نائمٌ في فراشِ الفجيعةِ.. منذ سعالٍ طويلْ..! من حولِهِ.. تتحلَّق أشياؤه.. بدخان السجائر.. كان يمشِّط أحلامَه.. ويطيلُ بأنفاسِه.. ويسافرُ بين خرائط أيامه.. مثلَ ذنبٍ ثقيل..! في وسادته ندبةٌ.. وعلى جفنه رقصاتُ الدموع التي أغرقتْ نفسها، فتملَّح فيها.. يتابع أخبارَه بالصحافةِ.. يقرأُ..: (كان يحب السماءَ.. يصفِّقُ جمهورُه خلسةً ويطيلُ البكاءَ على نفسه كلما مات في قلبه المستحيلْ..! حينما تشرقُ الشمسُ.. يبصر فيها خشوعَ الكواكبِ.. يغلقُ نافذةَ الأمنياتِ ويغفو قليلاً..! يجادلُ ما يدركُ الآخرون.. يعلِّلُ ما ليس يفهمه الأصدقاءُ.. ويكره أحزانَهم حين يبكونَ.. يهربُ من صمته للكلام النبيل..!) ٭٭٭ حاضرٌ كالحنينْ.. يسوِّفُ ميقاتَه بالنبوءاتِ.. يجمعُ ألوانَ عينيهِ من حفلاتِ الشوارعِ.. يستنشقُ الحزنَ من رئةِ العابرينْ..! مطلقٌ كالسجينْ..! يحملُ الخبز للطيرِ.. تنسج منه العناكبُ بيتَ الغوايةِ.. يغفو قليلاً.. يحاولُ أن يتهجَّى الضحى بانحسارِ الظلالِ ويبحث عن زمنٍ لا يحينْ..! مولعٌ بالنهاياتِ.. ينكَبُّ فوق فتاتِ الحكايا.. ويشعلُ شمعتَه في فم الريحِ.. يترك فوق الحصيرِ ندوباً.. وفوق السريرِ ذنوباً.. وفي شفتيهِ كلامٌ أجَشٌّ حزين..! ٭٭٭ غائبٌ كالضمير.. يموت وحيداً.. يعيد الكلامَ.. هويَّتُهُ كالرمادِ.. مواسمه طلعُها في الهزيعِ الأخيرْ..! كمَمَرٍّ صغيرْ... توسَّطهُ نخلةٌ.. وتحيطُ به طرقاتُ المدينةِ.. يدخله القادمون من الليل.. يحكم إغلاقَه النورُ .. يعبرهُ كل ذنبٍ كبير...! ينام طويلاً.. ويصحو يفكرُ.. يخرج للناسِ: (يا قوم مأواكم الجوع والخوف بئس المصير..! سأوقد ناراً.. سأرسو على البحرِ.. أرْصفُ بعض السحابِ أمدُّ يدي لأصافح شمسًا... وأكتب عن مطرٍ لايؤوب.. وعن شاعرٍ لا يتوبُ وعن وطنٍ من حريرْ..) ٭٭٭ تحسَّس ناراً.. رأى بين غاباتِ نهرِ العيونِ.. نخيلاً كظيماً... رأى عزلةً في السماءِ عن الأرضِ.. حين اهتدى..! إذنْ.. لا هدى..! سيترك من بعده هدنةً للكلام.. وخارطةً للتذكر... متَّسعاً للصدى...! ثم تحمله صفحةٌ لا تواريخَ فيها.. وتعربه جملةٌ لا محلَّ لها.. حيثما تتدخلُ (إنّ).. فترفعُ أخبارَهُ حين تنصبُ من موتِه المبتدا..!