اتضح أن عام 2011 عام نمو استثنائي لمجلس التعاون الخليجي ككل، مع تصدر كل من قطر وعُمان والمملكة العربية السعودية من حيث الأداء الاقتصادي القوي. غير أن نمط النمو الاقتصادي ظل متسماً بالتباين بين دول المنطقة. ورغم ملاحظة زخم إيجابي قوي في القطاع الخاص، إلا أن التسارع الكبير في النمو الاقتصادي بدول المجلس من معدل 5.4% لعام 2010 إلى 7.2% لعام 2011 يعود أساساً إلى زيادات كبيرة في الإنفاق الحكومي. ويعود النمو الكبير في الإنفاق الحكومي بدوره إلى زيادة في أسعار النفط، مصحوبة بنمو تدريجي في إنتاج النفط بدول المجلس. وارتفع سعر سلة نفط أوبك القياسي من 76.5 دولار للبرميل في عام 2010 إلى 107.5 دولارات للبرميل في العام الماضي. ورغم أن متوسط سعر النفط المفترض في ميزانيات دول المجلس ارتفع عن ما يزيد قليلاً على 50 دولارا للبرميل في عام 2010 إلى 61.5 دولارا للبرميل في عام 2011، غير أن معظم الحكومات بالمنطقة تمكنت من تحقيق فوائض ميزانيات كبيرة خلال عام 2011. توقف الشحن عبر مضيق هرمز لمدة 72 ساعة كفيل برفع أسعار النفط إلى 200 دولار انحرافان هامان من المرجح أن نشهد خلال العام الجاري إنحرافين هامين عن هذا النمط؛ وفقاً لحديث الدكتور جيرمو كوتيليني كبير الاقتصاديين بالبنك الأهلي التجاري: يرجح أن يعود النمو الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي إلى مستوياته العادية المعهودة على مدى طويل، في حين سيصبح أوسع قاعدة. ويتوقع أن يترافق الاستقرار النسبي في الهيدروكربونات والقطاعات العامة مع نهوض مستمر في القطاعات الخاصة جراء الإنتعاش النسبي للإقراض المصرفي بمختلف أرجاء المنطقة. وستكون المحصلة النهائية معدل نمو كلي أقل مقارنة بالعام الماضي، بيد أن هذا لا ينبغي أن يصرف الانتباه عن تماسك التقدم المشهود في العام الماضي وإضافة أبعاد جديدة للنمو. وعلى نحو عام، ورغم أن الآفاق الاقتصادية العالمية ظلت متسمة بقدر كبير من الغموض وعدم التيقن، إلا اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي في مسار سليم نحو سنة تتسم بالأداء الاقتصادي القوي في عام 2012." ومن المرجح أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة مجلس التعاون الخليجي ككل حوالي 4%. السعودية وعُمان التزمتا بالإنفاق الحكومي عند المستويات الأعلى على مدى التاريخ استمرارية الإنفاق الحكومي وتكشف ميزانيات دول المنطقة التي تم إعلانها حتى الآن قدرا كبيرا من استمرارية الإنفاق الحكومي المرتفع، مع مزيد من التركيز على نموذج النمو الشامل الذي برز خلال العام الماضي. وإضافة إلى الأولويات التقليدية المتمثلة في التعليم، والعناية الصحية، والبنية التحتية، تم تخصيص موارد أكبر بكثير مما سبق للإسكان، وتوفير الوظائف، والإنفاق الإجتماعي. والتزمت كل من المملكة العربية السعودية وعُمان بالمحافظة على الإنفاق الحكومي عند المستويات الأعلى على مدى التاريخ، في حين اتجهت دولة الإمارات العربية المتحدة ثانية إلى تخفيض الإنفاق؛ وعلى نحو خاص، المحت دبي إلى تصميمها على تخفيض عجزها المالي، في ذات الوقت الذي لا يزال فيه القطاع العام الأوسع نطاقاً يرشدّ مستويات الفعالية المالية العالية التي تكونت خلال سنوات الطفرة الاقتصادية المالية. وعلى النقيض من ذلك، أوضحت إمارة أبو ظبي أن عددا من مشاريع البنية التحتية الكبرى التي تم تأجيلها فيما سبق، ستعود إلى مسيرة التنفيذ. د. جيرمو كوتيليني البيئة النقدية وفي ذات الوقت، يبدو من الراجح أن تبقى البيئة النقدية معتدلة نسبياً، مدعومة جزئياً بترجيح أن تظل أسعار الفائدة بالولاياتالمتحدةالأمريكية مقاربة للصفر لمدى زمني طويل. ويتسم نمو الكتلة النقدية بالنشاط، ويتسارع نمو الائتمان في العديد من دول المنطقة؛ وهو الآن في أو اقترب من نطاق الأرقام العشرية على أساس سنوي في معظم اقنصادات المنطقة. وعلى نحو أبرز، جاء نمو الائتمان بالمملكة العربية السعودية مشجعاً، معتمداً كلياً على الإقراض للقطاع الخاص. أما الائتمان المصرفي في الكويت فقد تم كبحه بتأخير الإنفاق الحكومي جراء دوافع سياسية، وتأثرت دولة الإمارات العربية المتحدة بتحويلات الأجانب والجهود التنظيمية الجارية لضبط وتشديد معايير الإقتراض. وعلى نحو عام، تبدو آفاق التضخم مستقرة دون تغيير يذكر، رغم بعض الضغوط التصاعدية الناتجة عن زيادة الإنفاق الحكومي. والمخاطر الوحيدة التي تكتنف هذه الصورة المعتدلة مخاطر خارجية المنشأ، رغم أن الشهور الأولى من هذا العام شهدت انتعاشاً في الأسواق على نطاق العالم ككل بفضل تضاؤل تفادي المخاطر. ويبدو أن الوضع الأوروبي آخذ في الاستقرار الآن نتيجة لاتفاق إنقاذ اليونان الأخير، غير أن مواطن الضعف الهيكلية والقابلية للتأثر تظل قائمة بحدة، وإن حدوث تدهور متجدد في وقت لاحق من العام أمر وارد ومرجح. أما على صعيد الولاياتالمتحدةالأمريكية، فإن التحديات الهيكلية للاقتصاد الأمريكي ستطغى عليها الحملات الإنتخابية، ولكنها ستظل مصدرا محتملا لعدم الاستمرارية على الرغم من وجود بعض الدلائل الإيجابية فيما يخص الأداء الاقتصادي. أيضاً هناك مخاوف متزايدة بشأن أداء الأسواق الناشئة، نتيجة لما أعلنته الحكومة الصينية مؤخراً من تخفيض لمعدل النمو المستهدف من 8.0% إلى 7.5%؛ بيد أن هذا الإعلان لا يعدو في الغالب أن يكون خطوة في مساق الجهود المستمرة من قبل السلطات الصينية لتكييف النمو في نطاقات أكثر قابلية للاستدامة عقب الضغوط التضخمية التي بدأت تتزايد في أعقاب الإنفاق المحفز الكبير في وقت سابق من الأزمة المالية العالمية. العقوبات على إيران وعلى الصعيد الإقليمي، ظلت الجهود المبذولة لتشديد العقوبات على إيران تشكل مصدر عدم التيقن الرئيسي، حيث هددت إيران عدة مرات بالإنتقام ضد أية محاولة للتدخل في تجارة الصادر لديها، في الوقت الذي سعي العالم الغربي لتشديد العقوبات المطبقة عليها. وفي هذا الصدد يعلق د. كوتيليني: "إن أي تعطيل لصادرات النفط الإيراني يرجح أن يكون مقدور على معالجته بالنظر إلى حجم فائض القدرة الإنتاجية لدى المملكة العربية السعودية. وعلى النقيض من ذلك، فإن أية خطوات جادة من قبل إيران لتعطيل انسياب الهيدروكربونات عبر مضيق هرمز ستؤدي إلى وضع بالغ التعقيد والتحديات. إذ أن فائض القدرة المتوفر في شبكة خطوط الأنابيب بالمنطقة محدود نسبياً، ويتركز أساساً في خط أنابيب النفط عبر السعودية، حيث يبدو أن خط أنابيب أبوظبي – الفجيرة سيؤجل حتى عام 2013. وبالنتيجة، فإن أي انقطاع ولو لوقت قصير للشحن - رغم أننا نستبعد حدوث ذلك - سيؤدى فوراً لفرض ضغوط تصاعدية كبيرة على أسعار النفط، وعلى سبيل المثال فإن توقف الشحن لمدة 72 ساعة كفيل بأن يرفع الأسعار إلى حدود 200 دولار للبرميل." وبعيداً عن الضغوط على الأسعار المرتبطة بالمخاطر السياسية، تبدو أساسيات سوق النفط متأزمة إلى حد ما بالنظر إلى القوى الهيكلية والدورية العديدة التي تشد أطرافها في إتجاهات متعاكسة؛ فمن الواضح أن الطلب العالمي على النفط قد إنتعش لمستويات تفوق مستويات ما قبل الأزمة ولازال يواصل النمو، رغم أنه ينمو بوتير أبطأ مما كان متوقعاً في السابق. وفي ذات الوقت، فإن الإنقسام عبر الأطلنطي بالسوق ينمو بوتيرة سريعة تفوق التوقعات. وتمضي أمريكا الشمالية حثيثاً نحو إكتفاء ذاتي من الهيدروكربونات بفضل التطورات الجديدة في اللجوء إلى احتياطيات نفط وغاز غير تقليدية، في حين تستفيد أمريكا الجنوبية من اكتشافات ضخمة جديدة. ومن المتوقع أن يستمر دفع هذه التوجهات لتوثيق الروابط التجارية بين مجلس التعاون الخليجي والأسواق الناشئة في آسيا، والتي تظل القوة الدافعة الرئيسية لزيادة الطلب العالمي على النفط. وتتوقع كل من أوبك والهيئة العالمية للطاقة أن يبلغ إجمالي الطلب العالمي على النفط هذا العام مدى 88 – 89 مليون برميل يومياً؛ وهذا سيتوافق مع سعر نفط في حدود 105 دولارات للبرميل للعام بأكمله. وهذه التوقعات للأسعار تمثل بشيراً للحسابات المالية لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 2012، حتى وإن تحققت هذه التوقعات بدرجة من التقلبات المصاحبة.