الأحداث الجارية بمصر الآن بقدر ما هي مخيفة، بقدر ما هي كاشفة وفاضحة. تغيير الكراسي لا يأتي بالتغيير على مستوى الثقافة، أو على مستويات "ثقافة السياسة". يقول الفيلسوف الألماني كانط: "من أصعب الأشياء إدارة الناس" فالحكم مساره صعب، لأن فيه مخاطرات، لا مخاطرة واحدة، والحاكم إنما يدير الناس بكل عيوبهم وأمراضهم، ولعلي هنا أستعير البيت الذي يستخدمه الزميل محمد السحيمي بعد تحويره له: نعيب شيوخنا والعيب فينا ** وما لنفوسنا شيخ سواها! من السهل أن تشتم الحاكم، وأن تغيره نظرياً.. ولكن، ما البديل؟! الحالة المصرية والتونسية والليبية كلها باتت مآلاتها تحمل في طياتها احتمال "مشروع حروب أهلية". بعضها بدأ فعلاً بالحرب الأهلية والبعض الآخر يوشك على ذلك. تغيير الرئيس السابق حسني مبارك لم يأت بجديد، ومن هنا أذكّر بدعوة الروائي المصري يوسف زيدان حين حذّر مرسي من أن يكون فرعوناً جديداً. القرارات الأخيرة التي اتخذها مرسي لم تأت من تنظيم الإخوان بشكلها الهيكلي بدليل الخلاف بين مرسي وبقية الأقطاب في الحركة، بل جاءت من "التنظيم الخاص" وهي خليّة تحيط بالرئيس مرسي وتملي عليه كل القرارات، وهذا ليس كلامي بل معلومة قالها عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين المنشق عبدالسلام المليجي والذي يوضح ويصر على أن الذي يدير البلد الآن هو التنظيم الخاص في جماعة الإخوان. الإخوان غاضبون الآن بسبب تهميش مرسي لهم كقيادات وإلا ما كانت لتأتي هذه الغضبة بسبب بحثهم عن مصلحة البلد مثلاً بل الهم الأول والأخير للإخوان ألا يهمشوا من قبل التنظيم الخاص وانشقاقات بعض مستشتاري مرسي تؤكد هذه المعلومة الدقيقة والتي بدونها يصعب فهم مجريات الحدث المصري اليوم. مرسي يعيد إنتاج نظام مبارك بشكل أقسى، بل إن حسني لم يضع دستوراً يلغي الحريات ولم يمارس جل الممارسات الظالمة التي يمارسها مرسي حالياً، كان مبارك يدير البلد بقوة وتضعضع في آخر أيام حكمه بسبب وضعه الصحي مما أدى إلى انتشار الفساد في نظامه. بآخر السطر؛ فإن ما يجري بمصر اليوم يؤكد ما قلته من قبل أن التغيير الثقافي أولى من التغيير السياسي لأن التغيير السياسي سطحي بطبيعته بينما التغيير الثقافي هو الجذري والأقوى والأشد أهمية فهل نحن منتبهون؟!