نحن الآن في بدايات شهر مبارك فضله الله على سائر شهور السنة، شهر الصوم والصلاة، وصلة الأرحام، والصدقة، وقيام الليل، وهو فرصة سانحة للتسامح مع النفس أولا، ومع الآخرين ثانيا، ورابعا، وخامسا...وأخيرا. إنّ هذا الشهر يعدّ فرصة مواتية للمبادرة إلى فضيلة التسامح طاعة لله تعالى الذي قال في محكم التنزيل: «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين». وقال سبحانه: «ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور». وفيه إتباع لقدوتنا محمد عليه الصلاة والسلام، الذي عفا عن كفار قريش بعد فتح مكة قائلا لهم: «إذهبوا فأنتم الطلقاء». ونهى أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث ليال؛ فما بالنا نهجر بعضنا بعضا أشهر وسنوات! وهو من شيم الأنبياء، وسمات الفضلاء، لأنه خلق رفيع، وسمو للنفس، ودلالة على القوة والثقة، لا على الضعف كما قد يفسره بعض ضعاف النفوس. وفي شهر رمضان، وألزم من بقية شهور العام،فإنّ الجميع بحاجة إلى تدريب النفس على التسامح، ونبذ الكراهية،وإنهاء كل أشكال المقاطعة، والتي أخذت في الانتشار بين الأهل والأقارب، بعد أن كانت مقصورة على الأصدقاء. وعندما نسامح فنحن نقبل بالقضاء والقدر، وبأنّ الآخرين بشر مثلنا يخطئون ويصيبون، ونلتمس لهم سبعين عذرا، وندرك جيدا بأننا لسنا بحاجة إلى استمرار القطيعة،ولا الإحساس بأننا ضحايا لقسوة الآخرين، وسوء تعاملهم معنا، وأن نصل إلى قناعة بأنّ الانتقام منهم لن يشفي أرواحنا المجروحة،ومن الأجدر أن نساعد أنفسنا للمضي قدما في حياتنا بدلا من التوقف في محطات التجارب والذكريات المؤلمة والحزينة. وجمعينا نقرأ ونسمع كلاما جميلا في التسامح والاعتذار؛ لكنّ الأجمل المبادرة إلى ذلك، وبدون أن تعيقنا تساؤلات مثل: لماذا وكيف ومتى نعتذر؟ من يعتذر أولا، الكبير أم الصغير؟ الآباء أم الأبناء؟ الرئيس أم المرؤوس؟ المخطئ أم المصيب؟ الزوج أم الزوجة؟ وكلها أسئلة تجعل الكثيرين يترددون في المبادرة إلى الصفح والتسامح، ونبذ الكراهية والبغضاء. ومن المؤكد أنّ هذا التردد سيقطع مزيدا من الروابط العائلية والاجتماعية، التي نحن بأمس الحاجة لتوثيقها وتقوية أواصرها. وفي هذا الإطار،تبنى البروفيسور ك. هارت K.Hart) أستاذ علم النفس بجامعة ليدز البريطانية University of Leeds تنفيذ برامج تدريبية بالجامعة، بهدف تعليم التسامح، ونبذ الكراهية، وقد أدهشه شدة الإقبال على هذه البرامج، وهو شيء لافت للانتباه، خاصة أنّ ثقافة التسامح، وحسن التعامل يتعلمها الطلبة الإنجليز في المدارس منذ نعومة أظفارهم. إنّ الخلق الكريم يحتم ألا نحبط حين لا نجد لمبادراتنا المتعددة صدى لدى الآخرين، ممن لا يرغبون في التسامح أصلا! إذ يكفي أننا تغلبنا على أنفسنا، وعملنا جاهدين للتسامح والتواصل معهم. * جامعة الملك سعود كلية التربية [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 272 مسافة ثم الرسالة.