الشأن الثقافي نشاط لا يحبه المتبرعون، ربما لأنهم يرونه جانباً معتماً لا يخدم تبرعاتهم، ولا يحظى بالسمعة التي يحظى بها القطاع الرياضي مثلا، والذي تتدفق عليه التبرعات من كل حدب وصوب، رغم أن العناية بهذا النشاط ودعمه كرافد لغذاء الروح والعقل، لا تقل أهمية عن غذاء الجسد، وهو ما يحدث في كثير من المجتمعات المتقدمة التي تدرك حجم أهمية دعم هذا النشاط وإنقاذه من عتمته. ليكون قنطرة للوعي، من هنا تأتي أهمية هذه السابقة الفريدة التي قدمها معالي الدكتور ناصر الرشيد، وتبرعه ببناء مقر للنادي الأدبي في حائل مع تجهيزه وتأثيثه بتكلفة (23 ) مليون ريال، وليس ( 20 ) مليونا كما نشر في بعض وسائل الإعلام، وهو ما عرفته من الصديق صالح الرشيد شقيق معالي الدكتور، ومدير أعماله، المهم إن ما نأمله هو أن تفتح هذه السابقة أعين رجال المال والأعمال ممن يستشعرون مسؤوليتهم الاجتماعية، وممن يريد منهم أن يساهم في بناء مجتمعه بشكل جاد، أن تفتح أعينهم باتجاه هذه النشاط الذي انحسرت عنه الأضواء بفعل الاندفاع بالتبرعات ناحية النشاط الرياضي، مما رفع بورصة اللاعبين إلى أرقام خرافية، وبالتالي استسلامهم للرفاه، دون أن يقدموا مجدا يذكر للوطن في هذا الجانب، وكل هذا على حساب مبدعين في الفكر، وفي القصة والرواية وغيرها من الآداب والفنون لازالوا يعيشون على هامش الاهتمام، حيث تقلص حضورنا الثقافي والأدبي على خارطة الأدب العربي إلى أدنى درجاته بعد انقراض جيل الرواد من الأدباء والمفكرين من الرموز مثل حمد الجاسر وعبدالله بن خميس وعبدالله عبدالجبار وعزيز ضياء وحمزة شحاته ومحمد حسن عواد وغازي وغيرهم كثير، فيما بقي محمد الثبيتي يصارع مرارات متاعبه الحياتية إلى أن هدّه المرض ومات، في الوقت الذي قد تحلق فيه طائرة خاصة إلى إحدى العواصمالغربية لتنقل لاعباً مصاباً في الرباط إلى إحدى مستشفياتها المتقدمة . لستُ في وارد نقد هذه العناية الفائقة بالرياضة، لكني فقط أفتش عن أطراف المعادلة بين ثقافة القدم وثقافة القلم . الدكتور ناصر الرشيد الذي أغدق كثيرا على مشاريع خيرية وإنسانية ووطنية، لم يكتف بما قدمه في هذه الميادين، وإنما التفت بسابقته هذه إلى ما لا يمكن أن يلتفت إليه أحد، لأنه لم يكن يبحث عن ضوء يريد أن يقف تحته ليراه الناس، وإنما اهتم بهذا النشاط المعتم، ليصحح الرؤية صوب الأدب والثقافة، ودور رجال الأعمال تجاهها خدمة لوطنهم، وليوفر الفرصة لهذه الأندية لتكون مركز استقطاب للمبدعين الذين سيكون بوسعهم أن يجدوا فيها ما ينمي مواهبهم، ويقدمهم للساحة كعناصر إنتاج فاعلة، وهي رؤية لا تصدر إلا عن مثقف حقيقي يعي أهمية الثقافة في بناء البلدان، والإسهام في صناعة حضارتها، وهذا هو المطلوب لإعادة التوازن إلى سواعد التنمية، عوضا عن الجري خلف الأضواء الكاشفة في ملاعب كرة القدم، وكأنها هي وحدها ما يمكن أن نقدم أنفسنا من خلالها. لذلك كل ما أتمناه ألا يثمر هذا التبرع السخي عن بناء مسلح بواجهات جميلة وحسب، وإنما ليكون كما أراد له صاحبه فرصة في استثمار العقول والمواهب.