جميعنا يعرف ان التزاوج بين الاقرباء له محاذير طبية ليس أقلها ضعف العقل وانحطاط النسل وضآلة الجسم على مدى أجيال طويلة.. وفي ذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "اغتربوا لا تضووا" وكذلك "لاتنكحوا القرابة القريبة فان الولد يخلق ضاويا". وفي المقابل ثبت ان التزاوج بين المتباعدين ليس فقط نافعاً في تقوية النسل بل وفي ازدياد نسبة الاذكياء والمبدعين بين المواليد الجدد... وضمن دائرة أوسع وجد ان التزاوج بين الأعراق المختلفة ساهم فعلاً في رفع أو هدم الحضارات والثقافات المحلية.. فكثير من علماء الاجتماع مثلا يعتقدون ان التمازج بين شعبين متماثلين (في العرق والثقافة) يفرز نتائج إيجابية وطفرة حقيقية في صحة وذكاء النسل الجديد، في حين أن التزاوج بين شعبين مختلفين عرقياً وثقافياً ينتهي بانحلال الطرفين (كموجتين متصادمتين) وظهور عرق ثالث هجين لا يملك هوية أو ثقافة واضحة... ويستشهد الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون بالتزاوج الإيجابي الذي حدث بين الشعوب الأوروبية (المتشابهة في العرق والثقافة) في أمريكا الشمالية وأثره في ظهور جيل رائد بنى دولة متقدمة كالولايات المتحدة.. وفي المقابل يضرب مثلاً بالاختلاط الذي تم بين الأعراق المتباينة في أمريكا الجنوبية (بين الاسبان والهنود والزنزج) وكيف تسبب بظهور عرق جديد "مشتت الثقافة مشوش الذهن" رغم ان كلتا المجموعتين استقرتا في القارة الجديدة في نفس الوقت. ويساند لوبون في هذا الرأي عالم الاجتماع "اغاسيز" الذي يقول صراحة : إن من زار البرازيل لايستطيع إنكار التدهور الناجم عن التوالد بين الأعراق والثقافات المختلفة وكيف محا هذا الاختلاط عناصر التفوق لدى البيض والسود والهنود على حد سواء وخلف نسلاً هجيناً يصعب تصنيفه عرقياً أو ثقافياً (...وفي المقابل قد تمر قرون طويله قبل ان تنصهر الأعراق المتباينة وتتوحد الثقافات وتتبلور أمة ذات معالم واضحة وهوية خالصة)!! ومن العجيب ان ابن خلدون تنبه إلى هذه الظاهرة حتى داخل الأمة نفسها؛ فهو يرى ان اكتمال المجتمع المدني يصحبه بالضرورة التمازج العرقي والرخاء المادي وهذان العنصران بالذات هما مايتسببان لاحقا بالانهيار الحضاري. وحين يصل المجتمع المدني لهذه المرحلة يظهر جيل أكثر تشددا وتماسكا من ناحية العرق والهدف جل أهله من مهاجري الأرياف والبوادي (....) ... ومن وجهه نظر خاصة أرى أن وحدة العرق والثقافة أمران أساسيان لبناء أي حضارة جديدة .. فوحدة العقيدة والعرق أتاحت للعرب مثلا – بعد ظهور الإسلام – اكتساح الأمم الأخرى في وقت قياسي.. كما أن وحدة العرق والهدف هي التي جعلت شعبا أميا كالمغول يسيطر على أمم أكثر منه رقياً وتحضراً .. وفي عصرنا الحاضر نلاحظ أن الأمم التي كان لها دور مؤثر في المئتي سنة الأخيرة هي تلك التي انصهر شعبها في قالب واحد وتوحدت أفكاره وطباعه في مظهر واضح؛ فالانجليز في القرن التاسع عشر واليابانيون في القرن العشرين من الشعوب القليلة التي تعود في أصلها إلى "قبيلة" واحدة وثقافة خالصة.. وفي المقابل يخف العنفوان وتخور الهمم بعد اختلاط العرق المؤسس بالأعراق والثقافات الأخرى حيث تتآكل الهوية ويقل الولاء للوطن الأم كما حدث في المناطق العربية بعد الفتوحات الإسلامية، وكما يحدث حالياً في جميع الدول بفضل العولمة وسهولة الاحتكاك بالثقافات والأعراق الأخرى.. وحين نتأمل الوضع السياسي للإمبراطوريات والدول العظمى نلاحظ أن اختلاط الأعراق وتباين الثقافات – وليست الحروب أو الصواريخ النووية – هي وراء تفكك الامبراطورية الاسبانية في أمريكا الجنوبية، والامبراطورية البريطانية في آسيا وافريقيا، والاتحاد السوفييتي بمجرد ارتخاء القبضة الماركسية لموسكو.. ... وبناء على كل ماسبق: هل نقول إن العالم العربي في سبيله للتفكك (مالم يكن قد تفكك بالفعل) بسبب اختلاط الأعراق وتباين الثقافات وضياع الهدف؟ وهل طغيان العمالة المهاجرة في دول الخليج سينتهي مستقبلا بظهور ثقافة مشوهة وأجيال هجينة ودولة عربستان!؟ وهل يعني كل هذا أن شعوب العالم (بفضل العولمة وسهولة السفر والتسطح المعرفي) ستتوحد في المستقبل القريب في ثقافة عالمية مشتركة ... وفي المستقبل البعيد في عرق عالمي هجين يتشابه في الملامح والصفات!!؟ ... سأترك الإجابة لكم حتى حين ...