حكايات الابتزاز الموجهة ضد النساء والتي بتنا نسمع عنها بكثرة وتنقلها بعض وسائل الإعلام , هل هي أمر طارئ نبت من الفراغ كنبت الكمأة ؟ أم أنها امتداد يعكس الحيز الذي تشغله النساء في الثقافة المحلية , حيز الفريسة المستلبة العاجزة عن التصدي للمتربصين وردع المتحرشين؟! تولد الأنثى وهي متأبطة خطيئتها أو جسدها , الذي يشكل مأزقا لها ولمحيطها من خلال الحيز الذي يشغله , والمكان الذي يتحرك فيه ومدخل الحريم، ومدخل الرجال , والملابس والأردية التي تغطيه , وحجم مايُغطى ومساحة ما يظهر ,جميع هذا التجييش والاضطراب ضد جسدها يمرر لها رسالة خفية مبكرة عن أنها تحمل حملا مكلفا مجهدا ولكنه ايضا حمل منتقص ومخذل وجالب للعار لمحيطه ولابد أن يسلّم قياده أو لجامه إلى أقرب وصي ليقوم ويتكفل بجزء من ايصاله إلى حرملك السلام. فالمرأة أسيرة وعي يكرس وجود عيب خلقي وضعف متأصل فيها يجبرها على الانضواء تحت مظلة حماية ووصاية ذكورية . كما أنها في الحقيقة غير قادرة على حماية شيء لاتحترمه ولايحقق لها مكانة محترمة في محيطها . هذا الموضوع يجعل مفهوم الشرف والعفة والفضيلة ملتبسا مزدوجا لدى بعض النساء فجميعها ليست خيارا ذاتيا يخرج من تمام إرادتها ويدرعها بالقوة والحصانة التي تجعلها قادرة على ردع ذوي النفوس المريضة واللزجين والمتصابين والمهرجين !! وإيقافهم عند حدودهم مع سوقهم جبرا على احترام أبعادها الإنسانية , هي عاجزة عن الوصول إلى مشارف هذا الوعي ومطوقة بالوعي التقليدي عنها وعن جسدها. لذا فحكاية الابتزاز هي نتيجة ولم تظهر فجأة من الهباء أو هي أمر طارئ جلبته لنا (قوى خارجية عميلة ) بل هي محصلة طبيعية عندما تطوق النساء بسياج النعاج عندها بصورة تلقائية يستشرس صاحب النفس الدنيئة ويتحول إلى ذئب . والمتقصي لحالات الابتزاز على الغالب تكون بدأت عبر حاجة لدى المرأة في معاشها اليومي استغلت وهي تحاول أن تصل إليها في درب الدوائر الرسمية والإدارية , وهو مع الأسف درب غامض ومظلم (بالنسبة لقلة خبرتها) وليس هناك من قوانين وأنظمة تضبطه وتنظمه وتسهل اجراءته وأوراقه , عندها تلجأ لقول المتنبي: لا خيلَ عندك تهديها ولامال فليحسن النطق إن لم تحسن الحال والنطق الحسن المغلف بالضعف الأنثوي المحتاج هو المدخل الذي تلجأ له بعض النساء لقضاء حاجتهن , وإن كان هذا يجدي مع أصحاب الشهامة والمروءة من الرجال , ولكنه أيضا قد يوقظ الذئب المتواري في أعماق أصحاب النفوس الدنيئة , كما في عشرات الحكايات التي نسمع عنها وآخرها هي الحكاية التي أشارت لها جريدة الوطن قبل أسبوعين عن المسؤول في إدارة التعليم الذي يبتز راغبات الوظيفة ويستغل منصبه لخداعهن ومحاولة استغلالهن . الحيز الذي تشغله المرأة لدينا يسهم بشكل وافر في ترسيخ صورة منتقصة ضدها ,ولاتحمي خروجها للفضاء العام أو انخراطها في سوق العمل كفرد عامل ومنتج ومسهم في التنمية الاقتصادية للوطن . أعتقد أنه لابد أن يرافق جميع التحركات المتعلقة بتمكين المرأة وإشراكها كفاعل أساساي في سوق العمل , غطاء تشريعي يحميها ويؤمن لها ممارسة أدوارها الوظيفية بكل سلاسة عبر قوانين ضابطة ورادعة ضد المتحرشين والمتربصين , لابد أن يكون هناك قنوات واضحة وسهلة مؤمنة لها عند مراجعتها لشؤونها الخاصة في الدوائر الرسمية , لابد أن تتبنى جهة حكومية رسمية تفعيل هذه القضايا على المستوى العدلي , ومن هنا بالتحديد يعاد رفع المطالبة الملحة بجميع ماسبق أن طالبت به النساء , وهو (وزارة للمرأة) تعنى بشؤونها وقضاياها في جميع المجالات , فهذا من شأنه أن يخلق فضاء ثقافيا عاما يحترمها ويقدر مواهبها وقدراتها المغيبة والمقصاة..