في مجتمعاتنا العربية و«الخليجية» بشكل أخص، تتسيد العادات والتقاليد قيادة التصرفات السلوكيات والتفكير نيابة عن الدين، ولا يحق لك النقاش والتساؤل فضلاً عن «الترك» بحجة «العيب». ومع الأسف، فإن مجتمعنا قد سَلّم بهذه الطقوس التي ما أنزل الله بها من سلطان، وكل من فعل غير ذلك فإنه قد ارتكب جُرماً ربما لن يُغتفر له، فتُساق له التهم بالتغريب أو التخلف أو «قلة الحيا»! ولا نعلم في الحقيقة من الذي قَل حياؤه، أو ضعفت مروءته فعلاً في مثل هذه الحوادث! وتكثر هذه الطقوس في أمور كثيرة، لعل أبرزها «الزواج» وما يصاحبه من طقوس وأعراف يصعب التخلي عنها، بل ربما كانت هذه الطقوس هي العائق الحقيقي للشاب أو الفتاة عن الزواج. أطرح هنا تساؤلاً: ماذا لو حدث عكس المألوف من خطبة الشاب للفتاة، فتجاوزت الفتاة هذا العرف وهذه العادة والتقليد وبادرت الفتاة لخطبة شاب؟! هو مجرد تساؤل بريء عن مدى قابليتنا نحن كمجتمع نتذرع بالدين وحفاظنا عليه، وكيف سنواجه هذا الأمر المباح دينياً، بل والمطلوب أحياناً في الدين، وبغض النظر عن ماهية وشكل هذه الخطبة، إلا أن التساؤل عن مدى تقبلنا لهذا الأمر؟ هل سنجعل منه ذنباً عظيماً يهتز له البدن ويقشعر له الجلد؟ أم هو أمرٌ طبيعي، فكما للشاب حق الاختيار والتحديد، فللفتاة ذلك أيضاً، مادام لم يخالف الشرع والعقل؟ ترى هل سنحتقر تلك الفتاة التي رضيت الترويج لنفسها والبحث عن الزوج؟! وهل ستبقى نظرتنا لها بالمكان ذاته، أم أنه يُنقص ذلك من كبريائها أو أنوثتها التي غالباً ما يسعى الشاب صوبها؟ أم أنها سوف تزيد من مكانتها في المجتمع، لأنها أبدت رغبتها في الزواج وصيانة نفسها وعرضها، واختارت من تراه مناسباً للعيش معها؟! فمن يعارض فكرة خطبة الفتاة للشاب لا يتكئ إلا على العرف الذي ما أنزل الله به من سلطان، فالعرف ذاته هو من امتهن كرامة المرأة وجعلها كالبضاعة المزجاة، والعرف نفسه هو من طوّق الحقوق بذريعة الدين، والدين منها براء، والعرف نفسه هو من جعلنا نرى الدين من خلاله، لا العكس؟! وإلا فالواجب أن نرى العرف من خلال الدين، أي أن نرسم خطاً للعرف يوازي ولا يتعارض مع الدين والعقل، أما الحاصل عندنا فإن الذي يُرسم له الخط الأول هو العرف بغض النظر عن تعارضه مع الدين، أو العقل... فالعرف والعادات والتقاليد أولاً... والبقية تأتي خلفه... لماذا وبأي حق... لا أعلم؟! فديننا يتعارض مع العرف وأهله في نقاط عدة، بل إن الدين تجاوز ذلك لينهى عن الأعراف الرجعية والمتشددة التي غالبا ما تُصاحبها نزعة جاهلية. أيها العروفيون... ألم يئن لكم التوقف؟... ألم يئن لكم ترك الناس وتصرفاتهم؟... ألم يئن لكم ترك الربوبية التي وضعتم أنفسكم فيها وبدأتم في معاقبة وتحليل وتحريم ما ترونه أنتم؟! أيها العروفيون... ألا تخجلون؟... ففي العرف خجل وحياء! [email protected]