يروى عن سقراط أنه رأى ذات يوم شاباً جميل الطلعة، أنيق الملبس، تبدو عليه ملامح الثقة، وعلامات الهيبة غير أنه بدا صامتاً مطبق الشفتين لا ينبس ببنت شفة، فبادره الفيلسوف اليوناني قائلاً: "تحدث لكي أراك"!، وهو ذاته ما ذهب إليه الكاتب الفرنسي دو بوفون الذي اشتهر بمقولة: "الأسلوب هو الرجل"، والتي شاطره فيها أغلب النقاد والكتاب. استحضرت هاتين العبارتين الشهيرتين وأنا أشاهد واقرأ حديث الحكمين المعتزلين مطرف القحطاني وسعد الكثيري في إطلالاتهما الإعلامية الأخيرة والتي تركزت على الهجوم الشخصي والمباشر باتجاه أستاذهما ورئيسهما في التحكيم، وأعني رئيس لجنة الحكام عمر المهنا، والذي حولاه لخصم لهما، مجوزين لأنفسهما التعدي عليه بأقسى عبارات القذع والتشنيع، دون مراعاة لتاريخه، ولا احترام لمزاملته، بل لم يراعيا الحد الأدنى مما يفرضه التقدير لفترة العمل التي قضياها يتعلمان على يديه، ويعملان تحت قيادته، وأعظم من ذلك فهما لم يتورعا في التعريض بزملائهما من الحكام باتهامات مبطنة تطعن في الأمانة الشخصية، وتنال من شرف المهنة. خروج القحطاني والكثيري بعد اعتزالهما للحديث عن معاناتهما في ظل فترة رئاسة المهنا للجنة حق لا يمكن لكائن من كان مصادرته؛ أو التعدي عليه؛ خصوصاً وهما ينطلقان في أحاديثهما من مظلومية يدّعيان أنها وقعت عليهما؛ لكن ما يؤسف له أن التعبير عن مظلوميتهما افتقد للرصانة في اللغة، وتجاوز الحكمة في الأسلوب، وتجرد من الدليل والبينة في الاتهام، فلم نسمع غير هجوم أجوف، واتهامات عارية، وأيمان مغلظة، ومفردات لا تعبر عن قيمة تربويين يعملان في ميدان التربية والتعليم، وتناط لهما مسؤولية إعداد أجيال المستقبل، فضلاً عن كونهما حكمين أنيطت لهما سلطة القاضي، وإن في ميدان الرياضة. ما أتفهمه أن خروج القحطاني والكثيري في هذا التوقيت تحديداً لم يأتِ اعتباطياً أو عشوائياً، وإنما وفق خطة مدروسة وترتيب مسبق؛ إذ يتزامن مع اقتراب انتخابات ممثلي الحكام في الجمعية العمومية لانتخابات الاتحاد السعودي لكرة القدم، حيث يراد من ذلك التأثير على وضع المهنا في الانتخابات، بيد أن من كتب السيناريو واختار الممثلين رسب في مهمته بامتياز، فالرجلان وخلال مسيرتهما التحكيمية لم يحظيا بثقة الوسط الرياضي على الأقل من جهة قيمتهما التحكيمية، فضلاً عن القلاقل التي ما برحت تطاردهما، ولذلك فلا يمكن أن يترك تعرضهما للمهنا بمثل هذا الهجوم المكشوف الأهداف أدنى أثر عند المتلقي بل حتى عند زملائهم من الحكام؛ سواء من مجايليهم أو من الجيل الصاعد. تبقى مسألة مهمة لا يمكن القفز عليها وهي أن الكثيرين يلمسون الخطوات التصحيحية التي بادر بها المهنا منذ تسلمه رئاسة اللجنة، سواء عبر شفافيته ومكاشفاته الإعلامية، أو من خلال الأسماء الشابة التي منحها الفرصة وأثبتت جدارتها، أو من خلال ما هو أهم من كل ذلك، وهو تحجيم ومن ثم إبعاد من يجمع غالبية الوسط الرياضي على فشلهم خلال مسيرتهم التحكيمية وفي مقدمتهم القحطاني والكثيري، وباتوا ينتظرون مزيداً من مثل هذه القرارات، وعلى هذا الأساس بات لسان حال وسطنا الرياضي يقول رداً على هجوم هذين الحكمين: أمدد رجليك يا عمر!