ليس هناك أجمل من الحجة البالغة والأجوبة الدامغة في مجالس الأدب والسمر حيث قيل: لكل مقام مقال. وفي سياق ذلك أروي هذه المواقف أعجبتني وأريد أن أُشرك القراء ففيها الجواب الشافي وسرعة بديهة وحضور ذهن. لما وُلّيَ يحيى بن أكثم قضاء البصرة استصغر الناس سنَّه، فقال له رجل: كم سنُّ القاضي - أعزه الله -؟ فقال: سنُّ عتاب بن أُسيد حين ولاه رسول صلى الله عليه وسلم قضاء مكة. فجعل جوابه احتجاجاً. ٭ ٭ ٭ قال يزيد بن عروة: لما مات كُثّير لم تتخلف بالمدينة امرأة ولا رجل جنازته وغلب النساء عليها، وجعلن يبكينه ويذكرن عزه في ندبهن له، فقال: أبو جعفر بن علي الباقر: أفرجوا لي عن جنازة كُثّير لأرفعها، فجعلنا ندفع النساء عنها ومحمد بن علي يقول: تنحيّن يا صويحبات يوسف، فانتدبت له امرأة منهن فقالت: يا ابن رسول الله، لقد صدقت، إنا لصويحباته، ولقد كنا له خيراً منكم له، فقال أبو جعفر لبعض مواليه: احتفظ بها حتى تجيئني بها إذا انصرفت. فلما انصرف أُتي بها وكأنها شرَرَةُ النار، فقال لها محمد بن علي: إيه أنت القائلة: انكن ليوسف خيرٌ منا؟ قالت: نعم، تؤمنني غضبك يا ابن رسول الله؟ فقال: أنت آمنة من غضبي فأنبثيني. فقالت: نحن دعوناه إلى اللذات من المطعم والمشرب والتمتع والتنعم، وأنتم معاشر الرجال ألقيمتوه في الجب وبعتموه بأنجس الأثمان، وحبستموه في السجن، فأينا كان عليه أحن، وبه أرأف؟ فقال محمد: لله درّك! لن تُغالب امرأة إلا غَلَبتْ، ثم قال لها: ألك بعلٌ؟ فقالت: لي من الرجال من أنا بعله، فقال أبو جعفر: ما أصدقك!.. مثلك من تملك الرجال ولا يملكها، فلما انصرفت قال رجلٌ من القوم: هذه فلانة بنت معقب. قال الحجاج بن يوسف ليحيى بن سعيد بن العاص: بلغني أنك تشبه إبليس في قبح وجهك، قال: وما ينكر الأمير من أن يكون سيد الأنس يشبه سيد الجن؟ وقال الحجاج لسعيد بن جبير: اختر لنفسك أي قتلة شئت، قال: اختر أنت فإن القصاص أمامك.