لا فرق بين مصالح الأفراد ومصالح الدول فيما يتعلق بضرورة العمل بكافة الوسائل والطرق لحمايتها وتعظيمها إن أمكن بأي وسيلة كانت، تماما كما سبق وأن أكد على هذا الإنساني والواقع الدولي الفيلسوف الإيطالي الشهير ميكيافيللي، فالغاية الفردية، أو غاية الدولة تبرر الوسيلة المستخدمة أيا كانت، أو حتى الوسائل مهما كانت غير إنسانية أو حتى قذرة. سوريا في زمن الاتحاد السوفيتي كانت (مع دول عربية أخرى كالعراق) تمثل دول امتداد لمصالح ولنفوذ السوفيت تدور في فلكه تعمل على التعاون معه وتحرص على حماية مصالحه الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط تحديدا في مواجهة قوى المعسكر الغربي وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية. فسوريا كانت من الدول الاشتراكية التي تحظى برعاية السوفيت ودعمهم، تحصل منهم على الدعم والتأييد السياسي، وتتلقى منهم مساعدات ومعونات مختلفة في مقدمتها السلاح السوفيتي لاختباره في مقابل السلاح الأمريكي إن تطلب الأمر ودعت الضرورة والحاجة إلى ذلك كما حدث في معظم الحروب والمواجهات العسكرية العربية الإسرائيلية. حتى بعد أن اختلف الوضع الداخلي في الاتحاد السوفيتي، وبعد أن تغير الحال في ربوعه السياسية بعد عام 1990م، بقيت العلاقة مع سوريا علاقة إستراتيجية لم تختلف مصالح روسيا الاتحادية الحالية معها عن مصلحة الاتحاد السوفيتي سابقا خصوصا فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط ودور الدول التابعة لها في المنطقة، ليس وحسب نظرا لأن الأدوار السياسية أو الاقتصادية الدولية بين الدول العظمى مهما اختلفت، والعلاقات السياسية الدولية (فيما بينها) مهما تقاربت أو تباعدت، فإنها ليست بدلالة على تغير المصالح الإستراتيجية في مناطق النفوذ الإقليمية، فتلكم كروت فاعلة يمكن استخدامها كوسيلة من وسائل الضغط أو المقايضة. هذا ما يفسر وقوف روسيا الاتحادية إلى جانب النظام السوري وضد الشعب السوري خصوصا في مجلس الأمن الدولي، وبالتالي هذا ما يؤكد الإعاقة التي يواجهها المجتمع الدولي في التعامل بحزم مع النظام السوري. هنا يجب أن لا ننسى وجود ودور الحليف الإيراني لكل من روسيا الاتحادية وسوريا، فالعلاقة الإستراتيجية بين الثلاثي هذا مكمنها ومربطها العلاقات السلبية التي تربط كل منهم على حدة بالولاياتالمتحدةالأمريكية خاصة والعالم الغربي عامة. ها هنا تحديدا إذا ما عرفت السياسات الدولية على أنها «الصراع من أجل تحقيق القوة والحفاظ عليها»، كما وعرفت القوة بأنها مجمل المصالح القومية الإستراتيجية للدولة (خصوصا الدول العظمى) في الخارج»، فإن هذا أيضا ما يفسر حتى الآن تشبث روسيا الاتحادية بدعم النظام السوري على الرغم من استخدامه لسياسة القمع المفرط تجاه الشعب السوري. وإذا ما عرفنا أن لعبة المصالح الدولية دائما ما تتحرك في قنوات واضحة من مناطق النفوذ للدول العظمى فإن تقسيمات تلك المصالح ودوافعها ومناهجها تختلف باختلاف المصالح الإستراتيجية أو المصالح الحيوية لكل دولة عظمى على حدة. فهي إما مصالح لدول عظمى تقع في ما يسمى بالمناطق الضبابية، أو التي قد تقع في المناطقة الرمادية، وأخيرا إلى مناطق النفوذ التي تقع في المناطق البيضاء الواضحة أو المناطق السوداء الداكنة. على سبيل المثال ليبيا منطقة نفوذ رئيسية بيضاء واضحة لبعض الدول العظمى ومتداخلة تحديدا لمصالح الأوروبيين، لكنها تعتبر أقل من ذلك المستوى (أي منطقة نفوذ رمادية) لكل من روسيا الاتحادية والصين الشعبية. في المقابل فإن سوريا تعتبر منطقة نفوذ بيضاء حصرية لروسيا الاتحادية (رمادية بالنسبة للغرب). أما مصر تحديدا، وتونس نوعا ما، فإنها تقع في دائرة المصالح الإستراتيجية الأمريكيةالبيضاء أولا ثم الأوروبية ثانيا، لكنها لم تعد بعد أحداث 11 سبتمبر بالدولة التي يمكن أن تسمح واشنطن بتواصل الحكم السلطوي الفردي فيها سواء وفقا لمنطق أو رؤية أو مخطط الشرق الأوسط الكبير، أو فيما يتعلق بضرورة احترام إرادة الشعب المصري وما تمخض عنه من وعي سياسي لم يعد يقبل بحكم الأنظمة السلطوية أو القمعية. السؤال هنا هل يتواصل الضغط الدولي على روسيا الاتحادية لتخفيف دعمها للنظام السوري؟ لا يقل أهمية عن السؤال هل يمكن أن يتغاضى الرأي العام للشعب الروسي عما يحدث في سوريا من قتل وتدمير وتنكيل؟. الواضح حتى الآن أن الرأي العام للشعب الروسي لا زال يعيش في عالم الاتحاد السوفيتي وأجوائه السلطوية القمعية حتى وإن تمت عملية مكيجة النظام السياسي بمكياج ديمقراطي.