تُرى ما الذي يجعل الروس مصرين على دعم نظام الأسد؟ إن هذا النظام ما كان ليستمر طويلاً لولا الدعم الذي يلقاه من القوة العظمى الثانية في العالم، وكان عليه مواجهة التظاهرات التي لا تتوقف بعنف، ومواجهة المنشقين عن جيشه الذي يتزايد باستمرار، والضغط الخارجي المتمثل بتعليق عضويته في الجامعة العربية، والتهديدات المستمرة من الأممالمتحدة. إن روسيا مازالت تُرسل السفن المحملة بالسلاح لقمع الاحتجاجات، كما أنها مازالت متمسكة بموقفها الرافض لأي تحرك لمجلس الأمن، كما أنها قامت بأخذ دور إيران في دعم النظام السوري ومده بأسباب البقاء لان طهران لم تعد قادرة على القيام بهذا الدور بسبب الضغوط والتهديدات الدولية التي تتعرض لها بسبب برنامجها النووي المثير للجدل. غير أنه يبدو أن الثمن الذي سيدفعه النظامان الروسي والسوري نظير صفقتهما الدموية سيكون غالياً جداً. إن استمرار المظاهرات المناهضة للناظم في سوريا يعني ارتفاع سقوط الضحايا بشكل كبير، وهذا يجعل الحل السياسي هناك مستحيلاً. كما أن ارتفاع مستوى الخوف والبطش الذي يعتمده النظام السوري يجعل الأسد وعائلته يدركون المصير الفظيع الذي ينتظرهم في حال سقط النظام. إن قادة النظام في روسيا ليسوا قلقين على مصير عائلة الأسد بل أنهم قلقون من الأضرار الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي ستلحق بهم نتيجة لسقوط بشار الأسد، وهذا يجعل بقاء نظام الأسد ضرورياً لهم لمنع وصول رياح التغيير الى الأنظمة الموالية لروسيا في الشرق الأوسط كالجزائر وإيران. ولكي نفهم التهديد الكارثي الاقتصادي - السياسي الذي تشعر به روسيا علينا أن نعود لتاريخ الوجود الروسي في الشرق الأوسط. ففي عهد الاتحاد السوفيتي اعتمدت معظم الدول العربية على الدعم العسكري الروسي، ومع سقوطه عام 1990 توقف تدفق السلاح، وانتهت التبعية العربية لروسيا. إلا إن روسيا عادت واستأنفت تجارة السلاح مع دول عربية عديدة منذ العام 2000 بعد عقد كامل من غيابها عن المنطقة. وحصلت تجارة السلاح الروسي على زخم كبير وازدهرت في السنوات الأخيرة خصوصاً مع سوريا والجزائر وإيران ليصل حجم الصفقات الى المليارات من الدولارات سنوياً. بل أن روسيا شطبت جميع ديونها لدى سوريا العام 2005 مقابل إنشاء قاعدة عسكرية روسية في مينائي اللاذقية وطرطوس. غير أن الاضطرابات التي يشهدها العالم العربي تهدد بتقويض الوجود الروسي في المنطقة مجدداً. أن سقوط نظام الأسد في سوريا واحتمال تمدد الاحتجاجات في المنطقة لتصل دول عربية أخرى يعرض تجارة السلاح الروسية في الشرق الأوسط للخطر، خاصة وأن ربع إنتاجها من السلاح يصل للمنطقة. كذلك أدت سياسة روسيا هذه الى زيادة مستوى العداء لها لدى شعوب الدول العربية المتضامنة مع معاناة الشعب السوري. وهذا الوضع من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً بالعلاقات الاقتصادية التي عملت موسكو على تطويرها مع الدول التي تغيرت أنظمتها كمصر وتونس أو الدول التي تخشى وصول الربيع العربي إليها كالأردن. كذلك يخشى النظام في روسيا من تمدد رياح التغيير هذه بشكل كبير وتصل الى طهران والجزائر وربما تطرق أبواب موسكو أيضاً. فالمظاهرات التي جرت بالقرب من الكرملين في ديسمبر الماضي ليست إلا تحذير لرئيس الحكومة فلاديمير بوتين والرئيس ديمتري ميدفيدف. كما أن دعمهما للأنظمة الفاسدة من شأنه أن يفجر الاحتجاجات في روسيا أيضاً. كما أن سقوط بشار الأسد المتوقع سيعقبه أعمال انتقامية لن تقف داخل سوريا فقط، حيث دعا موقع أسمه "المعارضة السورية في روسيا" مؤخراً الى ضرب واستهداف جميع الممثليات الروسية حول العالم انتقاماً لتأييد روسيا قتل الشعب السوري. لقد اختار النظام السوري الاعتماد على روسيا الحليف الخارجي، وهذا الامر سمح له بالبقاء حتى الآن. غير أن هذه الخطوة لن تمنع التفكك الداخلي للنظام والجيش. إن التأييد الروسي يؤخر فقط سقوط النظام، ويطيل أمد المعاناة للشعب السوري ويحولها الى مذبحة جماعية مستمرة. * محاضر في قسم اللغة العربية بمعهد (التخنيون) وأستاذ في قسم العلوم الانسانية في كلية الجليل صحيفة "يديعوت أحرونوت"