قبل أيام أعلنت وكالات الأنباء، نقلا عن مصادرها، أن أسامة بن لادن حي يرزق، وأنه ليس موجوداً في أفغانستان وهي التقارير الإخبارية التي تزداد معها حيرة جماهير المراقبين يوما بعد آخر، وتؤكد الحالة الشبحية التي ارتبطت بشخص أسامة بن لادن وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث تحول أسامة بن لادن إلى «شبح».. موجود، وليس موجوداً، تذيع قناة الجزيرة، شريطا مسجلا يظهره وهو يوجه خطبه أو رسائله للجماهير أو للعالم، وتفشل الولاياتالمتحدة بكل عتادها وإمكاناتها وإمكانات جهاز مخابراتها الأشهر «سي آي إيه» (CIA) في تعقبه. ومن هنا جاءت تسمية الصحفي الأمريكي ستيف كول لكتابه «حروب الشبح» موضحا إياه بعنوان فرعي طويل نسبيا هو «التاريخ السري للسي آي إيه» أفغانستان وأسامة بن لادن من الغزو السوفياتي إلى يوم 10 سبتمبر 2001». وهو ما يعني أن الكتاب يوضح ويتتبع قصة صعود ابن لادن وتحوله إلى ما يشبه الأسطورة.. موضحا كيف أن الجهاز الذي كان له الدور الأكبر في إطلاق هذه الأسطورة هو نفسه يفشل في السيطرة على الأسطورة لأن الشخص المعني تحول إلى شبح. وقد أثار هذا الكتاب ضجة واسعة فور صدوره قبل شهور قليلة في الولاياتالمتحدة، مما جعله يحصل على جائزة «بوليتزر» الشهيرة هذا العام. لكن المؤلف ستيف كول لم يكن بعيدا عن أجواء هذه الجوائز فقد سبق له أن حاز على جائزة بوليتزر للصحافة عام 1990، وهو صاحب خبرة كبيرة في هذا المجال إذ رنه يتولى منصب مدير تحرير صحيفة «الواشنطن بوست» منذ عام 1998، وكان مسؤولا عن مكتب الصحيفة في جنوب آسيا بين عامي 1989 و1992 وله عدة مؤلفات في شؤون آسيا والشرق الأدنى. وقبل أن يبدأ ستيف كول أول فصول هذا الكتاب الذي يرصد فيه بدء الغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1979 ودور المخابرات المركزية الأمريكية في دعمها لقوات المقاومة الأفغانية وظهور أسامة بن لادن لاحقا في الصورة، فإنه يتوقف أولا عند تاريخ يراه محوريا على مستوى المتغيرات العالمية المفزعة التي يشهدها العالم الآن، والتي تحول معها الإرهاب إلى ظاهرة عالمية تسببت خطورته في إقلاق الولاياتالمتحدة، فنقلت توترها إلى أرجاء منطقة الشرق الأوسط والعالم. هذا التاريخ هو عام 1996؛ ففي ذلك الوقت شعرت الولاياتالمتحدة أن دورها في أفغانستان انتهى، أو على الأقل لم يعد ملحا كما كان الأمر في السابق، وهو ما تجلى حتى على مستوى إغلاق مكتبها التابع للسي آي إيه في أفغانستان، والاكتفاء بمكاتبها في باكستان. وبالتالي قررت إيقاف الدعم الذي كانت تقدمه لأحمد مسعود شاه أحد رموز المقاومة ضد السوفيات وانتصار الأفغان عليهم. وفي نفس العام كان أسامة بن لادن قد قرر ترك الخرطوم مضطرا بعد أن أعلنت عدة دول عن تضررها من الدعم الذي يقدمه بن لادن للإرهابيين، وهو ما أدى إلى تضييق الخناق عليه في الخرطوم، التي كانت آخر ملاذ محتمل بالنسبة له، قبل أن يقرر الذهاب إلى أفغانستان، وأن يمد بالتمويل قوات طالبان التي بدأت حركة تمرد على مسعود شاه، في نفس الوقت الذي تخلت أمريكا عنه لأنها بدأت في الالتفات لملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها آنذاك وتتعلق - ويا للمفارقة - بالإرهاب. وهكذا أخليت الساحة تماماً لمن يطلق عليه المؤلف اسم «الشبح» لتدبير أكبر حادث إرهابي عالمي من نوعه وتأسيس القواعد التنظيمية لتنظيم القاعدة الذي نسبت له هذه الأعمال وغيرها. ويوضح مؤلف الكتاب أن السفارة الأمريكية في كابول كانت قد أغلقت لأسباب أمنية منذ يناير عام 1989 وبالتالي لم تكن هناك قاعدة لجهاز المخابرات الأمريكية في كابول آنذاك لجمع المعلومات عن طالبان والقوى الجديدة المتولدة في تلك المنطقة آنذاك. أما أقرب قواعد «السي آي إيه» فكانت تستقر في إسلام أباد لكنها لم تكن تضع أفغانستان في حسابات أولوياتها في تلك الفترة. وكانت كافية لقائد من قياداتها وهو «جاري شروين» لكي يمد عملاءه بالتمويل اللازم وبوسائل الاتصال وتنظيم تحركاتهم وتحليل التقارير الواردة منهم. أما العملاء الذين استعانت بهم إدارة جهاز ال (CIA) في أفغانستان آنذاك فكانت مهامهم تتعلق بشخص يدعى «مير آمال كاسي» وهو شاب باكستاني كان قد فتح النار على مجموعة من ضباط المخابرات الأمريكية في عام 1993 وقتل منهم اثنين وجرح ثلاثة، ثم هرب إلى باكستان. وبحلول عام 1996 كانت المعلومات تشير إلى تنقله بين أفغانستان ومناطق أخرى يتحرك ببعض اللاجئين إلى مناطق ليس من السهل على رجال الشرطة الأمريكية أو عملائها أن يصلوا إليها. ويشير المؤلف إلى أن العملاء من ضباط جهاز المخابرات الأمريكية الذين عملوا في أفغانستان على قضية «كاسي» لم يلتفتوا إلى أعمال العنف، والصراع الذي بدأه أنصار طالبان ضد مسعود شاه، وهو ما يعني تأخر وصول المعلومات اللازمة إلى جهاز المخابرات الأمريكي حول طالبان حتى عام 1996 وبعد هذه المقدمة التي يوضح فيها المؤلف ظروف هذا التاريخ المفصلي في علاقة جهاز المخابرات الأمريكية بقضية بن لادن فإنه يبدأ بالعودة إلى أول فصول هذه القصة والتي تعود جذورها إلى عام 1979 وبالتحديد في شهر نوفمبر. ويصف بدء الأحداث الساخنة قائلا: «كان ذلك حادث شغب صغيراً في عام اتسم بالهياج، وبزئير الرعد الذي كان يعلو تدريجيا في السماء». فعندما قام هؤلاء الغوغاء أو الثوار بعملية الاقتحام كان ويليام بوتشر، وهو رجل في الثانية والثلاثين من عمره، يعمل كمراجع في الحكومة الأمريكية، يتناول غداءه وكان قد قرر أن يتناول وجبة الغداء في النادي على مقربة من حمام السباحة الذي يقع ضمن مساحة الاثنين وثلاثين فدانا المخصصة لمجمع السفارة الأمريكية في إسلام أباد بباكستان. كانت السفارة تضم آنذاك 150 شخصا ما بين دبلوماسيين وعملاء لجهاز المخابرات، وموظفي جهات الإعانة، ومتخصصي الاتصالات والإداريين وعدد من جنود «المارينز». لكن الثوار الغاضبين كانوا يهتفون عاليا يسبون الرئيس الأمريكي - آنذاك - جيمي كارتر ويطالبون بقتل الأمريكيين. وعندما اقتحموا المكان ألقى أحدهم الحجارة بوجه «بوتشر» وضربه آخر بماسورة على رأسه وسرقوا حافظة نقوده وسحبوه إلى سيارة واصطحبوه على بعد ثلاثة أميال إلى مبنى ملحق بإحدى الجامعات. وهناك كان قائد مجموعة من الطلبة ذوي التوجه الإسلامي يعلن للحضور أن بوتشر سوف يحاكم على جرائمه ضد «الحركة الإسلامية» أما بوتشر فكان يعتقد أنه يواجه بالعنف وكأنه يحاكم على كونه أمريكياً . كان ذلك في يوم الحادي والعشرين من نوفمبر عام 1979 وفي نفس ذلك التوقيت كان مجموعة من الطلبة الإسلاميين الإيرانيين الراديكاليين قد احتجزوا 49 شخصاً أمريكيا في مقر السفارة الأمريكية بطهران، وشارك في الاحتجاز أتباع الحركة الثورية الإسلامية الذين أكدوا أن أي محاولة لإنقاذ الرهائن سيكون الرد عليها بتفجير الطلبة لأنفسهم في مقر السفارة. وفي مكة، في المملكة العربية السعودية، كانت الأمور أشد توتراً فقد كان الحرس السعودي يحيط بأرجاء المسجد الحرام ويحاصر شخصاً يدعي أنه المهدي المنتظر، قام اتباعه بإطلاق النار عشوائيا على المصلين. وقريبا من واشنطن كان الرئيس الأمريكي جيمي كارتر يستعد للاحتفال بعيد الفصح في منتجع «كامب ديفيد».. قبل أن يبدأ خلال هذه الليلة في تحمل مسؤولية قتل أحد الرعايا الأمريكيين لأول مرة خلال ولايته. أما داخل وحدة المخابرات الأمريكية التي تحتل الطابق الثالث في مبنى السفارة الأمريكية بإسلام أباد فقد كان هناك شخصان هما بوب لازارد وهو نائب رئيس المحطة الاستخباراتية وضابط صغير يدعى جاري شروين يتفحصان ما احترق من أجزاء المكان، وشرعا في حرق مجموعة من الوثائق، فلأجل مثل هذه الأحداث كانت الغرفة مجهزة بجهاز اشتعال مخصص لمثل هذه الوقائع بحيث يستطيع رجال الإدارة إحراق وتدمير أية أوراق تخص عملياتهم المخابراتية حرصا على سريتها. كان كل من لازارد وشروين محنكان يجيدان اللغة الفارسية التي تعلماها من خلال خدمتهما في إيران في فترة السبعينات. كان شروين قد نشأ في شرق سانت لويس لأب يعمل في مجال الكهرباء، وكان هو أول أعضاء عائلته ممن استطاعوا أن يستكملوا تعليمهم، والتحق بالجيش الأمريكي حتى عام 1959 وبعد خروجه كان يبرر لأصدقائه أنه لديه مشكلات في تقبل السلطة.. بمعنى أنه كان ينفر من السلطة المباشرة وهكذا ظل يتنقل من مهنة لأخرى حتى التحق أخيرا في عام 1969 بوكالة المخابرات. فقد كانت الوكالة ممتلئة بموظفين من أمثاله من الرافضين لاحتمال السلطة المباشرة. وكنائب لرئيس جهاز الاستخبارات في إسلام أباد كان ليزارد يرأس شروين وظيفياً، لكنهما كانا يتعاملان معا كزميلين. كان لازارد شخصاً فارع الطول، وسيما، تم نقله من كابول إلى إسلام أباد بعد عملية تخص عميل سوفياتي تم تجنيده لصالح المخابرات الأمريكية لكنه في الواقع كان يعمل كعميل مزدوج وتم الضغط على لازارد آنذاك لنقله من أفغانستان وانتقل إلى إسلام أباد أملا في أن يعيد بناء طموحه المهني رغم أن أزمة أفغانستان لم يكن هو الذي يتحمل مسؤوليتها. وهكذا وجد كل منهما في الآخر شخصا يمكن أن يثق به وأن يصبحا صديقين. فالحياة تحت التخفي أو بشخصيات غير حقيقية تدفع ضباط المخابرات الأمريكية - كما يوضح المؤلف - إلى نوع من علاقات الصداقة التي تجمعهم بعضهم البعض. فهذه هي العلاقات الآمنة الوحيدة الممكنة للأشخاص الذين يعيشون في مجتمع سري، يتاح لهم فيها التخلي عن الكثير من القيود الضرورية للسرية. وحينما يتاح للضباط أن يتحدثوا نفس اللغة الأجنبية، وأن يخدموا في نفس الإدارة مثلما كان شأن كل من لازارد وشروين فإن العلاقة الوثيقة بينهما تزداد بشكل استثنائي . فللحفاظ على لياقتهما البدنية كانا يمارسان الركض يوميا في نفس المنطقة المحيطة بالسفارة في إسلام أباد. وفي داخل السفارة كانا يعملان في نفس المكتب، ومن خلال مشاهدتهما للتليفزيون وقراءة بعض البرقيات تنامى إلى علمهما ما تردد من شائعات حول احتمالات تعرض السفارة الأمريكية في إيران لهجوم. كما سمعا ما تردد لاحقا عن هجوم مشابه على السفارة الأمريكية في إسلام أباد. وفي صباح يوم الأربعاء، ذاك، قاما بجولة واسعة في ربوع العاصمة الباكستانية للتحقق من أية شواهد تؤكد صحة ما تردد عن ذلك الهجوم الوشيك، لكنهما لم يريا شيئا يؤكد صحة مثل تلك المعلومات. والآن، وفجأة، كان الشغب الباكستاني قد بدأ بالفعل عبر جدران السفارة. كان رئيس فرع المخابرات الأمريكية في باكستان جون ريجان، قد غادر إلى منزله لتناول الغداء، كما فعل السفير الأمريكي في باكستان آنذاك «آرثر هامل» وبالتالي فقد فاتتهما الأحداث داخل جدران السفارة، لكن سرعان ما بدأ العون من جانب السفارة الإنجليزية القريبة من مبنى السفارة الأمريكية. ومن النافذة، كان كل من «شروين» و»لازارد» يرقبان ما يجري في الخارج، كان مئات من الثائرين يقفون على أسطح الحافلات التي تقترب من مدخل السفارة ثم يلقون بالحبال ويثبتونها في السور ويلقون بأنفسهم إلى داخل السفارة. والبعض بدأ بإطلاق النار على البوابة لكسر أقفالها.. ولم يكن هناك سوى ستة من الحراس المارينز الذين بدأوا يردون على إطلاق النار ولكنهم سرعان ما استهلكوا قواهم أمام حشود الثوار. ويوضح المؤلف أن الغالبية العظمى من هؤلاء الثوار كانوا من طلبة الجامعة ذوي التوجه الإسلامي الذين تزايدت أعدادهم على امتداد السبعينيات داخل أسوار الجامعات الباكستانية والذين اعتمدوا على أفكار المودودي، وانضموا إلى الحزب الذي عرف لاحقا باسم حزب الجماعة. وفي الجامعة كان اتحاد الطلبة كله من أنصار الحزب. وكان أعضاء الجماعة من اتحاد الطلبة يدينون بالولاء للدكتاتور الباكستاني الجديد محمد ضياء الحق الذي تولى السلطة في عام 1977 خلفا للرئيس الباكستاني الأسبق صاحب التوجه الاشتراكي ذو الفقار علي بوتو (وهو والد رئيسة الوزراء اللاحقة بنازير بوتو). وفي أبريل 1979 قام ضياء الحق بنفي بوتو. وفي ذلك الوقت أعلن مراقبون تابعون للمخابرات الأمريكية عن امتلاك باكستان برنامجا سريا لتطوير السلاح النووي. فأعلن ضياء الحق إلغاء الانتخابات، وحاول قمع الحركات المدنية. وبدأ يستخدم خطاباً ذا طابع ديني أراد به أن يحظى بشعبية الإسلاميين المتزايدة ليؤسس قاعدة شعبية له في باكستان. وفي 21 أكتوبر 1979 أعلن الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع في باكستان، وكان قد أقر العقاب بالحدود الإسلامية في وقت مبكر من نفس العام، أي بقطع يد السارق والجلد للزنا. ومع الدعم المتزايد، زاد نشاط الجماعة داخل باكستان وامتد منها إلى أفغانستان ثم إلى كشمير في مرحلة لاحقة. جرح بعض رجال المارينز، وأحرقت نحو 60 سيارة من سيارات السفارة الأمريكية، وتولى قائد المارينز قيادة الدفاع عن السفارة من مكانه في الطابق الأرضي بينما صعد شروين ولازارد في محاولة لإخفاء الأوراق والملفات في مكان ما بعد أن فقدا الأمل في اتلافها لضيق الوقت، وأحرقا ما لم يتمكنا من إخفائه. وتدخلت القوات الباكستانية في النهاية، واهتمت بنقل كل رعايا السفارة آمنين ووجه السفير شكره إلى الرئيس الباكستاني ضياء الحق على المساعدات التي قدمها.. بينما راح ضحية هذا الهجوم اثنان من الأمريكيين: أحدهما عامل نظافة والآخر من نادي الجولف .. وتوفي اثنان من الباكستانيين . وفي اليوم التالي كانت هناك طائرة جامبو عملاقة تقل 309 أشخاص من الرعايا الأمريكيين من باكستان إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. في ذلك الوقت كان يوري أندروبوف هو الذي يتولى قيادة جهاز المخابرات السوفياتي KGB وكان قد تولى قيادته منذ عام 1966، بعد أن قام بعدة عمليات تخابرية ناجحة ومنها محاولات اختراق لجهاز المخابرات الأمريكي حسبما يشير مؤلف الكتاب. ورغم السمعة الكبيرة التي حظي بها جهاز المخابرات السوفياتي مثله مثل نظيره الأمريكي إلا أنه لا يوري أندروبوف ولا أي شخص آخر في ذلك الجهاز لاحظ الثورة المضادة للشيوعية في أفغانستان. وكانت أول إشارة للتمرد في واقعة عرفت باسم «مرات» في مارس 1979. وكانت كابول قبل ذلك قد تأثرت بالجزء السوفياتي المتاخم لها والمعروف بآسيا الوسطى والمكون من أوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان. ويوضح المؤلف ستيف كول أنه على مدى عقدين من الزمن كان جهاز المخابرات السوفياتي KGB يقوم بتقديم الدعم المالي سرا إلى شبكة من القادة الشيوعيين في جامعة كابول والجيش الأفغاني، ويقدم التدريب والدعم إلى 3725 شخصا على الأراضي السوفياتية. أما الرئيس الأفغاني الأسبق محمد داود فقد لاعب كلاً من موسكووواشنطن مستغلا علاقة التوتر بينهما خلال السبعينيات بحيث كان يحصل على كل من الطرفين على دعم مالي ومساعدات ومشروعات بناء وبشكل متوازن. ولكن في إبريل من عام 1978 كسر لأول مرة قواعد اللعبة، إذ أنه ألقي القبض على مجموعة من الشيوعيين بعد أن قادوا ثورة اعتبرها ذات نبرة عالية الصوت. وكان الرد أسرع من المتوقع، فقد تم إطلاق النار عليه بعد عدة أيام من قبل مجموعة من المتمردين المدعومين من الاتحاد السوفياتي وبالتعاون مع أفراد من الجيش الأفغاني فأردوه قتيلا. وقام الجناح الشيوعي الجديد باستبدال الأعلام الخضراء في كل مكان بأخرى حمراء اللون، وانطلق مئات من السوفيات من رجال الجيش وخبراء السياسة إلى المدن الأفغانية لتأسيس شبكة شرطة سرية ذات طابع عسكري، وبعض المصانع الصغيرة وإعادة هيكلة النظام التعليمي في المدارس. وبناء على اقتراح من الاتحاد السوفياتي أقام الماركسيون الأفغان معسكراً أسموه معسكر الإرهاب ليضم كل ذوي الميول والتوجهات الدينية أو الاشتراكيين الذين يفكرون في مقاومة الشيوعية.. وبحلول عام 1979 بلغ عدد المعتقلين في السجون نحو 12 ألف معتقل.. وبدأت الخطط في التدبير من خلف أسوار السجون والمعتقلات . وهنا يقدم ستيف كول ملاحظة جوهرية أخرى، بعد سرد مجموعة أخرى من الملاحظات حول الأداء السوفياتي ليصل إلى أن الاتحاد السوفياتي أخطأ نفس الخطأ الذي وقعت فيه الولاياتالمتحدة بشكل يكاد يصل إلى حد التطابق. فقد استهان الاتحاد السوفياتي كثيرا بالقوة الإسلامية المتصاعدة، وأعطاها الفرصة للنمو والتزايد في المعتقلات وإعداد الخطط والتجييش .. تماما كما استهانت الولاياتالمتحدةالأمريكية بتصاعد نفوذ وقوى المد الإسلامي في إيران.. والذي انتهى بطرد الشاه من إيران وإعلان الدولة الإسلامية على يد الخوميني العائد من منفاه. وبهذه الصورة الجذابة.. القائد الإسلامي والزعيم الروحي الذي جيش شعبا ثار ضد الشاه الذي كان يقبض على بلاده بالحديد والنار، وعاد إلى بلده من منفاه كزعيم سياسي وروحي للثورة الإسلامية.. ليس في إيران وحدها وإنما في كافة أرجاء الأرض، وخاصة في عيون أنصار التيارات الإسلامية التي بدأت تنتشر في أرجاء الدول الديكتاتورية في منطقة الشرق الأوسط. هكذا أخطأ تقدير إدارة أكبر وأكفأ جهازي مخابرات في العالم آنذاك لحجم المخاطر التي لم يقدر لهما مواجهتها بالشكل الذي يتناسب مع خططهما فكيف تفاعل كل منهما مع المرحلة اللاحقة! هذا ما يكشف عنه ستيف كول عبر فصول هذا الكتاب الشيق وكالة الأهرام للصحافة