تواصل روسيا مواقفها المثيرة للجدل أحيانًا، وللغضب أحيانًا كثيرة بتبني سياسات ومواقف هدفها دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد على حساب أرواح الآلاف من أبناء الشعب السوري الذين يسقطون قتلى يوميًا على أيدي قوات بشار وأعوانه من الشبيحة، ولم تكتف روسيا باستخدام الفيتو في مجلس الأمن لتعطيل صدور أي قرار يوقف القتل الممنهج ضد الشعب السوري، بل واصلت الدفاع عن نظام بشار وتبني أجندته السياسية والترويج لأفكاره الخاصة بإثارة الفزع من مخاطر مرحلة ما بعد سقوط النظام. وقاد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حملة دعاية وتعبئة بنشر مخاوف من وصول السنة إلى الحكم في سوريا في محاولة لاستخدام «فزاعة الإسلاميين» لكسب تأييد وتعاطف الغرب مع نظام بشار الأسد، وضرب كل محاولات المجلس الوطني السوري وتنسيقيات ثورته في الداخل للحصول على دعم المجتمع الدولي؛ وصولًا للاعتراف بالمعارضة السورية بديلًا للنظام. ووصف معارضون سوريون ورموز سياسية مصرية تصريحات الوزير الروسي لافروف عن مخاطر قيام نظام سني في سوريا على أنقاض نظام بشار، بأنها محاولة روسية «يائسة» لدعم نظامًا فقد شرعيته داخليًا وخارجيًا وبات «مطلوبًا» للجهات القضائية الدولية، وأن تصريحات لافروف لا تخرج عن كونها محاولة للتعتيم على موقف روسيا «المستهجن» عربيًا ودوليًا، وأن موقف روسيا الداعم للنظام «القاتل في سوريا» وضعها في «عزلة دولية» لا تقل عن عزلة نظام بشار، ووصفها بعض المعارضين السوريين بأنها مصادرة لإرادة الشعب السوري المطالب بالتغيير، وهو المحدد الوحيد لنسق وآليات هذا التغيير دون الحاجة لموقف ورأي لافروف. وأجمعوا على أن لا خلاف بين مكونات الشعب السوري بكافة فصائله في ضرورة إسقاط النظام ولا وجود لطائفيات؛ لأن الشعب السوري يد واحدة وشعب متماسك. وقال عضو الهيئة التنفيذية للمجلس الوطني السوري الدكتور سمير نشار «مزايدة سياسية» وتعكس جهلًا بالوضع الداخلي السوري الذي يتسم بالتوحد والتوافق على أهدافه وبغضّ النظر عن انتمائه السياسي، وهي إسقاط نظام بشار الأسد وهو نظام مجرم وقاتل، وأضاف أن الشعب وحده هو من يقرر نظامه السياسي وهناك اتفاق بين كل القوى السياسية على نظام ديمقراطي وتعددي ودون إقصاء لأي فصيل أو تيار سياسي أو ديني. إعادة فاشلة لإنتاج التخويف وأضاف عضو الهيئة التأسيسية للتيار الوطني السوري المهندس سلام عمر الشواف أن تصريحات وزير خارجية روسيا لافروف هي تبنٍ «حرفي» لمزاعم «القاتل بشار الأسد» وهى نفس المنهج في التخويف من الثورة ومآلات الثورة السورية، وأن سياسة بشار في التخويف من الثورة ومن خيارات التغيير فشلت بامتياز، وجاء لافروف ليعيد إنتاج نفس سياسة «التخويف» بمزاعم لا وجود لها على أرض الواقع في سوريا، ولكن الجديد أنها محاولة من جانب روسيا لإضفاء قدر من المصداقية على المزاعم التي رفضها الشعب السوري. وقال الشواف إن تصريحات لافروف عن قيام دولة «سنية» في سوريا على أنقاض نظام الأسد هي دعاية «مكشوفة» ولن يكتب لها النجاح لأنها تتنافى مع المكونات الديموغرافية في سوريا والتي لا مجال للحديث عن الطائفية أو المذهبية، وهناك إجماع على إسقاط نظام بشار الأسد الذي اكتسب بجدارة معارضة كل الشعب بما فيهم «العلويون» حيث ينضم للمعارضة بعض رموز التيار العلوي أمثال: عارف دليلة وتوفيق دنيا. وأوضح الشواف أن تصريحات لافروف أيضًا محاولة «خلط» الأوراق وأن دعواه تتلاقى مع مواقف وسياسات إسرائيل مما يعزز من تعثر الجهود الدولية لدعم المعارضة السورية وعن مخاوف قيام دولة سنية في سوريا، قال الشواف: إن سوريا دولة «سنية» طوال تاريخها، ويبلغ عدد السنة بها أكثر من 75 %، لكن إيران هي من حاولت خلق الطائفية في سوريا. ووصف عضو الهيئة العليا بتنسيقات الثورة السورة المهندس عماد غليون تصريحات لافروف بأنها تتفق تمامًا مع مواقف روسيا من الأزمة السورية، وأن روسيا لم تكتف باستخدام «الفيتو» في مجلس وهو الأمر الذي كان بمثابة «التصريح» للرئيس بشار بالاستمرار في قتل شعبه، وأن روسيا شريك أساسي في مذابح الشعب السوري تارة «بالفيتو» وأخرى بمداد بشار بالسلاح ووصول إلى تصريحات الدعاية للنظام من خلال تبني مواقف وسياسات النظام السوري الذي يعيش في عزلة، وروسيا هي القناة الوحيدة التي تتحدث باسم نظام بشار، مشيرًا إلى أن مخاوف لافروف عن دولة سنية في سوريا هي نفس المخاوف والمزاعم التي روجها نظام بشار في السابق وفشلت، وأن تصريحات لافروف تنفيها الحقائق على أرض الثورة السورية والتي تتسم بالتماسك والتوافق على الأهداف الرئيسية وهي إسقاط نظام بشار وإقامة نظام ديمقراطي تعددي يختاره الشعب السوري بإرادته الحرة ودون الحاجة إلى نصائح روسيا. «كسب تعاطف الغرب» ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أشرف محيى الدين أن تصريحات لافروف هي محاولة لتسويق فكرة «الإسلامو فوبيا» والتي تلقى رواجًا في الغرب من منطلق أن حركات الإسلام السياسي تمثل خطورة على مصالح الغرب، ومخاطر دعم الأنظمة الاستبدالية أقل ضررًا على مصالح الغرب من السماح لوصول الإسلام السياسي للحكم الذي يحتفظ بأجندة معادية للغرب رغم ما قد تظهره الحركات الإسلامية من مرونة تجاه الغرب، وأنه من هذا المنطلق يمكن قراءة تصريحات لافروف بإثارة المخاوف والفزع من قيام دولة «سنية» في سوريا حيث إن لافروف يدرك حساسية الوضع في سوريا بالنسبة لإسرائيل التي لا ترغب بحصار إسلامي لها. من جهته اعتبر الدكتور حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية ومستشار شيخ الأزهر أن تصريحات وزير الخارجية الروسي وتخويفه من وصول الإسلاميين إلى الحكم في سوريا تأتي في سياق الدفاع المستميت الذي تتبناه الدولة الروسية من أجل إبقاء نظام بشار الأسد في السلطة بأي شكل من الأشكال حتى ولو جاء على حساب الشعب الذي يراق دمه نهارا وليلا، والغريب أن روسيا تعتبر أن وصول الإسلاميين إلى السلطة يشكل خطرًا ولا تعتبر بقاء بشار في السلطة يشكل أي خطر وأنا أتمنى أن توضح لنا الدولة الروسية الخطر الذي مثله وصول الإسلاميين إلى السلطة في تونس ومصر . وأضاف الدكتور الشافعي: لا بدَّ أن يعي النظام الروسي جيدًا أن سقوط نظام الأسد أصبح مسألة وقت وبدلاً من أن تقوم روسيا بكسب عداء المسلمين بتلك التصريحات غير المسؤولة عليهم أن يضغطوا على حليفهم من أجل ترك السلطة والتخلي عنها طواعية والبحث عن آلية للحفاظ على الدم السوري قبل فوات الأوان، وأشار د. الشافعي إلى إن روسيا إذا كانت تخشى من قيام نظام إسلامي في سوريا على نمط الدولة الكهنوتية التي قامت فترة من الزمن في روسيا فإننا نؤكد للجميع أن الإسلام لم يعرف الدولة الكهنوتية التى يتولى فيها الكاهن كل المسؤوليات والدليل أن الأزهر عندما وضع وثيقة بناء الدولة قال: إن الدولة في الإسلام تعبير عن المجتمع المدني العصري. «تخويف العالم من الإسلام» وأشار الدكتور نصر فريد واصل عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ومفتى مصر السابق أن قيام الغرب بتصدير الخوف من الإسلاميين هي محاولة لتخويف العالم من الإسلام ذاته، ولابد أن يعي الجميع أن هناك مخاوف شديدة لدى الغرب من أن يتوقف العرب والمسلمين عن استيراد نظريات الغرب والشرق وهم في الغرب يعون جيدًا أن تطبيق مبادئ الإسلام كفيل بتوفير العلاج الشافي لكل مشكلاتنا ولهذا يحاولون تشويه ديننا عن طريق تشويه التيارات التي تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، ومن هذا المنطلق لابد أن نتصدى للمشوهين. ولا بد أيضًا أن نؤكد للجميع أن الحياة لن تستقيم على طريق صحيح إلا إذا اتبعت النهج الإسلامي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فإن كل ما جاء به نور ومن أغمض عينيه عن النور لم يضرَّ إلا نفسه، وقد أكدت السنة النبوية على هذا النور خاصة وأنها حرصت على محاربة كل سلوك خارج عن الوسطية والاعتدال حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم ينشد الاعتدال في كل قول وعمل، والسنة النبوية مليئة بالأحاديث التى تدعو إلى الأخذ بالوسطية وترك التشدد؛ فما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا ،ولما أقدم عليه الرهط لم يقر قول بعضهم: لا آكل اللحم وقول بعضهم أصوم الدهر لا أفطر وقول بعضهم لا أتزوج النساء وقول بعضهم لا أنام على فراش وعدم إقرار رسول الله لهذا التصرف دليل على أن الأصل في الإسلام هو الوسطية والاعتدال. «استفزاز للغرب» ويري الشيخ السيد عسكر رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب المصري - البرلمان - أن التصريح الروسي مرفوض جملة وتفصيلا ولا بد أن يتم الرد عليه من جانب كل الدول الإسلامية وليس التيارات والأحزاب الإسلامية فحسب لأنه تصريح يسيء للإسلام ذاته، وإن كنا نعرف وندرك أنه محاولة يائسة من جانب الدب الروسي للدفاع عن رجلهم الأخير في المنطقة، وهم يعون أن وجودهم في المنطقة العربية مرتبط بوجود بشار وحلفائه وسقوط بشار يعني بالتالي سقوط حلفائه وانهيار الوجود الروسي بأكمله في المنطقة. ويضيف الشيخ عسكر أن روسيا تستخدم نفس الفزاعة التي كانت الأنظمة العربية البائدة تستخدمها وهي لعبة الفزاعة من الإسلاميين باعتبارها هي المنهج الأصوب والحل السحري الذي اتبعته الأنظمة العربية لتخفف حدة الضغوط الغربية فقد استغلت الأنظمة خوف الغرب من الإسلام والإسلاميين استنادًا إلى الخطاب الراديكالي لدى بعض الحركات الإسلامية في أن تبقى هذه الأنظمة هي الأفضل حتى لو جاءت سياساتهم بالمخالفة لما يدعي الغرب من الالتزام به من قيم الحريات وحقوق الإنسان وحق الآخر في التعبير عن ذاته. ولأنّ روسيا تدرك جيدًا أن الغرب لا يشغله بالدرجة الأولى إلا مصالحه الخاصة فإنه يمكن أن يتخلى سريعًا عن مطالبة بتحقيق الديمقراطية، فالديمقراطية التي لا تحقق له هذا المصالح لا داعي منها، بل وليس من مانع أن يكون في خندق وصف من يحاربها، فحد الديمقراطية الغربية هو ما يعود بالنفع على الغرب لا ما يضر بمصالحها واليوم تأتي روسيا بنفس التحذيرات وهي لا تدرك أن الوقت قد فات وأن الإسلاميين فازوا في الكثير من الدول العربية ولم تحدث حروب ولا صدامات بل إن الدول العربية سارت في الطريق الديموقراطي بشكل مبهر للغاية كما هو الحال في مصر وقبلها في تونس. «عداء تاريخي» ويقول عضو الهيئة العليا لحزب الوسط «مرجعية إسلامية « الدكتور يحيى أبو الحسن: إن تصريحات لافروف في تقديري ليست غريبة أو جديدة، وتعكس ميراثًا تاريخيًا من العداء بين روسيا وحركات الإسلام السياسي.. إن هزيمة روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي أمام حركات الإسلام السياسي في أفغانستان ليست ببعيدة عن ذهنية لافروف والقيادة الروسية التي يقودها رجل مخابراتي من الطراز الرفيع ممثلة في الرئيس بوتين، وأضاف أن تصريحات لافروف في اعتقادي أيضًا هي من نوع التدخل غير المقبول في إرادة الشعب السوري الذي يسير بثورته ويسعى للتغيير كما جرى في بلدان عربية شقيقة له مثل: مصر، وتونس، وليبيا، ويحاول تحقيق الحرية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وبغض النظر عن القوى التي تصل للحكم في سوريا، طالما جاءت بانتخابات حرة ونزيهة، ويجب التوقف عن مصادرة حق الشوب في اختيار أنظمتها التي تحقق طموحاتها وتلبي التطلعات الثورية للشعب السوري. «إحداث فتنة» إلى ذلك قال الخبير الإستراتيجي اللواء عزت الشيشيني: إن تصريحات لافروف هدفها إحداث نوع من الفتنة في سوريا بعدما تأكد سقوط نظام بشار قريبًا، وإنه يحاول زرع الخوف في نفوس السوريين من وصول النظام الإسلامي إلى صدارة الحكم، مشيرًا إلى أن الشعوب العربية هي صاحبة الرأي في وصول من يتولى إدارة البلاد، وأضاف أن الشعوب العربية اختارت من قبل التيارات الإسلامية في مصر وتونس، وليس هناك مانع في أن يتولى الإسلاميون الحكم في سوريا إذا اختار الشعب ذلك، موضحًا أن التحول جاء بسلاسة وفي أبهى صور الديمقراطية التي افتقدتها الساحة العربية لعقود طويلة في عملياتها الانتخابية. وقال الشيشيني: على روسيا أن تبتعد عن الشعب السوري لتقرير مصيره كيفما يشاء، مشيرًا إلى أن تصريحات لافروف تعد تدخلًا صريحًا في حياة الشعوب العربية خاصة سوريا التي ظهر واضحًا مساندتها لنظام بشار منذ اندلاع الثورة في سوريا حتى اليوم، وأضاف أن على الغرب بصفة عامة أن يقتنع بأن مجيء الإسلاميين إلى الحكم لن يكون أشد ضررًا من بقاء الأنظمة الفاسدة، كما أنه ليس من حق أي إنسان أن يحاكم النوايا، وقال: هناك تيارات إسلامية ناجحة مثل تركيا بعد وصول حزب العدالة و التنمية الإسلامي إلى الحكم عام 2002 حيث جعل الحزب من تركيا دولة عظمى وأحدثت نهضة في جميع المجالات من السياسة إلى الاقتصاد والمجتمع، وكانت جميع الأصوات ترتفع من الداخل و الخارج شرقًا و غربًا محذرة من خطورة الوضع السياسي في تركيا، ومشككة في نوايا الإسلاميين الذين قيل عنهم في ذلك الوقت أنهم يتعاملون مع الديمقراطية كسلم سيحطمونه مباشرة بعد الوصول إلى الحكم، لكن الممارسة الواقعية تنفي بقوة جميع هذه الادعاءات، ولافتًا إلى أن الغرب استخدم «الإسلاموفوبيا» التي انتشرت غربًا و شرقًا محذرة منه، وأنه سيعود بالعالم الإسلامي إلى القرون الوسطى، لكون أن التيارات الإسلامية سوف تكون»شوكة في حلق الغرب». «توحد قوى المعارضة» ويرى الخبير الاستراتيجي اللواء عثمان كامل أن ما يحدث في سوريا حرب على أهل السنة والجماعة ومحاولة لتمزيق النسيج الوطني السوري الضام وافتعال خلافات طائفية غير موجودة تقودها إيران وحزب الله وتدعمها روسيا، مطالبًا كافة القوى السياسية المعارضة لنظام بشار سواء في الداخل أو الخارج إلى التوحد من أجل مواجهة الحرب الخارجية التي تقودها روسيا حاليًا، والتي نصبت نفسها وصيًا للقيام بشؤون سوريا وكأنها قامت باحتلالها بعد تصريحات وزير خارجيتها الأخيرة التي يحذر فيها وصول أهل السنة للحكم، موضحًا أن تصريح لافروف تجاه الأزمة السورية هدفه دعم نظام بشار في الوجود على كرسي الحكم وإشعال الصراع الطائفي داخل سوريا لكي يبعد الشعب السوري بقدر المستطاع عن قضيته الأساسية وهو دحر نظام بشار وأعوانه من السلطة في سوريا.