لقد أوهمني وخوفني شيخنا عبدالمحسن من حكومة خفية تسعى لتمزيق الوطن، وكأن ما يُسمى بالربيع العربي لم يختر لنا إلاّ مركب التغريب. لقد أضحيت على قلق كأن الريح تحتي كنت قرأت منذ مدة ليست باليسيرة أطروحة علمية نال بها صاحبها أطروحة الدكتوراه من جامعة الأزهر. وهي للدكتور عبدالعزيز بن أحمد البداح، قرأتها بعد أن صدرت في كتاب عن المركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة. والكتاب عنوانه:حركة التغريب في السعودية : تغريب المرأة أنموذجاً. وقد جاء هذا الكتاب في سبع مائه صفحة من القطع المتوسط، تناول فيه المؤلف إرهاصات حركة التغريب وبدايته، ثم تطرق إلى أساليب التغريب وسماته والعوائق المحلية التي تقف أمامه. وقد لمست في الكتاب جهداً بحثياً واضحاً، وكذلك نظرات نقدية وتحليلية. أما مراجع الكتاب فهي كثيرة منها: الكتب والصحف بأنواعها والأشرطة والقنوات الفضائية والإذاعات والأفلام والمسلسلات. وعزمت أن أذيع مراجعة نقدية له، لكن أعاقني كِبر الكتاب الذي يتطلب وقتاً أكبر، ثم أخذتني الحياة بدروبها أعاننا الله عليها. لكنني سمعت منذ يومين تسجيلاً لمقابلة مع معالي الشيخ عبدالمحسن العبيكان. وهو من أعلام العلم الديني في المملكة. وأنا من المتابعين لأطروحاته الفكرية والشرعية. وأجد في بعضها ما يذكرني بالكتاب قيد الإشارة، وفيها ما يخرج عن الفضاء الفقهي المحلي، وهذه جسارة لا تتوفر إلاّ لمن أعطي فضلاً في العلم والأداء. بعد سماعي للمقابلة التي استطرد فيها الشيخ وفقه الله استطراداً لم أتبيّن معه الموضوع الرئيس للحلقة. على أنه قصر موضوع التغريب على المرأة. وهذا هو موضوع الدكتور عبدالعزيز بن أحمد البداح تحديداً. وأني وأيم الحق لتعروني الدهشة من قصر مسألة التغريب على المرأة. والمعروف علمياً أن مسألة التغريب واسعة تشمل ميادين واسعة أيضا. ثم سمعت الشيخ وفقه الله لكل خير يختار الفساد والمغالاة في قيمة المشاريع الحكومية والرشوة عناوين من عناوين التغريب. ولا أظن أن الشيخ لا يعرف أن هذه القضايا هي من المحرمات في الغرب الذي جاء منه مصطلح التغريب. ولا تكاد تظهر هناك لأن القوانين المعمول بها صارمة في هذا الشأن ولا تسمح بحدوث قليل منه ناهيك عن كثير. ثم رجعت للكتاب قيد الإشارة لأعرف هل ورد شيء مما ذكره الشيخ عبدالمحسن وفقه الله فلم أجد أي علاقة تُذكر. خصوصاً عندما تحدث الشيخ عن فساد كبير ينتشر في المجتمع السعودي نتيجة التغريب. ولا أخال الشيخ إلاّ مبالغاً ينشد تحذير الناس بتضخيم الأمر. بينما صاحب الكتاب يبحث مبحثاً موضوعياً، وإن كان لي عليه بعض الملحوظات المنهجية. ومع هذا يوجد صلة بسيطة بين الكتاب ومقابلة الشيخ عبدالمحسن وهو اختيار موضوع المرأة موضوعاً للتغريب. على أن صاحب الكتاب قد حدد موضوع بحثه مسبقاً وهو اختار المرأة أنموذجاً. بينما الشيخ يتحدث عن التغريب بصورة عامة، ومع هذا قصره على المرأة. ومن ملحوظاتي على الكتاب وهي تنسحب على كثير ممن تصدى لمسألة التغريب في المملكة اختيار بدايتها مع بداية توحيد المملكة في عهد الملك عبدالعزيز، الذي خدم السنة وحارب البدعة ونشر الإسلام الصحيح ورعى الدعوة حق الرعاية. هذه بداية مجحفة. لكنني رأيت كثيراً من الصلحاء يذهبون هذا المذهب. ورأيت آخرين يجعلون بداية التغريب مع كل ملك من ملوك آل سعود حفظهم الله. فالشيخ العبيكان حفظه الله مع قوله انه يحب الملك عبدالله ويُقدر له حدبه وعنايته بالدين وأهله، إلاّ انه من جهة أخرى شن هجوماً على بعض رجال حكومته واتهمهم بالتغريب، مهدداً أنه سينشر أسماءهم. فكيف يارعاك الله يبدأ التغريب في عهد ملك صالح مُتدين، يرعى الدين وأهله. الحقيقة أنني لم أفهم عبارة الشيخ على الوجه الذي أراده. كنت وددت لو اطلع فضيلة الشيخ عبدالمحسن على كتاب الدكتور عبدالعزيز البداح لرأى كما رأيت منهجه العلمي، حتى لو اختلفنا معه في تحميل النصوص مالا تحتمل. أقول لو قرأ الشيخ العبيكان الكتاب لرأى فضيلته عدم إطلاق الأحكام في مسألة متشعبة وتطال كثيراً من أفعال الناس. وهنا أقترح على الشيخ وصاحب الكتاب وفقهما الله أن يتمعنا في فكرة مؤداها أن كل المسائل التغريبية التي تدور على ألسنة الدعاة في الوقت الحاضر مسائل تحدث عنها فقهاء الإسلام وعلماء الأمة، وقد أفتوا واجتهدوا وعرضوا وناقشوا وردوا ورجحوا وهم لم يعرفوا الغرب آنذاك. فكان يجب أن توضع المسائل في سياقها وعدم تعميم ما يجدّ من حالات في مجتمعنا السعودي أنها حالات تغريبية. وبالتالي لا يجوز في نظري المتواضع الحكم على الشخصيات السعودية الاعتبارية بمنهج التغريبيين، أو أنهم يتولون عملاً حكومياً ظاهراً وعملاً تغريبياً باطناً والعياذ بالله. لقد أوهمني وخوفني شيخنا عبدالمحسن من حكومة خفية تسعى لتمزيق الوطن ، وكأن ما يُسمى بالربيع العربي لم يختر لنا إلاّ مركب التغريب. لقد أضحيت على قلق كأن الريح تحتي. والله أعلم