خامة جديدة من الديمقراطية يطرحها وليد المعلم للمجتمع الدولي لكي ينهل منها كيفما يشاء.. هي بكل المعايير ديمقراطية بعثية حصرية لم تظهر للعلن من قبل سوى في مواقف فريدة في تاريخ البعث السوري الذي انقرض نظيره بالعراق منذ سنوات قريبة وبقي هو كآخر المنقرضين.. دستور جديد لم يعرفه العرب من قبل في طريقه إلى العلن يكشف عنه «المعلم»، ولكن بعد أن يفنى الشعب السوري عن آخره حتى لا يجد من يقرأه، وكلما أوشك الدستور على الانتهاء كلما ارتفعت حصيلة القتلى، فالنظام في سباق مع الزمن ومع «ملك الموت» في آن واحد.. يرى أن سحب السعودية لمراقبيها هو خشية أن يرى مواطنوها الحقائق على الأرض!!.. عن أية حقائق وأية أرض يتحدث.. الله وحده يعلم!!.. لكن التاريخ حفظ لنا تلك الحقائق، وأشهرها إجراما مجزرة جسر الشغور في مارس من عام 1980م، وقُتل فيها ما يزيد عن ستين مواطنا، على يد الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع، وتلاها مجزرة حماة الأولى بعدها بشهر واحد في أبريل من نفس العام حين مشطت قوات حافظ الأسد المدينة، بفرقة مدرعة من كتيبتين من الوحدات الخاصة، وانقطعت المدينة عن العالم الخارجي، كما قطعت عنها الماء والكهرباء، وفتشتها بيتا بيتا، مع الضرب والنهب، وقتلت عددا من أعيان المدينة وشخصياتها، كما اعتقلت المئات، وأدت المجزرة إلى استشهاد المئات من أبناء المدينة.. ولا ننسى الصرح الديمقراطي الأشهر في سجن تدمر الصحراوي، حيث التعتيم على ما يجري فيه، وطمس الجرائم، جعلا نظام الأسد يفضل قتل من فيه شنقا ورميا بالرصاص، على الإفراج عن معتقل واحد، يخرج ليروي للناس ما لقي هو وسائر المعتقلين من ألوان البلاء، والأفراد النوادر الذين نجاهم الله من ظلم الأسد، رووا من الوقائع الرهيبة ما يفوق كل تصور.. ولا يفوتك المجزرة الكبرى التي اقترفها الطائفيون الآثمون في يونيو من نفس العام عندما أمر رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، عناصره من سرايا الدفاع بتنفيذها، لقد كلف رفعت صهره الرائد الطائفي معين ناصيف باقتحام سجن تدمر وقتل من فيه من المعتقلين، ونفذ الطائفيون جريمتهم الشنيعة، فقتلوا أكثر من ألف ومائة معتقل في زنزاناتهم.. أما مجزرة سوق الأحد بحلب فقد وقعت بعدها بشهر في يوليو من نفس العام حين هاجمت عشرون سيارة عسكرية محملة بالعناصر (سوق الأحد) المزدحم بالفقراء البسطاء، من عمال وفلاحين ونساء وأطفال، يؤمون هذا السوق الشعبي الواقع في منطقة شعبية في مدينة حلب، من أجل ابتياع ما يحتاجون إليه من الباعة المتجولين على عرباتهم وبسطاتهم، وأخذت تلك العناصر المسلحة تطلق النار عشوائيا على الناس، فسقط منهم مئة واثنان وتسعون قتيلا وجريحا.. ثم كانت مجزرة حي المشارقة في حلب في صباح عيد الفطر 11 في أغسطس من نفس العام، حيث ارتكبت قوات حافظ الأسد واحدة من أقبح مجازرها في ذلك الحي، حين قتلت حوالي مائة مواطن، ودفنتهم الجرافات، وبعضهم كان ما زال جريحا لم يفارق الحياة.. أما المجزرة الكبرى والتي لم يشهد التاريخ لها مثيلا، فكانت مجزرة حماة الكبرى، والتي وقعت طوال شهر فبراير من عام 1982م، حيث وجه إليها نظام الأسد كلا من اللواء 142 من سرايا الدفاع، واللواء 47 دبابات، واللواء 21 ميكانيكي، والفوج 41 إنزال جوي (قوات خاصة)، واللواء 138 سرايا الدفاع، فضلا عن قوات القمع من مخابرات وأمن دولة وأمن سياسي، وفصائل حزبية مسلحة، وأعملت بالمدينة قصفا وهدما وحرقا ورجما وإبادة جماعية طوال الشهر المذكور، حتى قتل فيها ما يزيد على ثلاثين ألفا من سكانها، فضلا عن آلاف المفقودين، والذين لا يعرف مصيرهم حتى هذه اللحظة، وكان قائد تلك الحملة رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد.. ثم يأتي اليوم النظام السوري ليكشف عن نواياه بتصريح «المعلم» بأنهم ماضون في الحل الأمني.. القضية لم تعد تتحمل التلاعب والإنكار، ولن تجدي عشرات التقارير والبعثات والاجتماعات نفعاً، والعالم يعرف تماماً أن النظام السوري اليوم قد أصبح يرتكن إلى تفويض روسي بالقتل والإبادة، وكأننا عدنا من جديد لأجواء الحرب الباردة المشئومة، بل رهائن للأساطير المؤسسة للفيتو الروسي على الربيع العربي.. وكأن كل تلك الجرائم والمشاهد المروعة للقتل غير كافية لينتفض الضمير الإنساني.. ولولا كلمة الأمير سعود الفيصل المحللة للوضع المأساوي الحاصل في سوريا لكتب النجاح لديمقراطية القتلة، وتجاهل العالم الصور الحقيقية التي أدمن البعض رؤيتها دون حراك أو إشارة اعتراض.