ليتذكر كل مسؤول أنه لولا خدمة المراجع لما كان لوجوده ووجود إدارته معنى، تستطيعون أن تنقدوا وتتذمروا كما تشاؤون لكن لن نتقدم إلا إذا قام كل منا بما عليه من واجبات بدءاً بمهمته كرب أسرة وانتهاءً بعمله كمسؤول. فهل أدى كل منا ما عليه من أمانة؟ أم نكتفي بالتضجر ونقد الغير؟! أصبح التذمر ونقد الخدمات والمرافق من الأحاديث المفضلة لدى البعض، وفي مجلس ضم أطيافاً مختلفة من المجتمع منهم الضابط المتقاعد وأستاذ الجامعة ومعلم المدرسة والتاجر، أحدهم سرد معاناته مع أحد المطارات وما رآه من تدني خدمات لا تليق بسمعة ومكانة المملكة، كالزحام واختفاء الابتسامة من على وجوه الموظفين، وتدني النظافة وخصوصاً في دورات المياه، ونوم بعض المسافرين في المصليات، وفوضى سيارات الأجرة، وآخر تحدث عن المرور وغياب المراقبة والعقاب لمن يتجاوز الإشارة الحمراء وكثرة الحوادث، وآخر تحدث عن مشاكل الخدم والسائقين، وهكذا، حينها تحدث أحد الجالسين وقال لهم: أنتم جزء من المشكلة ولستم جزءاً من الحل، ماذا عملتم لتساهموا في حلِّ هذه المشاكل وأمثالها التي أنا متأكد أنها موجودة في أكثر بلدان العالم، أنا وأنت، ابني وابنك من يرتكب المخالفات، ونحن من يتستر على الوافد ليمتص خيرات البلد، ثم هل حاول أحدكم أن يصل إلى المسؤول ليبلغه بعدم رضاه عن الخدمات المقدمة؟ قال أحد الجالسين: لن يسمعنا أحد، وهل تظن أن المسؤولين لا يعرفون ذلك؟ ألم تكتب الصحف والمدونات الكثير من الشكاوى؟ ثم لماذا تتقدم الخدمات والمرافق كالمطارات والمواصلات في دول الجوار وتبقى على حالها هنا؟ قال لهم: نحن مقصرون ولم نقم بواجبنا على الوجه المطلوب؟ سواء في البيت أو في العمل، الموظفون كانو يوماً ما أطفالاً في بيوتنا وطلبة في مدارسنا. وفي الدول المتقدمة لا يسكت المواطن على الخطأ بل يبلغ عنه ويطالب بإصلاحه لأنه حق من حقوقه. والتفت إلى أحد المتذمرين وقال له: أنت أستاذ في الجامعة وتعرف أن الأمور لا تأتي إلا بالمطالبة والإلحاح والمتابعة، لو أن كل مواطن أدى ما عليه من أمانة لخدمة مراجعيه لما رأينا هذا البلد العزيز باقياً بين الدول النامية، لو كثرت الشكاوى على كل مقصّر لهبّ كل مدير من على كرسيه الوثير يبحث عن الأخطاء ليصححها، مهمة المدير الأساسية ليست في إرضاء رئيسه ولا في كثرة الاجتماعات ولا طول مدتها، لكنها في خدمة الناس التي سيسأل عنها. لو قضى كل مسؤول بعض ساعات العمل بين موظفيه ومكاتبهم، يبحث عن المجدّ ليكافئه وعن المقصر ليعاقبه، لما تسلل الملل والإحباط إلى المجدّ، ولما قصر المقصّر، لو دخل كل مسؤول إلى جميع المرافق التي يرتادها المراجع ومنها دورات المياه لما تدنت خدماتها، ولو طاف المسؤول بين المشاريع ليتأكد من جودة تنفيذها وتاريخ تسليمها لما تعثرت. لو عودنا أبناءنا على الجد في العمل والأمانة لقدمنا أعظم الخدمات لهذا البلد العزيز. وأضاف، لكنني أوافقكم أيضا أن أفضل سبيل لتحسين المرافق والنهوض بخدمة المواطنين والمقيمين يكمن في التركيز على الأمور الآتية: 1. حسن اختيار القادة والمديرين، وفي الدول المتقدمة يتم اختيارهم على أسس علمية تدرّس في الجامعات وتسمى "إدارة المصادر البشرية" وفي العالم المتقدم شركات كثيرة تقدم خدماتها لكل منشأة تطلب ذلك، ومعظم موظفي إدارة المصادر البشرية من حملة الشهادات العليا في علم النفس والإدارة، ولا يمكن أن يتم الاختيار للمناصب المهمة على أساس الأقدمية أو المعرفة الشخصية أو القرابة، فالقادة الناجحون قلة، والمسؤولية عظيمة، فهذا الموظف المتربع على قمة المؤسسة هو المحفز أو المثبط، وهو المحرك لكل نشاط في المؤسسة أو الوائد له، هو القدوة لغيره، معظم موظفيه يأتون قبله بدقائق وينصرفون بعده مباشرة، لديهم حدس عجيب لقراءة أفكاره واهتماماته، بعض المؤسسات المتعثرة في الدول المتقدمة يتم تغيير القائد أو المدير التنفيذي كل عام حتى يتم العثور على القائد المناسب الذي يجمع بين العلم والشجاعة والأمانة، بعدها يتم الاحتفاظ به ومكافأته بسخاء. 2. المحاسبة مهمة جداً، ويقاس نجاح كل مسؤول بمدى تقدم مؤسسته، ومدى رضى المراجعين عنها، كما أن التغيير المستمر لرؤساء وقادة ومديري المؤسسات مهم جداً لتجديد النشاط وتنويع الخبرات، ويكافأ المجد بتعيينه بمركز أعلى، ويذهب المقصر إلى بيته أو إلى مكان أقل أهمية. 3. علينا أن نتذكر أن معظم الموظفين الذين يشغلون أكثر وظائف القطاعين العام والخاص، كانوا يوماً ما أطفال في بيوتنا وطلبة في مدارسنا وجامعاتنا، فماذا قدمنا لهم؟ هل علمناهم ما هي المواطنة الحقة؟ وكيف يكون حب الوطن والحفاظ على مكتسباته؟ وما هو سر تقدم الأمم وتقهقرها؟ وما هو سرّ غناها وفقرها؟ وكيف يُحترم الإنسان وتؤدى الأمانة؟ أم اكتفينا بتعليمهم الحد الأدنى من القراءة والكتابة وحشونا أدمغتهم بمواد يتبخر أكثرها بعد الامتحان مباشرة، التربية والتعليم تطبيق وممارسة لما يجب أن يتحلى به الطالب مستقبلاً في حياته الأسرية والعملية. لم تتقدم الأمم لأن سكانها من جنس مختلف، فالأدمغة هي الأدمغة، لكن الفرق هو في ثقافة الأمة، وفي مستوى تربيتها وتعليمها، وفي مدى تطبيقها للأنظمة على الجميع، وفي وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والتغيير المستمر، والمحاسبة، ومحاربة الفساد بلا هوادة، وإعطاء كل ذي حق حقه. وفي النهاية ختم صاحبي حديثه الشجاع بالكلمات الآتية: ليتذكر كل مسؤول أنه راحل إن عاجلا أو آجلا، فماذا سيترك بعده من ذكرى وأثر في الدنيا والآخرة، وليتذكر كل مسؤول أنه لولا خدمة المراجع لما كان لوجوده ووجود إدارته معنى، تستطيعون أن تنقدوا وتتذمروا كما تشاؤون لكن لن نتقدم إلا إذا قام كل منا بما عليه من واجبات بدءاً بمهمته كرب أسرة وانتهاءً بعمله كمسؤول. فهل أدى كل منا ما عليه من أمانة؟ أم نكتفي بالتضجر ونقد الغير؟!