كتب داوود الشريان، في صحيفة «الحياة» يوم «19 - 1 - 2012»، مقالاً بعنوان «إخوان سورية يتحدثون مع النظام»، انتقد فيه تصريح نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين السوريين، فاروق طيفور، إلى صحيفة «الحياة»، في قوله: «إن الجماعة هم اللاعب الرئيس في الصراع على السلطة؛ وفي حقهم في السلطة تاريخياً». وقال الكاتب: «إن جماعة الإخوان المسلمين تنظر إلى المجلس الوطني باعتبارها فقط خطوة مرحلية، وبوابة لتسويغ وصول الجماعة إلى الحكم، واستبعد أن تقبل الجماعة مشاركة الأطياف السياسية الأخرى». وأنا هنا لست في معرض الدفاع عنهم، ولكن لقول كلمة حق. من المعتقد أن كلام الكاتب قد جانبه الصواب في نقاط عدة، منها أن فضل تأسيس المجلس الوطني السوري يرجع إليهم أولاً وآخراً؛ ولولا تنظيمهم المحكم ونشاطهم وحركتهم الدؤوبة لما كان الشعب السوري رأى مجلساً وطنياً موحداً إلى الآن. أما القول بأنه يستبعد أن يشارك الإخوان باقي الأطياف السياسية في الحكم مستقبلاً، فهذا قد نفوه وصرحوا به مراراً وتكراراً؛ لأنهم يدركون طبيعة التكوين الديني، والمذهبي، والعرقي للشعب السوري أكثر من غيرهم؛ لذلك فقد ألغوا بنداً في المجلس الوطني حال تأسيسه ينادي بدولة إسلامية، وغيروه إلى دولة تعددية مدنية. وهذا نادراً ما نجده في التيارات الإسلامية في مصر وتونس وليبيا. أما عن انتقاد الكاتب لأحقيتهم في تسلم السلطة بعد سقوط النظام، فمرده ربما لغياب بعض المعلومات عنه في أن تاريخهم الوطني في المعارضة يعطيهم الأسبقية، فقد بدأت حركة الإخوان المسلمين في سورية مرحلة التأسيس والعمل العلني منذ عام 1946، وكان من أبرز مؤسسيها الشيخ مصطفى السباعي، أول مراقب عام للإخوان المسلمين في سورية، ومنذ عام 1953 بدأ الانشقاق بين أعضائها، ولكن زعيم الحركة مصطفى السباعي، ذا الموقف الليبرالي الإسلامي، استطاع التغلب على معارضيه يومذاك، كما أن خلفه عصام العطار عارض موقف المهندس مروان حديد الذي انتهج منهج العنف والعمل العسكري، وشكل «كتائب محمد»، وقام بتنفيذ ما عرف بعصيان حماة عام 1964، هذا الخلاف أدى إلى انقسام جماعة الإخوان إلى ثلاث جماعات: جماعة حلب، بزعامة عبدالفتاح أبو غدة، وجماعة دمشق، بزعامة عصام العطار، وجماعة حماة، بزعامة مروان حديد. في عام 1973 انتخب عدنان سعد الدين مراقباً عاماً للحركة، الذي ما لبث أن فصل مروان حديد، ولكنه مع ذلك تبنى العمل العسكري ضد الدولة، وشاركه الكثير من القيادات الإخوانية، مثل عصام العطار، ونائبه حسن الهويدي. بعد وفاة مروان حديد، تحت التعذيب في السجون السورية، انتقلت الحركة من موقفها السياسي السلمي إلى مرحلة العمل العسكري والعنف، الذي اشتمل على بعض التفجيرات هنا وهناك، واغتيال بعض الشخصيات السياسية والفكرية والعسكرية البارزة في النظام، وحين بدأت مرحلة التمييز الطائفي تطفو إلى السطح وقعت حادثة مدرسة المدفعية؛ ثم حادثة مدينة حماة، إذ احتل بعض عناصر التنظيم مراكز للأمن في المدينة، نتج عنها مواجهات مسلحة مع قوات الأمن والجيش لمدة 20 يوماً؛ ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، واعتقل الكثير من أعضاء التنظيم وهرب الكثير منهم، ولجأ من تبقى من أعضائه وقياداته إلى الدول المجاورة. وفي 27 - 6 - 1980، وبعد مضي يوم واحد على محاولة اغتيال حافظ الأسد، أقدم أخوه رفعت على تكليف صهره الرائد، وقتذاك، معين ناصيف قائد اللواء 138 من سرايا الدّفاع باقتحام سجن تدمر، إذ قتل في تلك المجزرة أكثر من 800 معتقل معظمهم من جماعة الإخوان المسلمين. كما غاب عن الكاتب أيضاً أن تفاوض الجماعة مع النظام ليس وليد اللحظة، ففي منتصف الثمانينات كان هناك تياران: تفاوضي حواري مع النظام، ضم عبدالفتاح أبا غدة وعلي صدر البيانوني، وآخر صدامي جهادي، بقيادة عدنان سعد الدين، الذي دعم البيانوني في انتخابات المراقب العام للتخلص من عبدالفتاح أبي غدة؛ بسبب دعوته الجدية إلى التفاوض مباشرة مع النظام، ثم حصل تبدل في المواقف بين جناحي الإخوان، إذ تحولت أفكار عدنان سعد الدين إلى مزيد من التشدد في مقابل دعوة حسن الهويدي إلى الحوار مع النظام، وبدأت بالفعل ملامح هذا الحوار بمبادرة شخصية قام بها أمين يكن، أفرج بعدها حافظ الأسد عن 1500 عضو من أعضاء الجماعة كانوا معتقلين منذ سنوات طوال. هذا كله أسهم وشجع التقارب بين التنظيم وبين النظام، خصوصاً يوم أعلن التنظيم دعمه للنظام في مواجهته مع إسرائيل، ومساندته للموقف الرسمي السوري في هذا الصمود، ورفضه تقديم التنازلات، كما أن زعيم جبهة العمل القومي الإسلامي، المقربة من جماعة الإخوان المسلمين السورية، إسحاق فرحان كان وقع اتفاقاً للتعاون السياسي مع حزب البعث السوري، وبدورها أرسلت دمشق إشارات عدة يُفهم منها طي الخلافات القديمة وفتح صفحة جديدة بينها وبين الجماعة، منها إطلاق الكثير من أعضاء التنظيم من السجون. كما أرسل حافظ الأسد طائرة خاصة إلى المملكة العربية السعودية لنقل جثمان عبدالفتاح أبي غدة إلى مسقط رأسه مدينة حلب ليدفن هناك؛ بل وحضر مجلس العزاء كبار الشخصيات السياسية والعسكرية في سورية، بعدها قام أمين يكن بالاتصال بقيادات الجماعة في الخارج لترتيب عودتهم إلى سورية، ولكن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح لأسباب متفاوتة، فمنهم من كان لا يزال متخوفاً من سطوة النظام، على رغم تطمينات الحكومة لهم بالعفو عنهم في حال تنازلوا عن العملين السياسي والعسكري ضد الدولة، وعلى رغم أن بعضهم عاد بعد أن قدموا تعهدات في السفارات السورية في الخارج بأنهم سيبتعدون عن العمل السياسي، وبعضهم بقي متخوفاً بسبب رفض النظام إلغاء قانون الطوارئ، والقانون 49 الذي ينص على إعدام أي سوري ينتمي إلى حركة الإخوان المسلمين، وبعض آخر كان يتعظ بما يسمعه عن بعض الاعتقالات التي جرت لبعض العائدين إلى سورية، والأوامر التي صدرت في 23 - 12 - 1996 بمنع زوجات وأبناء وأقارب قيادات الحركة في الخارج من السفر خارج سورية. يبقى الأمر أن جماعة الإخوان هي المحرك الأساس لأتون الثورة السورية، وقاعدتهم الشعبية بدأت في التزايد، ويحسب لهم النظام ألف حساب. * باحث في الشؤون الإسلامية.