شاركت هذه القصيدة في مهرجان الشعر العربي التاسع المنعقد ببغداد في قاعة الخلد 23 نيسان 1969. لملمْ جراحك واعصف أيها الثارُ ما بعد عار (حزيرانٍ) لنا عارُ وخل عنك هدير الحق في أذن ما عاد فيها سوى (النابال) هدّار وخض لهيب وغى لابد جاحمها يوماً، فإن بريق السلم غرّار إن تُحرق البغي.. تجلُ ذلّ موقفنا او تحترق.. فطريق الجنة النارُ عشرين عاماً ركبنا ظل قادتنا نطوي المتيهَ ونسري حيثما ساروا إن غرّبوا فمهب الخير غايتنا او شرّقوا فمدب الشمس مضمارُ حتى اذا اشتد عصف الريح واختلجت رؤى السفين، وغامت فيه اقدارُ لم تدر كيف تداري النوء (صارية) وكيف يدرأ عسف الموج (بحّار)!! ٭ ٭ ٭ ويا أخا الثأر لا يُقعدك أن يداً وراء جرحك تدري كيف تمتار تذوب فيه حناناً، وهي واغرة وتمسح الترب عنه، وهي أوضار إذا تجهم وجه الحرب وانقلبت على الضفاف معايير وأقدار دعتك للسلم.. كي تبقى (صنيعتها) في كفة النصر، معقوداً لها الغار وما درت أن نار الثأر يوقظها سلم - يقود خطى المغلوب - خوّار لا سلم حتى نرى (الأزدن) ترفده من الدم الحاقد المغرور أنهار ورمل (سيناء) يحكي أن من صُرعوا منا به أمس، في أرماسهم ثاروا يستقبلون خطى الباغين مدبرة ويطفئون لظاها وهي اوغار حتى إذا لم يلح من قيظها أثر وعاد للرملة السمراء (أيار) تفتقوا غصن زيتون بها خضلاً أرواحهم في شموخ منه أزهار ٭ ٭ ٭ ويا ثرى القدس لا تعبأ بقافلة أقدامها في التراب الطهر أقذار تمر فيك بطاءً وهي موقنة أن المخف بهذا الجمر صبار دعهم يعبون في (الأقصى) كؤوسهم وتستلذ لهم في (المهد) أسمار دعهم يحجون (للمبكى) (1) وما نسجت لهم عليه أساطير وأحبار فسوف يصحون يوماً واللظى حبب والخمر دمع - كلذع النار - مدرار في كل (حائط) (2) كهف، ضمهم زمراً مشردين، لهم (مبكى) وزوّار ماعودتنا (يهوذا) قبلُ أنهمُ صُبر لهم باصطناع المجد أدوار ولا تلألأ في التاريخ منعطف لهم عليه علامات وآثار لكنها ليلة لابد واجدة ضحى يفسر كيف استأسد الفار وكيف أصبح صيداً في حبائله جيش على الجبهات الغر جرار أضغاث حلم ثقيل سوف نعبره وما له غير هذا الجمر عبّار ٭ ٭ ٭ ويا أخا الثأر لا تجزع لأنهم قسوا عليك.. فإن الثأر إصرار في كل يوم لنا في حضن رابية بيت على أمل (الفادين) ينهار دعهم يعبون من أوداج فتيتنا دماً تنز به في المحنة الدار وليفْن جيل (أبي عمار) في وضح يقود فيه لدات الغيب عمّار وليحترق جيلنا الآتي على ضرم وقوده مهج حرّى وأعمار فإن فنينا، ولم نفلح، فإن لنا رملاً يهب به للحقد إعصار إنا لمن أمة تاريخ ثورتها يقول: حتى الصخور الصم ثوار خضنا الوغى، وامتلكناها، فما ارتعدت أرض فتحنا، ولا أقوى (3) لنا جار وحين دارت بنا الأيام دورتها واستعمرتنا طواغيت وأشرار مانام ظالمنا إلا على حسك ولا تنبه إلا وهو منهار ٭ ٭ ٭ وأنتمُ يا شواظ الحرف (4) متقداً ويا شذاه المندّى وهو نوار أسرجتم يأس هذا الجيل فاتقدت بليل أوهامه للفكر أقمار وشد آنافه في التيه معتكراً روض من الشعر في بغداد معطار من كل حقل عليه طائر غرِد وكل لون له في الشدو منقار بغداد داركم الأولى وليس لها إلاكم - ما استطال الدرب - ديّار و(المربد) (5) الخصب مازالت قصائدكم من ألف عام به تُجنى وتشتار (6) وأنتم نحن في الجلى.. وإن زعمت حدودنا السود: أنا بعد أغيار أعراس (وهران) في (الخرطوم) صاخبة وجرح (تونس) في (البحرين) نغّار و(القدس) عار طعمنا منه دجلتنا مرّاً، ومجت به في النيل أثمار 23/4/1969 ٭ ٭ ٭ مصطفى جعفر جمال الدين شاعر من العراق وأستاذ في جامعة بغداد. ولد في قرية (المؤمنين) بسوق الشيوخ من محافظة (ذي قار) سنة 1927م. التحق بالدراسة الدينية في الحادية عشرة من عمره، فدرس في النجف الاشرف علوم الادب والفقه واصوله وعلم الكلام والمنطق والفلسفة الإسلامية، التحق بكلية الفقه سنة 1958 وتخرج فيها حائزاً على (بكالوريوس) في اللغة العربية والعلوم الإسلامية. أكمل دراسته العليا بجامعة بغداد وحاز شهادة الماجستير في الشريعة الإسلامية بدرجة (جيد جداً) وشهادة الدكتوراه في اللغة العربية بدرجة (امتياز). اشتغل بالتدريس في مواد: النحو، والبلاغة، والعروض، والمنطق، وأصول الفقه في كل من كلية الآداب، وكلية الفقه، وكلية أصول الدين. في مدة تقرب من عشرين سنة. كتب الشعر في السادسة عشرة من عمره، ولكنه قليل الإنتاج، وشارك في مواسم الشعر ومؤتمرات الادب في بلده وفي البلدان العربية الأخرى. بدأ بنشر شعره عام 1972م باسم «عيناك واللحن القديم» في سلسلة ديوان الشعر العربي الحديث بوزارة الثقافة العراقية، ثم طبع له من المؤلفات المتنوعة «القياس حقيقته وحجيّته» وغيره من المؤلفات الفقهية وله كتب في النحو والشعر منها «البحث النحوي عند الأصوليين» و«الإيقاع في الشعر العربي من البيت الى التفعيلة». وفي عام 1415ه - 1995م صدر له «الديوان» عن دار المؤرخ العربي في بيروت والذي جمع فيه معظم شعره المنشور والمختار مع تقديم تجاوز مئة صفحة تحت عنوان «ملامح في السيرة والتجربة الشعرية» تلقي الأضواء الكاشفة على حياته وشعره. ٭ توفى عام 1416ه -1997م. بدمشق. (1) (2) المبكى او حائط المبكى: جدار السور لهيكل أورشليم المزعوم يقف اليهود أمامه نادبين خراب الهيكل. (3) اقوى القوم: افتقروا، أو فني زادهم. (4) الخطاب لأدباء العرب المجتمعين في مؤتمرهم ببغداد. (5) المربد: موضع في البصرة يشبه سوق عكاظ في الحجاز تجري فيه المفاخرة بين الشعراء، وقد اقيمت فيه احدى حفلات مهرجان الشعر ومؤتمر الأدباء العرب هذا. (6) اشتار العسل: استخرجه وجناه.