الكثير من رجالات الاعلام، وخاصة من يعد أو يكتب في أي وسيلة إعلامية، نراهم يتعاملون بحذر كبير مع كل تنظيم مهني يحدد المفاهيم العامة والضوابط لكل عمل أو نشاط إعلامي، وينظرون إلى كل ذلك على أنه ضرب من تقييد الحريات وتكميم الأفواه. في كل دولة هناك أنظمة ولوائح تنظم العمل الإعلامي وتحفظ لكل حقه، وفي حالة التجاوز يتم الاحتكام إلى هذه الأنظمة وإيضاح مدى الالتزام بها من عدمه. لدينا في المملكة العربية السعودية سياسة إعلامية ونظام للمطبوعات والنشر، وآخر للمؤسسات الصحفية، وثالث لحماية حقوق المؤلف. بعض مواد نظام المطبوعات والنشر صدرت أوامر ملكية بتعديلها، وهذا التعديل في مراحله الأخيرة كي يدخل حيز التنفيذ، بما في ذلك مقدار المخالفات واللجان التي ستنظر فيها. على المستوى العربي، كانت هناك محاولات جادة، لعبت المملكة فيها دورا كبيرا، لإقرار ميثاق شرف إعلامي ينظم السياسات الإعلامية ويرسم منهجا واضحا يسترشد به رجال الإعلام ومؤسساته، مهما اختلفت انتماءاتهم. مما يؤسف له أن هذه المحاولات وجدت من يقف في وجهها ويفسرها على غير ما رسمت له، وانتهى بها الحال إلى الحفظ في أدراج الجامعة العربية على أمل أن يأتي من يحركها في المستقبل، وتتهيأ لها البيئة المناسبة للقبول والاعتماد. على الصعيد الإسلامي، صدرت في الأسبوع الماضي عن المؤتمر العالمي الثاني للإعلام الإسلامي، الذي عقدته في جاكرتا رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية الإندنوسية، (وثيقة الشرف الإعلامي للمؤسسات الإعلامية ووسائل الاتصال). هذه الوثيقة فيها من الوضوح والشفافية والواقعية ما أجزم أنه ليس جديرا بالتأمل فقط، وإنما بالاتباع والاسترشاد. جاءت هذه الوثيقة خلاصة ثلاثة أيام من أوراق العمل والكلمات لخبراء ومتخصصين في العمل الإسلامي الإعلامي، وفنونه من العالم الاسلامي، ومن خارجه استعرضوا فيها تجاربهم الطويلة، ومزجوا بين النظرية والتطبيق، وقدموا طروحات استشرفوا فيها واقع الأمة الإسلامية وما هي بحاجة إليه من نظرة واقعية للمستقبل الإعلامي وضرورة حتمية لمسايرة ركب التطور والتقدم مع الحفاظ على الثوابت. وثيقة الشرف الإعلامي الإسلامي اشتملت على مبادئ وأهداف عامة لهذا الإعلام، وأكدت على عدد من الحقوق، كما دعت إلى القيام بعدد من المسؤوليات ومنها التعريف بالإسلام وقضايا الأمة الإسلامية، ومواجهة الإلحاد والتيارات المسيئة للإسلام. ومن أهم ما عرضت له هذه الوثيقة واجبات رجال الإعلام المسلمين، وحددت ثمانية عشر واجبا من بينها عدم الإساءة إلى الخالق أو الرسالات، أو الرسل، والالتزام بالسبل المشروعة في الحصول على المعلومة وتجنب أي سبيل فيه عنف، أو ابتزاز، أو تهديد، أو إغراء، أو خرق لخصوصيات الفرد. في الجزء الثاني من هذه المقالة في الاسبوع القادم سأعرض إن شاء الله بشيء من التفصيل لنقاط التوافق في هذه الوثيقة مع ما لدينا من أنظمة إعلامية ومنها نظام المطبوعات والنشر، وهي نقاط كثيرة تؤكد سلامة المنهج الذي نسير عليه، وبما يحقق وينسجم مع تطلعات عالمنا الإسلامي الكبير.