا يرقى لمستوى كلمة أدب أصلاً؛ لذا أرى أن تكون هناك رابطة للمواقع والمنتديات الأدبية تقنن الشروط الأساسية لإنشائها يشرف عليها متخصصون في مجال الأدب والتقنية. ولا ننسى أن هذه التقنية سهلت الاطلاع السريع على كل جديد سواء على مستوى الصفحات الثقافية المحلية والعربية والعالمية أو غيرها. والتواصل عبر البريد الإلكتروني والدقة التي قضت على الأخطاء الطباعية التي كانت تشوه النصوص الأدبية. خطوات بعيدة ويشارك الشاعر أحمد قرّان الزهراني قائلاً: لا شك إن ثورة الاتصالات الحديثة أحدثت ثورة أدبية أخرى مقابلة لما تتداوله من خلالها لا من خلال التفاعل الحي والسريع والتواصل بين المثقفين والأدباء بل حتى من خلال كسر الحواجز والحدود السياسية والثقافية، وأصبح المثقف في بلد ما يتواصل مع أي مثقف آخر تواصلاً سريعًا وفي أي بقعة من وطننا العربي، حيث أصبحت المواقع الأدبية والمنتديات والتواصل عبر البريد الإلكتروني والعديد من هذه الصور المتعددة للتقنية الحديثة أصبحت هي المكان أو النادي الذي يجمع هؤلاء الأدباء مع بعضهم البعض في وقت واحد وحتى في أوقات مختلفة، ومن خلال النظر للعديد من الأسماء الأدبية السعودية في ساحتنا نجد أنها كذلك موجودة في الوطن العربي ومعروفة بشكل جيد، وكل ذلك بسبب الاستغلال الجميل للتقنية الحديثة. ولا يمكن أن نقول إنه استغلال كامل للاندماج في هذه التقنية حيث إنه لم يحقق المثقف ما هو مأمول لكنه خطا خطوات بعيدة في سبيل سد الفجوة القائمة. استفادة محدودة ويرى الدكتور محمد الصفراني الأكاديمي والناقد بجامعة طيبة أن الأدب السعودي وحتى الأدب العربي بشكل عام لم يستفد حتى الآن من ثورة الاتصالات الحديثة في كافة مجالاتها، مضيفًا: على مستوى القنوات الفضائية لا تكاد تجد إلاّ قناة ثقافية أو أدبية واحدة أو اثنتين في العالم العربي الذي تعج سماؤه بآلاف القنوات الفضائية المختلفة، وفيما يتعلق بالمواقع الإلكترونية فهي كذلك لم تتم الاستفادة منها بالشكل المطلوب، والدليل على عدم الاستفادة هذه يتمثل في قلة وجود النصوص التفاعلية أو حتى انعدامها، وعلى مستوى المواقع الشخصية للأدباء والمثقفين فلا تخرج هذه المواقع عن مواقع أكاديمية مفروضة عليهم بحكم مقاييس الجودة والتطوير في الجامعات السعودية والمؤسسات التعليمة، وإما أن تكون هذه المواقع الشخصية لأهداف إعلامية لا تتعداها إلى أهداف ثقافية يتم من خلالها تداول الإبداع بصورة صحيحة وسليمة، وتسهم هذه المواقع في ذلك، حتى إن العدادات التي توجد على الصفحات الرئيسة لهذه المواقع هي غير دقيقة ووهمية ويمكن ضبطها على أي رقم معين كما يتم ضبط الساعة أو أي عداد آخر بحسب الرقم الذي تريده. ويختم الصفراني قائلاً: في الحقيقة إننا بحاجة إلى الاستفادة من هذه الثورة التكنولوجية المتسارعة والاستفادة منها بشكل صحيح، استفادة لا تدعم الأدب وحدة وإنما تدعم سائر العلوم والفنون المعرفية المختلفة. النافذة الساحرة الكاتب عبدالله التعزي شبّه الأدب من خلال الانترنت ب»النافذة الساحرة» التي تحتوي على أكبر مكتبة في تاريخ البشرية وأكبر تجمع للعقول والعلماء والخبراء، بما فيهم الكتاب والصحفيين والأدباء على أنواعهم، ماضيًا من ثم إلى القول: أصبح من السهولة بمكان إيصال المعلومة إلى الجميع في شبه لحظة، وإن كانت السلبية أن السهولة في التوصيل لا تفرق بين مستويات المادة المطروحة، فقد أصبح أسهل شيء أن تبث موضوعًا عبر الإنترنت. ولم يعد الأمر كما كان سابقا في أن يجتهد الإنسان في كاتبة موضوع معين بعد أن يفكر ويراجع ما كتب ثم يرسله إلى إحدى وسائل النشر المعتادة (صحيفة أو مجله مثلاً). ويؤكد التعزي أن الأدب السعودي ليس بعيدًا عن استخدام الإنترنت. فقد انتشر كتابات جديدة لكتاب جدد انتشروا وظهروا بأسماء مستعارة وبصورة ملفتة. ربما لأنه أصبح النشر متاحا بسهولة فائقة دون اختيار ما هو مناسب للنشر عبر الإنترنت من عدمه. وتجد أن ذلك ينسحب على مستوى الشخصي. فتشعر أن الكثيرين يندفعون للنشر مباشرة دون مراجعة لما يكتبون محتمين بالأسماء المستعارة إذ بمقدوره التملص مما كتب بتغير الاسم المستعار بآخر جديد وتنتهي القضية.. في المقابل وبصورة محايدة أضحى الإنترنت بابًا واسعًا لنشر الفكر والثقافة، ولا يكاد يستغني عنه الأديب والكاتب والمثقف والمتخصص، والقارئ والطالب، وجميع من يدخله ويتفاعل معه، كلٌّ حسب اهتمامه وقدرته، والمبدع السعودي الجاد استفاد ودخل هذا الباب بسرعة بعد أن أدرك أن الإنترنت وسيلة عصرية تسهم في إيصال الإبداع الأدبي بطريقة سريعة وسهلة للمتلقي. وفي نفس الوقت لا زالت الكتب الأدبية المطبوعة سواء الشعرية أو النثرية أو الروائية تعتبر هي في المقام الأول لدى الكثير من القراء. ويشير التعزي إلى أن موقع «الزومال» الذي أنشأ في نهايات القرن الماضي كان بداية لدخول الأدب السعودي في هذا المجال، مشيرًا كذلك إلى أن موقع «سين» يعد حاليًا من المواقع المهمة في نشر الأدب السعودي والكتابات الجديد الرائعة، بجان موقع الأندية الأدبية وإن كانت ليست بالمستوى المطلوب ولكنها مع الوقت قد تدرك ذلك، مثل نادي جدة الأدبي ونادي المنطقة الشرقية ونادي حائل الأدبي. صلة ضعيفة وخلافًا لما قال به التعزي يرى الناقد محمد العباس أن المشهد الأدبي ما زال بعيد عن آخر مكتسبات العصر الإلكتروني وإذا كان هناك من صلة فهي صلة شكلية وضعيفة إذ لم يستمر المبدع في السعودية تلك اللحظة الإلكترونية كما ينبغي سواء في شكل التواصل مع الآخر أو إبراز منتجه أو حتى الاطلاع على ما ينتجه الآخر بكل تداعياته وأطيافه بطبيعة الحال. ونلاحظ أن كثافة الحضور لبعض المبدعين تأخذ طابع الانتشار على السطح ولكنها لا تستطيع اقناع المتلقي بان ثمة قاعدة تجيد التعامل مع لغة العصر. ويمكن التدليل على جوانب من هذا الخلل البنيوي على طبيعة الاستشهادات مثلاً حيث تتوفر مكتبات الكترونية ضخمة وهائلة على مستوى العالم وهي موجودة في الفضاء الإلكتروني التداولي ولكن أغلب المبدعين لا يعترون منها كمرجعيات بل ولا يطلون عليها لدرجة أن مواقع مهمة كموقع اليونسكو مثلاً لا يشكل مرجعية لأغلب المبدعين وهذا يمكن التدليل على شكل التماس مع مختلف أوجه الإبداع العالمية. ويختم العباس بقوله: ومن خلال اللغة حيث تأخر المبدع في السعودية في التقاط آخر النظريات والمنتجات الابداعية بشكل عام. بانتظار ان يتم ترجمتها إلى العربية وأحيانًا الاكتفاء بالمادة الخبرية المتعلقة بالمنتجات الإبداعية عوضًا عن معانقة المنتج الإبداعي في أصله. التع بير بصدق الشاعر عادل اللباد تناول في حديثه موقع أدبنا المحلي في خضم هذا البحر الهائج من المعارف والمعلومات والآداب العالمية التي يسهل الدخول إليها عبر الإنترنت وبمختلف لغات الدنيا مؤكدًا أن أدبنا المحلي على مستوى المملكة العربية السعودية ما يزال يرزح في إطار المحلية.. مضيفًا: إننا لم نضع لأدبنا مجملاً قواعد رصينة لإثبات وجوده وبالتالي نلفت نظر الشعوب الأخرى إلى جمالياته وقِيَمِهِ ومضامينه الإنسانية، وخير ما يُستشهد به في هذا الإطار قول الشاعر: وإذا استطال الشيء قام بنفسه وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا ويتابع اللباد: أما بخصوص التأثّر بالثقافات العالمية الأخرى على أدبنا المحلي، وهل يضر هذا التأثير بكينونته وتعبيره عن عاداتنا وتقاليدنا كعرب ومسلمين، فأستطيع أن أقول إن هناك أثرا واضحا على أدبنا المحلي، بل إن التأثر بالآداب العالمية جاء بمختلف أجناسها، ولا ينكر أحد أن الأدب هو للغرب فقط – كما تصوره لنا وسائل الإعلام الغربية -كما نجد أن الملايين من الكتب التي تصدر في جميع أنحاء الدنيا، وكذلك الآلاف من المجلات والصحف في العالم، والعديد من الفضائيات، ومواقع الإنترنت، وغيرها من وسائل الإعلام والاتصال، ولكن هل استفدنا الاستفادة الكاملة من مختلف هذه الوسائل للتعريف بأدبنا العربي الأصيل القديم والحديث؟.. وبمعنى آخر هل استفدنا من مختلف وسائل الإعلام العالمية في الدول الأخرى لإبراز أدبنا العربي بصورة جميلة تعكس الصورة الحقيقية عنا كعرب ومسلمين؟.. ففي إطار هذه التساؤلات أقول: للأسف الشديد، حينما يحل التخلف بقوم؛ تجد كل مفردة لقيمومة هؤلاء القوم متخلفة. أما في إطار استطاعتنا أو عدم استطاعتنا في أدبنا المحلي التعبير عن أهم قضايانا المصيرية كعرب ومسلمين.. وهل أوصلنا حقًا صوتنا إلى العالم الغربي لإعادة النظر في تقييمه لنا وإلغاء النظرة السلبية التي يحملها عنا خصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر ؟.. فإني أرى ثمة أصوات تحاول أن تنهض بذلك، وواجب على كل أديب من أدباء العربية مواكبة حركة الأدب والإبداع في العالم لإيصال رسالتنا على أكمل وجه، وما ثورة المعلومات والاتصالات إلا وسيلة للتعبير عن ذاتنا بصدق. كتابة بلا حدود أما القاص والروائي الدكتور حسن الشيخ فله وجهة نظر أخرى في هذه الإشكالية لا سيما ما يتعلق بمحلية الأدب، حيث يقول: أعتقد أن الأدب المحلي يمكن تصنيفه في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات على أساس أنه أصبح أدبًا إقليميًا أو قوميًا – إن صح التعبير -، فوسائل الاتصالات من شبكات عنكبوتية وفضائيات ووسائل أخرى ألغت الحدود الوطنية بين الشعوب العربية وغيرها، فلا غرابة اليوم أن نجد كاتبًا يكتب للقراء في شتى أقطار الوطن العربي، فمفهوم المحلية في اعتقادي قد تلاشى في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى ذلك أصبح الكاتب العربي المبتدئ أو الصغير يحظى بفرصة النشر كما يحظى الأديب الكبير أو المفكر الكبير، فلا غرابة أن يتساوى اليوم كاتب صغير مع كاتب عَلَم ومشهور في فرصة الظهور والنشر، ومن سمات الارتباط بين الأدب المحلي وثورة الاتصالات والمعلومات أصبح لدينا اليوم أدبًا محليًا قوميًا واحدًا تشترك فيه دول العالم العربي بأكمله.. وأضيف إلى ذلك أن ثمة نقطة ظل في هذا الارتباط ألا وهي أن القارئ العربي اليوم أصبح قارئًا « أنترنتيًا « يقرأ بسرعة ويلهث بين صفات الإنترنت دون عمق ودون روية ودون تفكر، وبالمقابل أصبح يكتب كتابات سطحية تفتقد للدقة والموضوعية والمصادر. ويختم الشيخ بقوله: العلاقة بين الأدب المحلي ووسائل الاتصالات والمعلومات أخذت جانبًا تفاعليًا مرة، ومرة أخرى أخذت جانبًا انفعاليًا، وأعتقد أن شبابنا اليوم بحاجة أن يقرؤوا في أمهات الكتب ليتزودوا بالعلم والمعرفة والأدب العميق، فلا مندوحة اليوم لأي أديب من أن يقرأ روايات نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف ويوسف السباعي، ويقرأ شعر الجواهري ومحمود درويش وغيرهم من الأدباء والمبدعين، فضلاً عن قراءة أمهات الكتب القديمة التي تزخر بها مكتبتنا العربية. نسف الفوارق ويؤكد عبدالعزيز الوصيبعي أن هناك مزجًا بين الثقافة وبين التكنولوجيا العلمية وثورة الاتصالات والمعلومات، منظور في استفادة الثقافة من ثورة الاتصالات والمعلومات والإنترنت بصورة كبيرة لا حدود لها وأضفت عليها صبغة العالمية، وذلك بنشر ثقافات العالم وانفتاحها على بعضها البعض، ضاربًا لذلك مثلاً بقوله: ومثال على ذلك إن الأديب أو الشاعر أو القاص أو الروائي بشكل عام في الجزيرة العربية استطاع أن يوصل صوته لكل قراء العربية في العالم أجمع، واستطاعت هذه الثورة مزج الثقافات العربية والإفريقية والخليجية والشامية وغيرها. ويمضي الوصيبعي محدّدًا سلبيات هذا الانفتاح في ثنايا قوله: أما عن السلبيات فقد أضفت بصمتها على الكاتب والمثقف حيث ألغت بعض الإبداع الفكري عن الأدباء وعند القراء حيث اختلط الحابل بالنابل فلا تستطيع أن تميز الآن بين العمل الأدبي الراقي والعمل الأدبي المتدني أو الرديء، وافتقد الأدب والإبداع إلى رونقه كما ضعف تذوّق القارئ العربي لهذا النتاج، فالكاتب اللامع والمفكر والأديب تساوى مع من يدّعي الإبداع والأدب فترى تساوي نجيب محفوظ وهو من أعمدة الأدب العربي مع مراهق في الثامنة عشر لا يعرف أصول اللغة العربية ومبادئها، وفي نفس الوقت انفتحت الأفق لمعرفة الحراك الثقافي في الدول العربية التي تجاهلها الإعلام السابق المكتوب، واستطاع القراء العرب على مستوى العالم العربي معرفة ما يجري من فكر وأدب وإبداع في البلدان الأخرى المترامية الأطراف، فالقارئ في اليمن في أقصى جنوب العالم العربي عرف بالحراك الثقافي في الشام مثلاً أو موريتانيا، وبالعكس أيضًا، ومن السلبيات عزوف القراء عن اقتناء الكتب الأدبية أو الثقافية التي كانت تزخر بها المكتبة العربية في كل مكان، وكان القارئ يتذوق القراءة بتصفح الكتاب بينما في الوقت الراهن بمجرد ضغطة زر تتصف المئات من الكتب عبر الإنترنت ولكن هل هي قراءة جادة أم تصفح وتطفّل فقط. ويكتفي سيد كاظم الناصر بإبداء أسفه للتأثير السالب الذي أشاعته التقنية الحديثة، حيث يقول: مع الأسف قد تأثر أغلبية الكتّاب بالجانب السلبي من هذه الوسائل التي انفتحنا عليها، وفي رأيي القاصر أننا يجب أن ندرس كل فكرة بدقة وتمعّن بالاستناد إلى تعاليمنا ومفاهيمنا الإسلامية، ويجدر التنبيه إلى وجوب الرجوع إلى ذوي الاختصاص في أي مجال نتطرق إليه بالبحث. انفعال وتفاعل فيما يرى الدكتور عبدالعزيز الشيخ ان الجميع قد حقق الشيء الكثير جراء تلك الخدمة التي وفرتها التكنولوجيا. مضيفًا بقوله: يبقى السؤال عن الأدب المحلي بما يتعلق وهذه الثورة العارمة في الاتصالات والمعلومات هل هو تفاعل إيجابي منبعث من ذات إبداعية أو انفعال سلبي منبعث من ذاتٍ مُتلقية فقط؟ فإذا نظرنا لذلك نجد من الصعوبة بدون دراسة متخصصة الإجابة على هذا الطرح. وكرأي متواضع.. نستطيع أن نقول إجمالاً إن الكل سواء جاء هذا المضمار تفاعلاً أم أنه خاض التجربة انفعالا، قد حققوا الشيء الكثير بفضل تلك الثورة. ولو أن الانفعال طغى كثيرًا على التفاعل. وأجد أن المنفعلين قد حققوا أكثر من المتفاعلين. واستغلوا هذه الفرصة أيّما استغلال، ذلك لأنهم حجبوا.. أو أنهم لم تتح لهم الفرصة زمنًا.. ونتيجة لذلك الانفعال والتسرع في الوصول، جاءت مبادراتهم وإسهاماتهم سهلة ركيكة، ذلك ما يؤثر.. بل إنه أثر بالفعل في مستوى الأدب بصفة عامة وأدبنا المحلي بصفة خاصة. وجاء ذلك الانفعال نتيجة الغياب الطويل، لأننا أساسًا لم نصل قبل هذه الثورة المعلوماتية وإلى الآن لمرحلة الولوج في العالمية كما ينبغي.