وبعيداً عن ازدواجية الممارسة والتفكير، تلك التي باتت طبيعية ومفهومة ومقبولة، دعنا ننظر الآن في مسألة رفض «المجتمع» للسينما، هل هو رفض للسينما ذاتها وللأفلام ذاتها، أم هو رفض لمفهوم «سينما» ولمسمى «سينما»؟ إن ما يظهر لي بحكم المتابعة أننا - كمجتمع - لدينا رهاب من مجرد لفظ «سينما»، ولو أننا تعاملنا مع الأفلام باسم آخر غير «السينما» لما وجدت مشكلة أصلاً.. فمثلاً لو دعونا «الفيلم» ب«الفيلم» فإننا سنتعامل معه بأريحية تامة ولن نشعر بأنه يمثل خطورة ما، وهذا ما يحدث فعلاً في الواقع، وهو تفسير - ربما - لحجم المتابعة الطاغية التي يوليها «الأفراد» السعوديون للأفلام.. فهم يذهبون إلى محلات الفيديو كي يستعيروا من هناك «أفلاماً» وهم يشاهدون القنوات من أجل هذه «الأفلام»، لكن حين تُطلق عليها «سينما» عندها يبدأ الارتباك.. أيضاً يحدث الأمر ذاته مع الإخوة الملتزمين، والذين يبدون الأكثر تحفظاً إزاء «السينما»، فهم، في الغالب، قد شاهدوا فيلم «عمر المختار» رغم أنه سينمائي، لكنهم تعاملوا معه ببساطة على أنه «فيلم» وبالتالي فهو ليس محرماً كما «السينما»، لذلك تجد أن هذا الفيلم تحديداً قد تخصصت في نشره وتوزيعه التسجيلات الإسلامية دون غيرها.. هناك مثال آخر يحدد أن المشكلة هي فقط في لفظ «سينما» وأن رهبتنا هي من المصطلح ليس إلا.. فقبل نحو سنتين أو أكثر قام المخرج الشاب وخريج جامعة الإمام الأستاذ عبدالله المديفر بعرض فيلمه (الحقد الأبيض) في صالة عرض صغيرة اتخذت مكانها في مدينة بريدة.. والمديفر تعود أن يعرض أفلامه - قبل تسويقها التجاري - في «صالة» عرض أمام «جمع» من المشاهدين الذين جاءوا خصيصاً لمشاهدتها.. وما يمنح «عروضه» هذه قيمة أكبر أن ضيوفها هم من طلبة العلم والملتزمين دينياً، وأيضاً بعض المشائخ المعروفين.. إذن نحن هنا أمام حالة نموذجية توافرت فيها كافة عناصر العرض السينمائي المعتاد، من «صالة» وَ «جمهور» وَ«فيلم».. ومع ذلك لم نر حتى الآن من يحتج على حالة «العرض» هذه، رغم أن الكثيرين لا يزالون يستميتون في رفض وجود صالات عرض سينمائية في السعودية.. وسبب التناقض ببساطة هو أن هذه التجربة تمت دون أي ارتباط ب«السينما»، فهي مجرد «فيلم» عرض لمجموعة من الناس.. كما أن صالة العرض هي فقط «صالة عرض»، وهي تختلف كثيراً عن صالة العرض «السينمائي».. ليس في عناصرها ومكوناتها الفيزيائية المتطابقة تماماً، إنما في كون الثانية ارتبطت فقط بلفظ «سينما».. ولو أن المديفر - قبل أن يعرض فيلمه - ألمح ولو من بعيد بأي صلة تربطه بالسينما ك«مفهوم» لربما واجه صعوبات قد تؤدي إلى عرقلة العرض، لا بل إلى نسفه من جذوره.. وذلك لأن الرعب هو من لفظ «السينما» وليس من طبيعة المادة المعروضة ولا من كينونتها الذاتية.. فالسينما حرام لأنها فقط «سينما» ولو جاءت لنا بمسمىً آخر فلا أعتقد أننا سنرفضها، وأيضاً صالات العرض فهي مباحة ولا حرج فيها إلا إذا خالطها نَفَسٌ «سينمائي».. إذن فنحن أمام فوبيا مصطلح ورعب مسمى ورهاب من لفظ «سينما» ولسنا ضد «السينما» لذاتها.. أما كيف نشأ هذا الرعب وهذه الرهبة، فلذلك أسباب عديدة، قد يكون من أبرزها استشراء العهر والفساد في السينما المصرية في الفترة التي تلت انهيار الناصرية، وتزامن ذلك مع بزوغ شمس ما يعرف بالصحوة الإسلامية في السعودية.. وهذا السبب هام ومؤثر وحاسم، ومعه ستكون رحلتنا القادمة !.