هل تتفق معي بأننا كائنات مبهرة؟ والانبهار هنا لا يشمل فقط الانبهار بقدراتنا العقلية أو الابداعية أو الحضارية بل يشمل أيضا الانبهار بقدرة هذا الإنسان الذي كما تعب وبنى في سنين قد يُهدم بحماقة في لحظة، وكما أبدع واخترع قد يعجز عن استيعاب أبسط الامور.. لذلك قد يبدأ حربا قد تبيد شعوبا وتهدم اقتصادا لأنه فقط يريد أن يفرد عضلاته، او لأنه فقط اعصابه. فقدرتنا على البناء والعطاء يقابلها في الطرف الآخر قابليتنا للتحول لكائنات عنيفة تؤذي وتجرم بحق مجتمعها ونفسها والعالم من حولها. ونحن احيانا لا نستطيع أن نستوعب أن العقل البشري الذي طور المضادات الحيوية هو نفس العقل البشري الذي يخترع الآلات الحربية، وأن العقل الذي يتحدث عن المشاريع الإنسانية هو نفسه الذي يضع قوانين الاقتصاد العالمية التي تحابي مجتمعات وفئات على حساب أخرى. وأن العقل الذي أنتج فكرا يتحدث عن العدل والقانون هو نفسه الذي يتجاهل كل ذلك في سبيل تحقيق مصلحته الشخصية! لكن في النهاية نحن نتحدث عن عقل بشري له حدوده ولا يستطيع أن يعمل بمفرده مجردا عن تأثير البيئة وتقاطعه معها. والآن بعد المقدمة الطويلة التي أخرجتني عن الفكرة لنعد للموضوع.. لو نظرنا للمعرفة البشرية لوجدنا أن تراكم الجهد الفكري الجبار لمحاولة المعرفة وللإجابة عن الأسئلة، ولوجدنا أيضا أن اهتماماتنا الفكرية والمعرفية كبشر تتغير مع تقدمنا الصناعي والتقني ومع تغير ظروفنا كمجتمعات تختلفا اهتماماتها وقضاياها وصراعاتها. في تاريخ المعرفة نجد أن هناك عصورا أو حقبات كانت النقاشات الفلسفية حول أمور كثيرة هي الطاغية وهي مركز الاهتمام، وفي عصور أخرى كانت النقاشات العلمية التطبيقية تأخذ حيزا أكبر، وفي وقت آخر كان للاقتصاد ونظرياته دور في تفسير ظواهر اجتماعية كثيرة.. على سبيل المثال فنحن نمر بمراحل تتصاعد فيها اهتماماتنا في مجال في مقابل مجال آخر لكن لا تمحوه، هل يعني هذا أن المواضيع المعرفية هي "موضة" تتغير بتغير الزمان والمكان أم أن علاقتنا بالمعرفة تحددها احتياجاتنا كبشر ومجتمعات؟ وفي خضم هذه الأسئلة المتتابعة نتساءل من نحن وأين نقف بين كل هذا، هل نحن متفرجون أم مساهمون فعالون؟