لا أعرف عن طبيعة التدريب الذي يقدم إلى البائعات اللواتي نزلن مؤخرا إلى سوق العمل, وهل تطرق في جزء منه إلى الدعم النفسي الذي يجعلهن قادرات على مواجهة الكثير من الضغوطات والتحديات التي تنتظرهن ميدانيا, أم أنه اقتصر على الإجراءات العملية حول التعامل مع الزبائن أو فرز البضائع مثلا؟ وتأتي أهمية احتواء الدورات التدريبية على نوع من الدعم النفسي والتوعية كون هذه التجربة التي ولدت بعد مخاض صعب بحاجة إلى تكاتف عدة جهود لحمايتها وترسيخها وغرس قيم العمل وأهميته في وعي النساء الحديثات العهد بسوق العمل لعدة أسباب منها أنه قد يكون هناك نوع من الاحساس بالذنب في أعماق بعضهن مع ازدواجية في المواقف ما بين المثال ومرارة الواقع ومتطلبات الظروف ومقتضيات الحاجة نتيجة عدد من الفتاوى التي ترفض خروجهن إلى العمل, ( بل إن أحد القراء أرسل لي أن أموالهن ليست حلال ) وما بين وعي جديد بات يحتم عليها أن تستثمر قدراتها وطاقاتها بشكل يخلصها من الاتكالية الاقتصادية وحالة الإعالة التي تطارد الكثير من الأسر المستورة, بالطبع هذا الحصار من الممكن أن يولد في أعماقهن ازدواجية وصراعا لا يمتلكن الوعي الكافي لحسمه. أيضا على الرغم من أن النساء في السابق كن يشغلن حيزا كبيرا في الأسواق الشعبية سواء كبائعات أو حرفيات, ولكن حالة الانقطاع التاريخي بينهن وبين الفتيات في الوقت الحاضر نتيجة تغيب نمط الانتاج وتحوله إلى اقتصاد ريعي دمر الكثير من تلك الفعاليات الاقتصادية, حيث غيب النمط الاقتصادي الريعي في وقتنا الحاضر نموذج المرأة المشاركة في السوق من الذاكرة, وبالتالي عندها تصبح الطريق غير المطروقة سابقا غامضة ومحفوفة بالصعاب. - أيضا في نفس السياق الجهات المعنية عليها قدر كبير من المسؤولية الإجرائية بحيث لا تكتفي بقرار تأنيث بيع الملابس بمعزل عن كثير من الترتيبات المرادفة لدعم القرار فلابد أن:- - يكن على وعي كامل بالقوانين والأنظمة العمالية بما لهن وبما عليهن, وعن مرجعيتهن القانونية ضد المتطفلين ومن يحاول أن يستغل ضعفهن لفرد عضلاته الاحتسابية. - تسن قوانينا صارمة ضد محاولات التحرش والاستغلال والابتزاز لأن الفتاة التي نزلت إلى سوق العمل بخبرة محدودة لم تطور أدواتها الحادة بعد لردع ضعاف النفوس وغائبي المروءة, والعادة في دول العالم يكون هناك منظمات نسوية نشطة أو وزارة تعنى بشؤون المرأة والطفل من شأنها أن تنسق مع الجهات التشريعية لسن قوانين تحمي النساء في نطاق العمل, ولكن في وضعنا الحالي لابد أن ينظر المسؤول بعين الأهمية القصوى إلى هذه القضية. - لابد أن يتم توفير الدعم اللوجستي لهذه التجربة بتوفير المواصلات والحضانات وما سوى ذلك! ففي ظل غياب المواصلات العامة الآمنة من الممكن أن تشكل المواصلات مأزقا يتربص بتنقل العاملات ويجهض حماسهن بل والتجربة بكاملها. - في النهاية من الصعب أن نترك تجربة النساء الجديدة الهشة في سوق العمل خاضعة للأنواء والرياح وتقلبات الطقس, وشراسة السوق وخلفياته المتربصة, ولابد أن يكون هناك عمل رسمي جاد ومتصل للحدب على هذه التجربة وحمايتها وإزالة الصعوبات عن طريقها.