بين الحين والآخر تخرج روايات من الغرب تصل شهرتها- وحجم الجدل حولها- إلى الشرق.. البعض منها بسبب جرأته ووقاحته مثل «آيات شيطانية» لسلمان رشدي، والبعض الآخر لمجرد حبكته الفنية وفكرته المميزة مثل «هاري بوتر» و«ملك الخواتم»!! وفي الفترة الأخيرة سيطرت على الأسواق رواية شيفرة ديفنشي (The Da Vinci Code) للروائي دان براون ووصلت شهرتها إلى عالمنا العربي. وبيع منها حتى اليوم عشرة ملايين نسخة بأكثر من 40 لغة (وقامت بترجمتها للعربية «الدار العربية للعلوم» في بيروت).. وكما هو معتاد منعت الرواية بعد أن تمكنت الرقابة من قراءتها باللغة العربية (رغم أنني اشتريت نسختها الأصلية من مكتبة جرير بجدة).. وفي لبنان والأردن منعت الرواية بعد ضغوط من التجمعات المسيحية كونها- من وجهة نظرهم- تشكك في أسس الديانة النصرانية. ولكن الحقيقة هي أن الرواية تحاول كشف التأثيرات المتبادلة بين الطقوس المسيحية- الشائعة اليوم- والأديان الوثنية التي سبقتها. وتبدأ القصة في باريس حيث يقتل مدير متحف اللوفر (جاك سونيير) بطريقة غامضة. وحينها تشتبه الشرطة بالبروفيسور (روبرت لانغدون) المتخصص في تاريخ الأديان وتستعين بخبيرة في الشيفرة تدعى (صوفي نوفو) لتحليل «شفرة» كتبها سونيير قبل مقتله. غير أن صوفي تكتشف براءة البروفيسور لانغدون فتهرب معه وتحصل (بواسطة الشفرة) على مفتاح لوديعه خاصة في بنك زيوريخ السويسري. ومن البنك يستخرجان صندوقا أودعه سونيير يضم وثائق وأسرارا مهمة تعود إلى جمعية سيون الدينية (وتكشف زيف المسيحية المنتشرة هذه الأيام).. - وهنا؛ سأضطر للتوقف عن سرد أحداث الرواية للتحدث عن (جمعية سيون) والعناصر التاريخية التي أغضبت الأوساط المسيحية.. وعلى رأسها الفاتيكان. ف «سيون» جمعية مسيحية (حقيقية) أسسها عام 1099 في القدس قائد فرنسي يدعى غودفروا دو بويون بعد احتلال المدينة مباشرة. ويعتقد «السيونيون» أن المسيحية دخلت منعطفا سلبيا خطيرا حين تنصر الإمبر اطور قسطنطين وأدخل عليها تعديلات جذرية. فقي عهد الامبراطور قسطنطين كان الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية هو الوثنية. وحين تضاعف أتباع المسيحية في روما وبدأ المسيحيون والوثنيون يتصارعون إلى درجة هددت الإمبراطورية الرومانية بالانقسام قرر قسطنطين (عام 325) توحيد الجميع تحت دين واحد هجين. وهكذا أنشأ دينا مقبولا من الطرفين من خلال دمج الرموز والطقوس الوثنية مع الديانة المسيحية النقية- حتى ذلك الوقت. غير أن قلة قليلة من المسيحيين المخلصين بقوا على ديانتهم النقية حملت أفكارهم لاحقا (جمعية سيون الفرنسية).. ويستدل السيونيون على حقيقة الدمج بين المسيحية والأديان الوثنية القديمة بعدة شواهد مثل فكرة التثليث الوثنية، وأقراص الشمس الإغريقية التي تحيط برؤوس القديسين الكاثوليكيين، وصورة الإلهة إيزيس (وهي تحضن طفلها المعجزة حورس) والتي اقتبست ل«مريم» وهي تحتضن المسيح الرضيع... أيضا هناك تاج الأسقف والمذبح والمناولة وكلها طقوس مستمدة مباشرة من أديان قديمة وثنية غامضة.. بل ان تاريخ ميلاد المسيح 25 ديسمبر هوفي الحقيقة تاريخ ميلاد الآلهة أوزيريس وأدونيس- في حين أن يوم الأحد هو يوم عبادة الشمس (ومنه اقتبس أسم Sunday أي يوم الشمس)! وهكذا يمكن القول أن سبب السخط على الرواية يعود إلى استعانتها بأحداث حقيقية وظفها الكاتب في سياق قصته.. أضف لهذا أن الرواية بالغت في هذه الحقائق لتقديم مزيد من الحبكة والإثارة الدرامية؛ فهي لاتشير فقط إلى أن المسيح (باعتقاد جماعة السيونيين) رجل عادي تزوج وأنجب قبل وفاته؛ بل وتدعي أن له بنتا اسمها «سارة» وأن ذريتها الملكية باقية حتى اليوم وأن وظيفة أعضاء الجمعية حماية هذه الأسرة والحفاظ عليها (وبالعودة لأحداث القصة نكتشف أن سونيير» مدير متحف اللوفر الذي قتل في أول فصل هو آخر هذه السلالة الملكية). .. اما كيف دخل دافنشي في عنوان الرواية (!؟) فبناء على اكتشاف وثائق حقيقية في عام 1975 تثبت أن الفنان الإيطالي دافنشي كان أحد أعضاء جمعية سيون وأنه استخدم شفرات خفية في لوحاته (التي رسمها على الكنانس الإيطالية) للتذكير بالأصل الوثني لمسيحية اليوم!!.