كم هو مؤلم حين يتعرض أحدهم للظلم من أخ أو قريب.. حين يفجع بإيذاء مباشر أو ظلم يسيء إليه.. حين تبدأ علامات الفتور في العلاقات.. والنفور عند اللقاءات.. تنتهي بقطع الصلة والهجران.. عندما يصل الظلم إلى الفتنة والخصومة وتأجيج الخلافات وترويج الشائعات بين الاقارب والأرحام.. تكون النهاية في المحاكم وأقسام الشرط. تكتشف بعدئذ أن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند -كما قال طرفة-.. فعندما تسيء إلى قريبك، أو من له صلة رحم بك، وتنتقص منه ولا تمنحه التقدير فهذا ظلم.. وعندما تهجره وتنهي علاقتك به أبداً لأسباب تافهة يستحي العاقل من ذكرها فهو أيضاً ظلم.. كذلك عندما تسعى إلى الخصومة والمعاداة والبحث عن المشكلات وتوترها بين الأقارب فهو ظلم أيضا.. كما أنك حين تتعالى وتستكبر على الأهل والأقارب حتى فى السلام والمجاملة، وتترفع عن مجالستهم وتبخسهم أشياءهم أيضاً هو ظلم.. ومعاملات شتى ألغت كل القيم العائلية والأواصر الاجتماعية بسبب ظلم ذوي القربى وجورهم. عداوة وكراهية وعلى الرغم من تعدد المفاهيم والمبادئ السامية التي ينادي بها الأقارب، نجد أن الكثير من ذوي الأرحام قد أصيبوا فى أخلاقهم وتعاملاتهم؛ فاشتعلت في قلوبهم نيران العداوة والكراهية لأهلهم، بدلاً من أن تسكنها أواصر المودة والرحمة؛ فيكثر العتاب وتزداد المحاسبة، ويرتفع سقف المشاحنات وتتعدد صور الظلم، فلا يُكتفى بالقطيعة والإيذاء النفسي، إنما قد يصل الظلم إلى الاعتداء والغدر وتمنّي السوء لهم، وكل هذا له تأثير على الأبناء وصغار السن في الأسر نحو صياغة علاقة ذوي القربى ببعضهم البعض. وكما يبدأ الإنسان حياته في أحضان أسرته ورعايتها ويرتبط معها بروابط عديدة ومواقف وذكريات جميلة، إلا أن العداوة التي تنشأ بينه وبين أقاربه تكون أشد وطأة وحسرة من عداوة الغريب، فأقاربه هم مصدر قوته، ومنيع عزته وكرامته.. هم سنده عند الشدائد.. وحصنه الذي يلجأ إليه عند الفزع -بعد الله-.. هم الذين يقفون معه وخلفه في المهمات ويؤازرونه ويناصرونه ويدفعون عنه السوء.. يعتز بقوتهم وكثرتهم، وتجمعه بهم أواصر القربى وتربطه بهم صلات الدم والرحم، فكما أنهم مصدر قوة ومنعة وخير وبركة في علاقتهم وولائهم لأقاربهم.. كذلك قد يكونون سبباً للضعف والذلة، وباباً مفتوحا للشر والضرر، ومصدراً للإزعاج وعدم الطمأنينة إن تغيرت نفوسهم واضطربت صلاتهم ببعض؛ فالظلم بين الأقارب من أسوأ أنواع الظلم لما يترك في النفس من عظيم الألم، وما يخلفه من قطع الرحم وتفكيك الأسرة وتشتيت الشمل. وسائل التواصل الاجتماعي مفيدة في تقريب أواصر القربى ترميم العلاقات أعد النظر إلى وضعك العائلي، وما آلت إليه حالتك الأخيرة من فتور وبغض وكراهية ومشاعر سلبية يتبادلها مجتمعك القريب.. إنك لن نجد فرصة أروع من شهر "رمضان" تجدد بها صياغة تعاملاتك الأسرية، وترمم العلاقات مع ذوي القربى وتعيدها كما كانت بل وأحسن.. إنها فرصة عظيمة لإعادة رسم العلاقات وتفعيلها وتوثيقها بين الأقارب، والإحسان إليهم من خلال تهنئتهم بقدوم رمضان ودوام السؤال عنهم ودعوتهم للإفطار وحسن استقبالهم وإكرام ضيافتهم، إلى جانب الاستجابة لدعواتهم وتقديم هدايا مناسبة لهم مرتبطة بشهر رمضان، إضافة إلى الحرص على عونهم ومساندتهم إذا كانوا في حاجة لذلك. سمو النفوس في شهر "رمضان" تسمو النفوس وتصفو وترتقي، وهذا الصفاء يمنح الإنسان قدرة أفضل على التواصل الجيد مع الأقارب، ويساعده على العفو عن زلاتهم بل ويجعله أكثر قدرة على رؤية جوانب الخير في الناس من حوله، فهو شهر خير يأتينا براحة نفسية وطمأنينة وسكينة، وهو أجمل فرصة يجب أن نغتنمها للجلسات الأسرية والعائلية وتبادل أطراف الحديث، على مائدة إفطار وسحور.. يترافقون إلى المسجد لأداء صلاة التراويح، أو الذهاب معاً إلى مكان جميل لقضاء السهرة، فحتماً ستكون هناك فرصاً للتغيير والتجديد وخلق الروح الحميمية وتوطيد العلاقات. تدريب ذاتي إن "رمضان" هو بمثابة تدريب وترويض للنفس، وفرصة سانحة لتغيير الوضع العائلي الذي يعيشه البعض من قطيعة وسوء خلق، إلى جانب تكثيف صلة الرحم، ومكارم الأخلاق والمحافظة على حبل الترابط بين الأقارب، ومقابلة الإساءة بالإحسان والتواضع لهم ولين الجانب، وتحمل العتاب منهم، والترفع عن اختلاق المشاكل، والتغاضي عن سفاسف الأمور. ولأن أجواء "رمضان" كلها صفح وغفران، حيث تكون لدينا القابلية والاستعداد أن نغفر لبعضنا الأخطاء، وننهي أي خلاف عائلي أو جور أو تظلم بدر منهم، يستوجب فتح صفحة جديدة نطلب فيها مسامحة بعضنا البعض عن الأخطاء العمد والسهو.. إلى جانب تهنئتهم في المناسبات ومشاركتهم أفراحهم، والدعاء لهم بتحقيق ما يتمنون من الأمنيات الجميلة التي تسعد قلوبهم وتدفعنا إلى الحياة الفاضلة معهم.