ليست البيئة العربية تنطلق من فكر الخمسينات والستينات أثناء الحرب الباردة وترجيح المنضوين للاتحاد السوفيتي أكثر من الغرب، ولا روسيا الراهنة هي نموذج مستنسخ من السوفييت بعد أن تقلص نفوذها على اتحادها فقط، وتخليها عن بقية الجمهوريات، وعملية السعي لإيجاد علاقات متطورة مع العرب بظرفهم الراهن، تختلف فكرياً وسياسياً، وحتى اقتصادياً إذ لم تعد المشكلة بالتوجه شرقاً أو غرباً طالما الجهتان تنتميان لمدرسة الرأسمالية الحديثة وإن اختلفنا على النفوذ وتوسيع الأدوار في العالم.. لافروف وزير الخارجية الروسي، هو الواجهة السياسية في أحداث المنطقة وخارجها، وبحكم أن بلاده تأخذ بنزعة إثبات وجودها كقوة عظمى حق طبيعي، لكن إدارة البوصلة باتجاه واحد كمناصرتها لنظام الأسد، ودعم إيران عسكرياً وسياسياً أخلت بتوازنها لأنه من غير المقبول السكوت على ما يجري بذبح الشعب السوري من نظامه وإعطائه المبررات مرة بالغالبية الشعبية التي تؤيد النظام، وأخرى اعتبار المعارضة فلولاً ارهابية، ثم النزوع لحوار بين طرفين لا يمكنهما الالتقاء على عمل مشترك، وبصرف النظر عن الموقف الروسي الذي اختار اتجاهاً يراه يخدم مصالحه، إلاّ أن عدم وضع رؤية تنصف الحق الشعبي السوري أضاع عليها أن تكون فاعلاً مقبولاً من بقية الدول العربية حتى لو ذهب لافروف لأكثر من عاصمة لاقناعها بوجاهة نظر بلده.. الوزير الروسي سيكون ضيفاً على الحوار الاستراتيجي بين الروس ودول مجلس التعاون الخليجي، وقطعاً إلى جانب الروابط المشتركة، سيحضر الملفان السوري والإيراني، وكلاهما حساس بما فيه الكفاية لدول مجلس التعاون، وروسيا تدرك أن ايقاع الأحداث لا يضبط بجملة آراء تضع هذه الدول في مواجهة بين خلافات أطلسية مع روسيا والصين، لأن دول المجلس لها استقلالية قرارها وفكرها وتعدد سياساتها.. فمثلما الغرب شريك تقليدي لأزمنة طويلة فعملية فك الارتباط معه مستحيلة، بنفس الوقت تبقى العلاقات مع روسيا ضرورية، ليس لمعادلة القوتين في المنطقة، وإنما لتوسيع دائرة التعامل من أفق يحتمل وجود تميز معين لحل الاشكالات والاتفاق على قاعدة المصالح المهمة، وموضوع الحوار الاستراتيجي إذا ما دخل لعبة السياسة فقط ودون مراعاة للمطالب الخليجية فيما يخدم استراتيجياتها ومصالحها، فإن الحوار يبقى مجرد تبادل وجهات نظر، لا تأسيس علاقة موسعة تشمل الجوانب الهامة في الاقتصاد والثقافة وتبادل الخبرات والتجارة وغيرها، لا قصرها على جانب لا يتعدى الصيغ التقليدية والتي لم تعد صالحة لتسويق الايدولوجيا، أو التحذير من غرب مقابل شرق بينما العلاقة بينهما لا تطرح مثل هذه الأفكار لوجود ضرورات تلتقي عندها السياسات بينهما.. لا نقول إن سوريا وإيران ليستا مهمتين لروسيا، لكن أيضاً هناك من يرفع سقف مخاوفه من تحالفهما ثم إن الشعب العربي برمته أصبح منحازاً لأمنه ومصالحه والشعب السوري له الأولوية في الاهتمام والدعم مهما كانت الظروف وروسيا عليها أن تدرك ذلك بعيون مفتوحة لا الأخذ بالبعد الواحد والابتعاد عمن يخدم مصالحها..