أمر غريب ومحيّر تصرفات روسيا تجاه الشعب السوري الشقيق، الذي يُذبح بشكل يومي بالعشرات، فإلى هذه اللحظة لا نعرف ما هي أهداف روسيا من دعم نظام حكم لا يريده شعبه؟! فهذا يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان في سوريا وعالمنا العربي والعالم برمته. فالشعب السوري له الحق في العيش بكرامة، وله الحق باختيار من يشاء ليحكمه ويدير شؤونه، وله الحق في حرية التعبير. في روسيا زوّر فلاديمير بوتين، زعيم جهاز الاستخبارات المنحل السابق الكي جي بي، الانتخابات لكي يفوز حزبه؟! تظاهر الآلاف في شوارع موسكو احتجاجًا على تلك الانتخابات المزورة، ولم يجدوا آذانًا صاغية ممن قام بتزويرها. طالب ميخائيل جورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفيتي سابقا، بإعادة الانتخابات ولا حياة لمن تنادي. وهذا بالنسبة لنا -كعرب- ليس مهمًا كونه شأنا داخليا روسيا، ولم نر أية دولة عربية أو جامعة الدول العربية تتدخل في شؤون روسيا الداخلية أو حتى الخارجية. ولكن ما يدعو إلى الدهشة والحيرة هو أن روسيا أعطت لنفسها الحق في أن تتبجح وتتدخل في شؤوننا العربية على مرأى ومسمع من العالم؟! ولا ندري من أعطاها الحق أو خوّلها بالقيام بذلك؟ فلأوّل مرة في التاريخ أن تقوم دولة عضو في مجلس الأمن، الذي يفترض أنه يُحافظ على السلم والأمن العالميين، تقف بجوار نظام يقتل شعبه كل يوم!! أليس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن مهمتهم حفظ أمن شعوب العالم وكذلك عيش الشعوب بسلام؟ هل انقلبت المعايير وأصبح مجلس الأمن يحمي الأنظمة الدكتاتورية من أجل إبادة الشعوب؟! أليس هذا الفعل من روسيا يتنافى مع ميثاق الأممالمتحدة التي كما أسلفنا تعنى بالأمن والسلام العالميين؟! لم نر السيد فلاديمير بوتين يشمر عن ساعديه في الأممالمتحدة ويدافع عن صدام حسين ونظامه البعثي، الذي كان سوق السلاح الرئيس لروسيا بل أغمض عينيه في مجلس الأمن لأن هناك في السياسة شيئًا اسمه لعبة المصالح؟! ألا يعرف السيد بوتين أن الشعوب العربية أصبحت الآن أكثر وعيًا وأن بإمكانها أن تقلب الطاولة على أي دولة -أيًا كانت- تتدخل في شؤونهم؟! يبدو أن السيد بوتين يجهل ما يدور في عالمنا العربي وثوراته التي أطاحت بالطغاة المستبدين. ويبدو كذلك أن السيد بوتين أصبح مثل بعض زعماء دول العالم الثالث الذين يصلون إلى السلطة بأربع تسعات نظيفة (99.99%) وهذا ما حصل في الانتخابات الروسية الأخيرة؟! والسؤال الأهم هو: هل السيد بوتين أصبح مثل بعض رؤساء دول العالم الثالث أداة بيد الغرب بدلًا من أن يصبح الند للند كدولة تعتبر نفسها دولة كبرى؟! أنا لا أعتقد أنها فقط مسألة مصالح وتوزيع نفوذ في المنطقة بل إن ما يحصل هو تبادل أدوار مع الغرب من أجل استنزاف العرب بعد سقوط أدوات الغرب في العالم العربي، وإلا ما هو تفسير تحذير روسيا لمجلس الأمن من تمرير قرار يدين النظام السوري الذي يقتل الأبرياء، وبقية أعضاء مجلس الأمن صامتون ولا يحركون ساكنًا، البعض يقول: إنهم منشغلون بتقسيم الكعكة العربية بينهم بعد الثورات العربية التي لم تكن في حسبانهم؟! ثم لنلحظ دعوة روسيا للحوار بين النظام الحاكم في سوريا وبين المعارضة ليعقد في موسكو؟!! ولم يتبق من روسيا إلا أن تقول انقلوا جامعة الدول العربية إلى موسكو؟!. تدخُّل سافر في عالمنا العربي ولابد من ردع هذا الدب الأحمر الهائج!! من هي روسيا التي تريد أن تلعب دور السمسار في العالم العربي؟! الواقع يقول لنا إن روسيا متذمرة من فقدان نفوذها في المنطقة، ومصالحها وسوق سلاحها ذو التقنية المتخلفة، ولم يتبق لها سوى سوريا وإيران، وهذه الأخيرة هي التي تدفع بروسيا لحماية نظام حكم متهالك في سوريا، وهي تعرف جيدًا أنه برحيله فإن الآيات والملالي في طهران سوف يتم تحجيمهم بل إزالتهم من قبل الشعب الإيراني، فإيران لا تختلف عن روسيا كأداة بيد الغرب، فمن مناورات بسفن متخلفة وأسلحة متهالكة، إلى تهديد بإغلاق مضيق هرمز، إلى ملف نووي لا يمكن للغرب أن يسمح لإيران بامتلاكه ليس حبًا في دول المنطقة بل خوفًا على إسرائيل، وبالتالي التصريحات التي نسمعها بين الفينة والأخرى من قادة عسكريين غربيين بأن إيران على وشك امتلاك أسلحة نووية ما هي إلا تخويف وابتزاز لدول المنطقة. فإسرائيل نفسها لن تسمح لآيات وملالي مختلّين عقليًا في طهران بتهديدها، والمفاعلات النووية العراقية والسورية التي دمرتها إسرائيل تثبت لنا ذلك، ولكنها ألعاب سياسية تتناوب عليها سوريا وإيرانوروسيا وإسرائيل من جهة والغرب صاحب المصالح من جهة أخرى. روسيا تُجدِّف ضد التيار العربي الجارف، ولن تجد مستقبلًا من يتعامل معها، وسوف تصبح في عزلة، والأيام القادمة سوف تكشف لنا ذلك إذا لم تغيّر سياساتها، وتنحني مع ريح الثورات العربية. وتبقى همسة صغيرة في أذن أمين عام جامعة الدول العربية ألا وهي: عليك عمل شيء تجاه هذه المهازل من سوريا وإيرانوروسيا أو -عفوًا- أفسح المجال لغيرك، لكي نحافظ على حياة شعوبنا العربية.