من الظواهر الإيجابية التي شهدها المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة، العودة إلى الاجتماعات الأُسرية، وتقوية الروابط والتواصل بين أفراد الأسرة، على الرغم من كثرة أعدادها وتباعد المسافات فيما بينها، بيْد أنه مع هذا التوجُّه الإيجابي، والسنّة الحميدة لمعظم الأُسر نحو التواصل، والاجتماعات المتتابعة، وتفقد بعضهم لأحوال بعض، وعلاج، وحل ما يحدث لأيٍّ من أفرادها من مشكلات ونحوها، إلاّ أننا نلحظ أنّ هناك بعض من أفراد الأُسر لا يهتم بحضور هذه الاجتماعات، بل في أحيان أخرى يحاول التقليل من شأنها، وأهميتها، ويفت في عضد أعضائها تجاه هذا التواصل الذي حث عليه ديننا الحنيف في القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة، عدد من أصحاب الفضيلة والرأي تحدثوا عن أهمية هذه الاجتماعات الأُسرية، وأثرها في جميع أفراد الأُسرة، والسبل الكفيلة للوصول بها إلى أعلى درجات التواصل الاجتماعي. أعظم العبادات في البداية يؤكد معالي الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد المطلق المستشار بالديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء على أهمية اجتماع الأُسر في بينها، والتواصل بين كبيرها وصغيرها، من خلال الاجتماعات المتتابعة، فمثل هذه الاجتماعات تقوي الروابط، وتصل الرحم، وتحقق المودّة والمحبة، وتجمع القلوب كما جمعت الأبدان، قال - عليه الصلاة والسلام - صلى الله عليه وسلم (خيركم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم). فإذا رأيت الإنسان يهتم بأُسرته وبقبيلته ويحب اجتماعهم، فهذا دليل على أنّ هذا الإنسان يحب صلة الرحم ويحب اجتماع الكلمة ويفخر في بروز جماعته، لأنّ كثيراً من الناس أبتلي بالحسد أشدّ ما عليه أن يبرز أحد من جماعته، وأبغض ما عليه أن يتفوّق أحد من جماعته، يحب البروز بعيداً، لكن في جماعته ما يحب البروز، وهذا حسد. وواصل د. المطلق قائلاً: إنّ صلة الرحم من أعظم العبادات وقطيعة الرحم من أعظم الكبائر ملعونٌ من فعل قطيعة الرحم في القرآن بثلاث آيات لم يأت بالقرآن لعن الجرائم كثيراً، نعرف جريمة الزنا واللواط والغش في المبايعات لم نر فيها لعناً، لكن قطيعة الرحم موجود اللعن فيها بالقرآن في مواضع كثيرة، منها قول الله سبحانه وتعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}. لكن الذين يصلون أرحامهم ويحبّون التزاور ويحبون صفاء القلوب ويواسي بعضهم بعضاً اسمع ما يقول عنهم صلى الله عليه وسلم: (ثلاثُ يعمرن الديار ويطلن الأعمار: حسن الخلق وحسن الجوار وصلة الأرحام، وثلاثٌ يقصرن الأعمار ويخربن الديار سوء الخلق وسوء الجوار وقطيعة الأرحام)، واصفاً اجتماع الأُسر بأنه مظهر من مظاهر صلة الرحم والمحبة وصفاء القلوب، وقال: هنيئاً للجميع بهذا الالتفاف والتواصل، فإذا تكاتفت الأُسر، وتعاون كبراؤها، وشجعوا أبناءهم ليحلّوا محلهم ويتفقوا عليهم ويفرحون إذا برز أبناؤهم نتيجة اجتماع الأُسرة وتفرد للمنافسة على معالي الأمور ويفرحون ببروز أبنائهم، وبعض الأُسر الآن لا نجدها قدمت شيئاً ولا فكرت في الطموح ولا شجعت الطامحين بل بعض الأسر نسأل الله العافية والسلامة الذين لم يحرصوا على تربية أبنائهم تجد 20% من أبنائهم سقطوا بالمخدّرات وأصبحوا يسحبون إخوانهم وجيرانهم، والإنسان في الغالب إذا ضاع لا يضيع وحده يُضيعُ معه من جماعته، فإذا حرصت الأسر على بروز أبنائها وتفوّقها، وبذلت من خلال هذه الاجتماعات العمل الكبير، والجهد المتواصل، أبعدت أولادها من التفكير المتقاعس، ووصلت بهم إلى قمم المعالي، مشيراً إلى أن التقوى سبب من أسباب النجاح {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}، {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}، داعياً أرباب الأسر، وكبراءها إلى بذل الأسباب التي من الله، وعمل الأسباب من ذاتهم بالجهد والاستعانة بالله تعالى، وسائلاً الله تعالى أن يديم على الجميع نعمة الإسلام، والاجتماع على الحق والهدى. وصلة الرحم. فساد في الأرض ويستهل الشيخ سامي بن إبراهيم العُمري القاضي السابق بوزارة العدل حديثه بقوله: إن قطيعة الرحم فساد في الأرض، مستشهداً بقول الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، ومما يجب التنبيه عليه ما حبانا الله وأنعم علينا كمسلمين من عبادة الاجتماع الأُسرى بنطاقيه الضيق المحدود والواسع، فإنه من توفيق الله للعبد المسلم أن يهيأ له سبيل الموصل والرحم، وذلك بحضور أي اجتماع أسرى يدعى إليه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فهو في ذمة الله وطاب إلى ذلك ممشاه، فلقد تهيأت فرصة موصلة لرضى الله والدار الآخرة في الاجتماع والتواصل، فلا تفوّتها يا عبد الله. ويضيف قائلاً: إنّ الحرص على الاجتماع الأسرى عبادة إن أريد بها وجه الله، فكم من ابتسامة أطلقتها في وجه أخيك المسلم فلك أجرها مرتين لمسلم ولأنه من ذوي القربى، وكم من يد صافحتها، والمسلمان إذا التقيا وسلّما وتصافحا تساقطت ذنوبهما، فكان لك بذلك الأجر مرتين لمصافحة مسلم ولأنه من ذوي القربى ألا نريد الإيمان ودخول الجنة بسلام هو كذلك بالسلام في اجتماعك الأسرى، ولقد وجدت الحرص على حضور الاجتماعات العائلية فرصة عظيمة لا تتكرر لإزالة الشحناء والبغضاء والحسد والكراهية، جرّبها يا عبد الله إذا كانت بينك وبين قريبك وقيعة من شيطان وضاقت الأنفس، وكانت له مناسبة فرح من وليمة أزواج أو تجدد نعمة، فبادره بالحضور أو الاتصال قال تعالى: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. وانتهى إلى القول: لقد فاز بذلك من حضروا وربى أبناءه الذين قد وصّاه الله بصدق تربيتهم، ولقد وجدت ذلك في واقعنا فإن المسلم الذي كانت له انتصارات وسباق خير في مضمار الوصل والاجتماع الأسرى، وكان لوالده ووالدته خير سابق وجهد مشكور في تربيته على ذلك، ولقد وجدت من رفع يديه عن تربية أولاده وصحتهم على استغلال الاجتماع بالتواصل هم المتخاذلون في ذلك، فتجد فيهم وحشة من أقاربهم وما ذاك إلاّ بالتفريط في هذا الأمر العظيم. تلاحم وترابط وفي ذات الشأن، يوضح الشيخ الداعية عايض بن محمد العصيمي أنّ من قطع رحمه قطع ما بينه وبين الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته ) رواه البخاري [شجنة: قرابة مشتبكة كاشتباك العروق]، وقاطع الرحم لا يدخل جنة ربه، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) رواه أبو داود وصححه الألباني، وفي الحديث: (الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله) رواه البخاري. وجاء أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: (.. وصلة الرحم تزيد في العمر) رواه الطبراني، ويقصد بالرحم: القرابة، وذوو الرحم هم الأقارب، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نَسب، ويُطْلق فالفَرائِض على الأقارب من جهة النِّساء، وَهُن من لا يَحلُّ نِكاحُهن كالأمّ والبنت والأخت والعمّة والخالة، ثم هل تعلم أخي المبارك.. ما أجر وثواب من وصل رحمه، إليك هذا الحديث النبوي الشريف قوله عليه الصلاة والسلام: (من سرّه أن يبسط الله له في الرزق وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه). ومضى قائلاً: صلة الرحم بكلمة طيبة باتصال برسالة بحضور مناسبة بمشاركة مريض ومؤاساته، أو مشاركة فرح وسرور لهم، وقطع الرحم سبب للعنة الله وعذابه قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}، تتعجّب من بعض الأشخاص.. اجتماعي بطبعه إلاّ مع أرحامه وأقاربه، يزور هذا وذاك ويقوم بواجب فلان وفلان ولا يقوم بواجب أقاربه ووصلهم، وفي زماننا هذا الذي توفرت فيه سرعة المواصلات والإلكترونيات والمخترعات قلّت صلة الرحم والتواصل الاجتماعي والترابط والتلاحم في كثير من الأسر داخل مجتمعنا، لكن ولله الحمد ما زالت كثير من الأسر والعوائل تعيش روح الترابط والتلاحم والتماسك فيما بينهم ويتواصون بالخير والجمعة والألفة كاجتماع بعضهم كل جمعة بعد صلاة الجمعة.. أو اجتماعهم كل مغرب أسبوعاً بوقت محدد.. أو شهرياً.. أو سنوياً، يحرص الكبار حضور على مثل هذه اللقاءات العائلية قبل الصغار ويحثون فيها الأبناء بالحضور وهذا أمر طيب ومفرح للنفس. وأشار الشيخ العصيمي إلى أنه في الاجتماعات الأسرية يجتمع الكبير والصغير يكون فيها التواسي وتفقد أحوال المريض، والفقير، والمحتاج، وفيها للشباب صقل للمواهب وحسن الجلوس والصمت والكلام وهذه عبارة عن دورات تدريبية لأبنائنا وهم صغار وحتى يكبروا يسمعوا بأخبار الآباء والأجداد ويعرف العادات والتقاليد والأعراف المعتبرة شرعاً، وفيها يتعلم وينمي رجولته بحسن الأدب وحسن الكلام وعدم مقاطعة الآخرين وحسن الجلوس وهذه لا تعطى وتؤخذ في كتاب معين أو في معهد أو مدرسة معينة.. لا.. بل تعرف وتكتسب في حضور مجالس الرجال فقط. واسترسل يقول: سررت لبعض الأسر لها مع شبابها ورجالها تواصل بقوة يوجد لها جوال التواصل فيما بينهم ونقل أخبارهم ونشرها ولهم اجتماعات أسرية متواصلة أسبوعية شهرية سنوية لها اهتمام وتكريم للمتفوقين والمتميزين والحفظة للقرآن الكريم والموهوبين ولبعض الأسر مجلة ورقية دورية يشارك فيها الجميع وبعضهم لهم مواقع إلكترونية للتواصل، كل هذا وغيره مفرح وسار ينبغي للجميع الأخذ بمثل هذا. تواصل اجتماعي ويؤكد الشيخ ابراهيم بن ناصر المدلج على أن الاجتماعات الدورية الأسرية تقوي التواصل والترابط الاجتماعي، في هذا الزمن الذي تباعدت فيه المساكن وتزاحمت فيه الأشغال وضاقت فيه الأوقات، وأن الأسر السعودية تتميز بالحرص على التواصل والاجتماع، وذلك للقيم التربوية المتأصلة في نسيجها الاجتماعي منذ القدم، والاحترام العظيم لرابطة النسب والقربى، بالإضافة إلى القيمة الدينية لصلة الرحم التي تأخذ نصيبًا طيبًا في الخطاب الديني التربوي، وهذا التواصل الأسري يشكل لبنة أساسية في الترابط داخل المجتمع ككل بصفته الأسرة الكبرى لكل أفراده. وهذا الترابط والتواصل الاجتماعي لأبناء الأسر يوفر لهم الكثير من المصالح، ويدرأ عنهم عددًا من المفاسد، مما يجعل الحرص على تحسينه وتقويته أمرًا مهمًا وحيويًا. وفي ذات السياق، عرض المدلج بعضاً من تجربة أسرته في الاجتماعات والتواصل، وقال: إنّ أوضح وجوه التواصل وأبسطها هو التواصل المباشر في اللقاءات الاجتماعية بسبب المناسبات المختلفة، كمناسبات الزواج، والعقيقة، ونزول المنزل، والنجاح والشفاء، والعزاء، وفي كل مناسبة من هذه المناسبات يدعى جميع أفراد الأسرة، ومن أهم وجوه التواصل وتقوية الروابط إقامة الاجتماع الثابت الدوري، تقيم الأسرة مخيماً سنوياً كل عام في إجازة الربيع الدراسية. يقضي فيه أفراد الأسرة رجالاً ونساءً ذلك الأسبوع كاملاً في لقاءات يومية مليئة بالفعاليات والبرامج والمسامرات والألعاب والمسابقات وتقديم الجوائز، ويشمل على محطة تلفاز مغلقة وتقام خلاله فنون شعبية متنوعة وتوزع فيه المسؤوليات على الشباب والشابات. وهي جرعة تواصلية مكثفة تترك أثرها الإيجابي على جميع الحضور، وتبرز فيها المواهب المختلفة في جو مليء بالمودة والبر. فهو أسبوع مخصص للأهل والأقارب في ربوع بلدتهم حرمة، بعيدًا عن صخب المدينة وضجيج علاقاتها المختلفة. وهذا المخيم يتطور حسب تطور الحياة والإمكانات حتى أصبح يمثل مدينة مصغرة تحوي على ما يخدم ساكنيها من وسائل وأجهزة ومنافع.. وقد استفادت الأسرة من وسائل الاتصال الحديثة، وذلك من خلال خدمة رسائل الجوال للمجموعات، بحيث تصل إلى جميع أفرادها رسائل محملة بجديد الأخبار والتذكير بمواعيد المناسبات المختلفة. وختم بالقول إن هذه البرامج والمناشط تحقق التواصل الاجتماعي المتين بين الأقارب، لما في ذلك من الأجر العظيم والبركة، ولما لذلك من آثار طيبة حاضرة ومستقبلية لجميع أفراد الأسرة.