المغني الذي قال للناس صدري تشقّقَ فاختبئوا ... *** في الليل حيث يأخذ القمر نجمةً إلى صحراء السماء لايكتفي بحديثهما بل يحملها معه على أن تستمع لعزلة شاعرٍ يحرس ليله الأخير ... هكذا ببساطة تخرج القصيدة من بين تجاويف الليل في السماء بين نجمة وأخرى .. من آثار الراحلين .. من العصافير التي غادرت طفولتي بعد أن أصاب ذاكرتي الجفاف ، من عيون أمي التي سئمت من الضوء ..من فقّاعة الشمس التي تمنحني ظلّي ..هكذا ببساطة لايكون الشاعر إلا منكم ولا يتحدث إلا عنكم ولا يتخلّق إلا بكم .. ساعات شعره لاتشبهكم لكنها لاتأخذه بعيدًا عنكم ، وأحلامه لاتراوغكم لكنها تحاول أن تكون ما تحبون ... الشاعر ليس زعيمكم ولا خطيبكم ولا واعظكم ولا مرشدكم .. إنه هكذا بينكم يدهس الظلال مثلكم حينما تزدحم الشمس في الشوارع ، ويتكئ على جدرانكم حينما تدفعه ظلاله إليها .. يصدقكم حين يكذب ، ويكذب كي يصدقكم هكذا هكذا غالبا ما يكون حالة من الالتصاق مع الوجود بدعوى البحث فيه عن الحقيقة التي تندغم فيها الذات ، وتمتزج بها الرؤيا ، ويعانقها التذكّر ، فهي تسكن الشمس في الصباح ، والمطر في تردّده ، والكلام في شهقته ، والعصافير في انتفاضة ريشها للغيم ، والمدينة بساكنيها ، والأغنيات بزمنها ، والعطر بعرق التذكّر، والهواتف بنغماتها ، والظلال بمرافقتها ..هكذا ببساطة لايكون كل ذلك إلا وهو في حالة شعر وهي حالة لاتهب نفسها كثيرا له حينما لايكون إلا آخر يشبهكم حيثما لاتشبهونه ويحبكم أكثر مما تحبونه ...إنه ذلك المسكون بالذكرى والمنذور للتاريخ.. نبوءته حنين وبكاؤه شجن ، وغناؤه مسافة بين مامضى وما يكون .. يرتدي ثياب اليوم ويتعطّر بأمسه حينما يهم بالخروج إلى غده هكذا ليس إلا وطن ذاته حيثما يتسع لكم جميعا، وشمس يومه حينما يفترض أن ظلاله غيمة ، وخطوته سفر ، ووقوفه انتظار مالا يُنتظر حتى يعدنا بالمجيء .. وعندها يموت ليخلد فيكم ...