تبعثر هبات قوية من الرياح القادمة من البحر المتوسط العديد من استمارات الطلبيات والوثائق الطبية في جنبات موقع ينتصب عليه مصنع مهجور، حيث كان يقوم 120 عاملا بتصنيع أثداء أنثوية من السليكون، وهم يرتدون مريولات زرقاء اللون وقفازات وأقنعة طبية لإضفاء جو من الاحترام العلمي والاحترافية على عملهم. غير أن المظهر خالف المخبر تماما في هذا الحال.فقد تم تصفية مصنع الأثداء الاصطناعية (يشار إليه اختصارا بالأحرف 'بي آي بي') في بلدة لا سين - سور - مير الفرنسية بعد أن تبين أن المصنع ، بجانب إنتاجه للأثداء صناعية من سيليكون عالي الجودة، كان يقوم منذ عام 2001 بإنتاج أثداء أخرى من مواد سيليكونية صناعية رخيصة، من مثل ذلك النوع الذي يستخدم في صنع المراتب . ولم تحظ هذه المنتجات بموافقة وزارة الصحة قط. ونظرا لأن تكلفتها تبلغ ما يعادل 100 جنيه إسترليني أي اقل بكثير من ثمن الأثداء الاصطناعية المصرح بها طبيا، فقد ساهم الإقبال عليها في أن تسيطر شركة "بي آي بي" على السوق، غير أن هذه التجارة التي واجهت انتقادا عنيفا، تركت الآلاف من النساء البريطانيات وأخريات من جنسيات أخرى، معظمهن تعاملن مع مستوصفات خاصة لإجراء عمليات زراعة الثدي، يعشن في رعب من التعرض لأضرار صحية. الفنزويلية ريتا دي مارتينو تحمل ثديا اصطناعيا أزيل من صدرها فقد اشتكت العديد من النساء اللواتي تلقين أثداء صناعية رخيصة من آلام مبرحة وأورام وخمول بعد انفجارها بسبب ضعف أغشيتها الخارجية، ما تسبب في تسرب السيليكون الصناعي إلى داخل أجسامهن. كما ظهرت مخاوف أيضا من أن يتسبب الجل في الإصابة بالسرطان. ووافقت الحكومتان الفرنسية والفنزويلية في الشهر الماضي على تحمل نفقات إزالة الأثداء الاصطناعية من صدور النساء في البلدين، ويبلغ إجمالي مبلغ الفاتورة في فرنسا وحدها ما يعادل 60 مليون جنيه. وفي دول أخرى، باتت آلاف مؤلفة من النساء حول العالم يتخوفن من أن تنفجر أثدائهن ما لم يخضعن لجراحة استئصال مؤلمة ومكلفة. بيد أن ما يزيد الطين بلة، أن الوكالة البريطانية لتنظيم المنتجات الطبية والصحية نصحت بعدم الخضوع للجراحة نظرا لما قد تسببه مخاطر صحية ذات صلة بالاستئصال. جيما غاريت استأصلت ثدييها للتخلص من الآلام وكانت الموافقة على بيع هذه الأثداء الاصطناعية في أوروبا قد تمت عقب اختبارات أجرتها شركة "تي يو في- راينلاند"، وهي شركة تراخيص خاصة مقرها كولون بألمانيا. والآن تقاضي الشركة الألمانية شركة "بي آي بي" مدعية أن الشركة الفرنسية "استمرت في تضليلها" عندما كان موظفوها يقومون بحملات تفتيش دورية على موقع الإنتاج، وقال متحدث إن الشركة كانت تعرض عليهم نوعا من السيليكون المجاز قبل أن يتم استبداله بسيليكون معيب يستخدم في صناعة الأثداء بعد مغادرة المفتشين، وعندما اكتشفت الشركة الألمانية ذلك في عام 2010 فإنها عمدت إلى إلغاء المصادقة على المنتج وحظرت بيعه في أوروبا، ومن جانبها عمدت السلطات الفرنسية الى إغلاق شركة "بي آي بي" عندما نما إلى علمها أن الشركة تستخدم السيليكون غير الطبي منذ 9 سنوات، كما سارعت بريطانيا إلى توجيه الجراحين بعدم استخدام الأثداء الاصطناعية الفرنسية في عمليات الزراعة. عملية استئصال أنهت ألم كاثرين كايد وعقب افتضاح الأمر، أشارت تقارير إلى أن جان- كلود ماس، مؤسس شركة "بي آي بي" مريض وانه ليس في وضع يمكنه من توضيح ما حدث. والحقيقة أن شركته كانت تبيع 10 آلاف ثديا صناعيا في العام، ومعظم هذا الإنتاج كان يتم تصديره إلى 65 دولة، من بينها كوستاريكا وفنزويلا وكولومبيا والأرجنتين وتشيلي والبرازيل .وتشير التقديرات إلى أن حوالي 400 ألف امرأة زرعت لهن أثداء صناعية من إنتاج "بي آي بي" في بريطانيا و 2500 في البرازيل، وفي فرنسا رفعت 2500 امرأة دعاوى ضد الشركة في مرسيليا، وأصيبت 9 أخريات بنوع نادر من السرطان. وانفجر خمس هذه الأثداء في فرنسا بينما بلغت نسبة الأثداء المنفجرة في بريطانيا واحد بالمئة. جين كلود - ماس أثار رعب النساء حول العالم بالأثداء الاصطناعية المعيبة وبينما يسترخي ماس في فيلته الفاخرة بالريفيرا الفرنسية، يسعي هذا المليونير الفرنسي البالغ من العمر 72 عاما إلى حماية ثروته من المساءلة القانونية وهو يواجه محاكمة جنائية ذات صلة بسلسلة من الجرائم من بينها تهمة القتل عقب وفاة امرأة فرنسية تلقت ثديا اصطناعيا من إنتاج شركته. وكان ماس قد تحول من جزار يعمل نصف دوام في متجر للحوم ثم إلى مندوب مبيعات للمنتجات الطبية ثم إلى مؤسس ورئيس لشركته الدولية التي تعمل في إنتاج الأثداء الاصطناعية .ويقول محاميه إن فكرة إنتاج الأثداء الاصطناعية طرقت ذهن موكله عقب تعرفه على جراح تجميل كان قد جلب الأثداء الاصطناعية إلى فرنسا لأول مرة في عام 1965. وسرعان ما أدرك ماس أن هذه الأثداء الهلامية يمكن أن تحقق أرباحا تجارية مجزية في سوق تتهافت فيه النساء على اكتساب أجسام مكتملة الجمال، وانشأ الاثنان العديد من الشركات إلى أن توفي الطبيب الجراح في حادث طائرة ومن ثم أسس ماس شركته "بي آي بي" في عام 1991، ومنيت الشركة بخسائر فادحة في عام 2007، بعد أن أشار العملاء ومندوبي مبيعات الشركات المنافسة إلى أن الأثداء الاصطناعية الرخيصة يمكن أن تنفجر مسببة أضرارا صحية للمتلقيات، واعترف محامي ماس بأن موكله استخدم السيليكون غير المرخص لتحقيق" أهداف اقتصادية"، وانه ينتج الأثداء الغالية الثمن للنساء الثريات، والرخيصة لذوات الدخل المنخفض، وبحلول عام 2010، وبعد انفجار الأثداء لدى الآلاف من النساء، تم إغلاق الشركة نهائيا، وهرب ماس إلى كوستا ريكا. ويتداول الفرنسيون حاليا شائعات حول سيرته، منها انه مدمن خمر وقمار وانه مطلوب من قبل شرطة كوستا ريكا – التي هرب إليها بعد ذيوع فضيحته - بسبب مخالفات مرورية، وبعد عودته إلى فرنسا، اصدر الانتربول بحقه "مذكرة حمراء" للمثول أمام المحكمة، وإذا ما أدين فانه قد يتلقى حكما بالسجن لثلاث سنوات. وفي بريطانيا قررت وزارة الصحة إجراء مراجعة شاملة للأثداء الاصطناعية المتداولة في البلاد بعد أن أشارت العديد من النساء إلى إصابتهن بمتاعب صحية اثر تلقيهن تلك المنتجات. ومن هؤلاء أماندا هاريسون التي انفجر ثدياها الاصطناعيين بعد أربعة أعوام من زراعتهما لها. وعلى الرغم من أن طبيبها خفض أجرة إزالتهما (تبلغ عادة 3000 آلاف جنيه) إلا أنها مع ذلك ستضطر إلى دفع 1500 جنيه كنفقات تخدير وتنويم بالمستشفى، ومازالت هاريسون، البالغة من العمر 40 عاما، تعاني حتى اليوم بعد أن تسرب السيليكون إلى غددها الليمفاوية وكشف فحص إشعاعي عن إصابتها بأورام في عامودها الفقري. ولجأت جيما غاريت ملكة جمال بريطانيا لعام 2008 (30 عاما حاليا)، وطبيبة التجميل كاثرين كايد (39 عاما) إلى إزالة أثدائهن الاصطناعية أيضا بعد معاناتهما من آلام مبرحة. وتسعى الحكومة البريطانية جاهدة إلى طمأنة 50 ألف امرأة استخدمن المنتج الفرنسي، برغم الرعب الذي عم العالم جراء استخدامه، وقالت إنها ستجري أبحاثا مكثفة بهدف تزويد النساء بأفضل النصائح التي يمكن أن تضمن سلامتهن، وتشير التقديرات إلى أن دافع الضرائب البريطاني قد يتكبد 150 مليون جنيها لتسديد فواتير طبية خاصة بإزالة الأثداء الاصطناعية المعيبة من صدور أولئك النسوة.