احتلت حادثة مدرسة "براعم الوطن" بحي الصفا بجدة المرتبة الثانية في تاريخ الحرائق المدرسية، وما نجم عنها من خسائر في الأرواح والإصابات وحالة الهلع والخوف السائدة، وذلك بعد أن احتلت المتوسطة 31 بمكةالمكرمة عام 2002م المرتبة الأولى بواقع 15 حالة وفاة لطالبات، فيما كانت تحتضن 890 بين طالبات ومعلمات، والتي أجبرت وزارة التربية والتعليم على الشروع في تطبيق أنظمة الأمن والسلامة بتعاون مع مديرية الدفاع المدني داخل منشآتها دون استثناء. وبدأت الخطة باستحداث الوزارة لإدارة الأمن والسلامة عام 2003 تقريباً، وتفعيل نشاطاتها على كافة الإدارات التابعة لها بالمناطق، وبرز نشاطها بنشر ثقافة الأمن والسلامة والبدء في تنفيذ مخارج للطوارئ داخل المدارس، وإشراك مديرية الدفاع المدني في القضية باعتباره الجهة المعنية بالسلامة التي نفذت عددا من الجولات التفتيشية على المدارس، وأصدرت مخالفات في حق من لم يلتزم بتعليماته. وهذا الإجراء لم يكن كافياً من دون تنسيق وتفعيل مستمرين، فما قيمة "طفاية حريق" دون تدريب، أو الكشف عن الأحمال الكهربائية دون أن يكون هناك صيانة دورية طوال العام، ثم ما قيمة تقارير تكتب عن مستوى السلامة في المدارس ولم نسمع يوماً عن إغلاق مدرسة واحدة؟.. هل يعني أن كل شيء في السليم؟.. طبعاً لا.! إدارات المدارس في القطاع الحكومي أخذت بعين الاعتبار كافة التوجيهات فيما يخص سلامة أرواح طالباتها، وشرعت هي الأخرى في تنفيذ خطة وهمية لإخلاء طالباتها بعد أن استكملت كل واحدة منهن مخارج الطوارئ والسلالم بواقع تجربتين في العام الواحد موزعة على فصلين دراسيين، بيد أن بقي الوضع كما هو عليه في عدد من المدارس التي لا يسمح لها المبنى بتطبيق ذلك على نطاق واسع وكما تتطلبه الخطة لضيق المبنى ورداءته. تقارير ميدانية مهملة! المشرفات القائمات على إدارة الأمن والسلامة بعضهن قمن بجولات تفتيشية على وسائل السلامة داخل المدارس، بما فيها وجود طفايات الحريق موزعة في كل طابق من طوابق المدرسة الواحدة، وانتهت جولاتهن برفع تقارير عن الأوضاع التي تعيشها بعض المدارس من عدم توفر مخارج للطوارئ وضيق المبنى والسلالم الداخلية له وتكدس الطالبات، إلاّ أنها تقارير مصيرية لم ترَ النور بعد ولم تحرك فيها التربية أي ساكن يذكر، في حين لم تقتصر جهودهن على الاكتفاء بتقرير واحد بل إعادة إشعار إدارتهن في المناطق بأكثر من خطاب يوضح حال الطالبات. الملتقيات التعليمية التي كثيراً ما تجمعنا بالمسؤولات في القطاع التعليمي لم تخل ولو لمرة واحد من شكواهن عن حال بعض المدارس التي يشرفن عليها، سواء على صعيد إداري أو إشراف. إسعاف طالبة في موقع الحادث ألقت بنفسها من الدور العلوي الواقع مختلف وبالنظر لحادثة مدارس "براعم الوطن" الأهلية بجدة التي خلّفت حالتي وفاة و46 إصابة من بينهن 5 حالات وصفت بالخطيرة لن تمر بسلام على الشارع المحلي، وستترك أثرها وبصمتها وربما تكثّف وزارة التربية والتعليم في هذا العام 2011م جهودها لتدريب منسوبيها على كيفية إدارة الأزمات داخل المنشأة، والتي تأتي متلازمة بخطة الإخلاء ووسائل الأمن والسلامة بذات الحدة التي فرضتها بشأن وسائل الأمن والسلامة عام 2003م بعد كارثة متوسطة مكةالمكرمة. صعود طالبات "براعم الوطن" إلى الطوابق العليا والى سطح المبنى لم يأت من فراغ، بل شاهد على تدريب مسبق على كيفية تعاملهن في حالة وجود سيول لا سمح الله والتي شهدتها مدينة جدة في العام الماضي ومطلع العام الحالي وراح ضحيتها المئات، وهي الكارثة الأخرى التي جعلت إدارة التربية والتعليم بمدينة جدة من تكثيف جهودها وتدريب كوادرها على اللجوء للطوابق العليا تفادياً للسيول في حالة سقوط الأمطار. السياج الحديدي الذي طوق به فناء المدرسة الخارجي والآخر الذي احتوى النوافذ بمدرسة "البراعم" زاد عمليات الإنقاذ تعقيداً أمام المتطوعين الذين حضروا قبل الدفاع المدني؛ في حين كان لدى طالبات "البراعم" الرغبة الملحة في النجاة من ألسنة النار الملتهبة، والإلقاء بأنفسهن من الطابق الثالث وفضلنه عن الوفاة حرقاً أو اختناقاً، وكان عدد منهن القين بأنفسهن بعد أن بادرت المعلمة "ريم النهاري" وألقت بنفسها لتجد حتفها بعد أن أنقذت طالبات فصلها اللاتي هن من الروضة. ولعل الطالبة "رزان النجار" - 14 عاماً- التي تحدثت لوسائل الإعلام بشقية المحلي والدولي عن كيف قفزت دون أن تجد مخارج الطوارئ، وأكدت في حديثها عن خلو مدرستها من مخارج الطوارئ والتي تضم 900 طالبة تقريباً. المباني المستأجرة كارثة مدرسة "براعم الوطن" الأهلية للبنات بجدة قابلة للتكرار في أي لحظة داخل الصروح التعليمية المستأجر، والبالغ عددها سبعة آلاف مبنى مستأجر -بحسب تصريح للمشرف العام على وكالة المباني بوزارة التربية والتعليم م.فهد بن إبراهيم الحماد أواخر العام الماضي-، حيث أكد على ارتفاع نسبة المباني المستأجرة خلال العامين الماضيين إلى ما نسبته 10% معتبرها تزيد من التحديات أمام خطط الوزارة لإحلال المباني الحكومية، معزياً تلك الزيادة نتيجة تأخر تنفيذ بعض المشروعات المخطط لها؛ نتيجة الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار مواد البناء في فترات سابقة. وأضاف أن هذه الزيادة تمثل تحدياً أمام الوزارة لتنفيذ خططها للتخلص من المباني المدرسية المستأجرة، مؤكداً على أن الوزارة ستتمكن من التخلص من 60% من المباني المدرسية المستأجرة خلال ثلاث سنوات، وهي تمثّل المدارس التي يمكن التخلص منها، بينما سيتبقى ما نسبته 40% من المدارس المستأجرة لا يمكن التخلص منها، وتشمل المدارس التي يدرس فيها 50 طالباً فأقل، موضحاً أنه سيكون لهذه المدارس حلول أخرى، حيث تعاقدت الوزارة مع مكاتب استشارية لدراسة الموضوع. طفلة تبكي خوفاً وإنسانية أم تواسيها وتهدىء روعها توثيق الحدث المدارس المستأجرة باتت قنبلة موقوتة في وجه الطالبات في أي لحظة وتحت أدنى خلل ستنفجر بدون رحمة ولا سابق إنذار -على حد وصف معلمات في مدينة جدة، حتى وإن كانت مزودة بوسائل السلامة-؛ لكون واقع الحال يؤكد ضيق ممرات المباني المستأجرة وسلالمها. المعلمات رفضن التصريح لأي جهة وظهورهن على وسائل الإعلام؛ خشية من ردة فعل إدارة التربية والتعليم والتي كان لهن تجارب سابقة، وفتحت ملف التحقيق على من تدلي بأي معلومات وإصدار لفت نظر بحقها؛ مما جعلهن يلتزمن الصمت وعدم الحديث وإثارة أي قضية تمس التعليم في ظل واقع مرير، واكتفين في حادثة "براعم الوطن" من تبادل ونشر (البرود كاست) عبر تقنية "البلاك بيري" تحت مسميات مستعارة تناولت واقع الحادثة بالصور وأسماء الطالبات المفقودات من ذويهن، ورسائل وتعليقات بالغة التأثير. وزارة التربية وفي الوقت الذي كان الشارع التعليمي بجدة ينتظر تحركات عاجلة من وزارة التربية والتعليم لتفادي الوقوع في كارثة "براعم الوطن" المنكوبة، وتحريك طاقمها الإشرافي المختص بشأن الأمن والسلامة؛ للوقوف على المدارس المستأجرة، ورصد واقعها وتقديم الإرشادات الوقائية حول كيفية التعامل في حالات الحريق وإدارة الأزمة؛ توجهت مشرفة من الوحدة الدينية بالوزارة صباح الأحد لإحدى مدارس البنات الابتدائية بحي الفيصلية وألقت محاضرة عن "أهمية العمل"!. تعاطي وزارة التربية والتعليم مع وسائل الإعلام عن حادثة مدرسة جدة لم يصل إلى المأمول؛ في حين اكتفت الأستاذة "نورة الفايز" -نائبة وزير التربية والتعليم للبنات- بالقول بأنها وُجهت من قبل الوزير للاطمئنان على حالة المصابات، وهذا كل ما يعنينا الآن، ولا يمكننا أن ندلي بأي تصريحات إلاّ بعد تسلُّم تقرير الدفاع المدني والجهات المختصة، وذلك بعد زيارة خاطفة لمبنى المدرسة المنكوبة، وجولة على المصابات داخل المستشفى. الميزانية التي تصرفها الدولة مشكورة على العملية التعليمية والتي شكّلت وزارة التربية والتعليم أعلى نسبة بين وزارات الدولة لم نجد حراكاً مميزاً على أرض الواقع يناسب حجم تلك الإنفاقات!، ويبقى أولياء أمور الطالبات على سباق مع القلق تجاه مصير بناتهن في ظل وجود المباني المستأجرة!. معلمات وأمهات في حالة ذعر من الحادث