تعقيباً على ما طرحه عدد من الاستشاريين والمتخصصين في شئون المياه حول قضية الاستنزاف الجائر لمخزون المياه، يطرح اليوم الجيولوجي واستشاري المياه الأستاذ عبدالله بن عبد الرحمن الحميِّن رأيه حول الانحراف الجائر من وقف زراعة القمح الى زراعة الأعلاف وتصدير منتجات تعتمد على المياه مثل العصائر والألبان والمياه المكررة والتمور وقد استهل حديثه قائلاً: استمراراً لما سبق وأن كتبت عن المياه والاستنزاف الجائر لها في (الرياض الاقتصادي) بصحيفة الرياض وغيرها من الصحف المحلية وكتب عدد من المتخصصين في قطاعي المياه والزراعة وغيرهم مما يدل على مدى تفاعل المواطن مع هذا المورد الحيوي الهام وأقدر ما يكتبه بعض الزملاء المتخصصين في القطاع الزراعي وغيرهم وإن كان البعض منهم يلقون باللوم على ما يسمونه بلوبي المياه لأنه في نظرهم هدفه الحد من الزراعة والقيام بحملة إعلامية لإظهار الوجه القبيح للزراعة من حيث استهلاك المياه وكذلك تحجيم القطاع الزراعي دون أسس فنية مبنية على حقائق علمية دقيقة عن المخزون المائي كما أن من يسمونهم بلوبي المياه في نظرهم وحسب ذكرهم ليس لديهم ما يضيفونه من معلومات جديدة مبنية على دراسات علمية حديثة تحدد كمية المياه الجوفية في التكوينات الرئيسية والثانوية وكل ما لديهم هي المعلومات المعروفة التي يتم ترديدها في جميع المناقشات واللقاءات التي مفادها بأن هذه المياه تكونت قبل عشرات الآلاف من السنين وهي غير متجددة ومن الضروري المحافظة عليها، ويرون أن القمح بريء من تهمة الاستنزاف وتعرض لحملة شرسة لإيقاف زراعته التي تم استبدالها في عدد من المواقع بزراعة وإنتاج محاصيل أخرى أكثر استهلاكاً للمياه. لا يختلف اثنان أن المملكة العربية السعودية شهدت في العقود الثلاثة الماضية نهضة في جميع المجالات بفضل الله ثم بفضل القيادة الرشيدة لهذه البلاد وإن كانت هناك بعض النتائج التي ظهرت آثارها العكسية في قطاع من القطاعات التي أصلاً مقومات الاستثمار فيه بالدرجة التي شهدها ليست متوفرة بالمملكة وهو القطاع الزراعي حيث ان من المعلوم أن مقومات هذا القطاع الأساسية هي المياه والتربة واليد العاملة فالمياه المقوم الأساسي لهذا القطاع غير متوفرة بالدرجة التي تتماشى مع ولو جزء مما شهده القطاع من نهضة كبيرة أدت إلى استنزاف كميات كبيرة من المياه نتج عنه هبوط في مستوياتها ومطالبة بالحد من الزراعة محافظة على المياه حيث تعتبر المملكة من أكثر دول العالم فقراً مائياً. يقدر ما تم استنزافه من المياه من الطبقات الرسوبية التي تمت دراستها في الوقت الحاضر من قبل وزارة المياه والكهرباء ضمن الخطة الوطنية للمياه بحوالي 460 مليار متر مكعب من المياه وهذه الكمية من المياه تعادل حوالي ثلاثة أضعاف سعة التخزين الكلية لبحيرة ناصر في جمهورية مصر العربية والتي تعد أكبر بحيرة صناعية في العالم حيث تبلغ سعتها التخزينية الكلية 162 مليار متر مكعب وطول البحيرة 500 كيلو متر ومتوسط عرضها 12 كيلو مترا وعمقها 180 مترا ومساحتها حوالي 5250 كيلو متراً مربعاً وهذه الكمية من المياه تكفي لأغراض الشرب والأغراض البلدية فقط أكثر من 200 سنة حسب استهلاك المملكة من المياه في الوقت الحاضر. أثر استنزاف هذه الكمية الهائلة من المياه خلال العقود الثلاثة الماضية على مستويات المياه في الطبقات المائية غير المتجددة الرئيسية والثانوية. القطاع الزراعي أو المهتمون بالقطاع الزراعي يريدون معلومات ونتائج للخطة الوطنية للمياه والتي تنفذها وزارة المياه والكهرباء والتي يرون أن نتائجها قد تأخرت كثيراً ليمكن أن يبنى عليها إستراتيجيات زراعية مستقبلية وأنه بدون هذه النتائج فإن هناك تحاملا على القطاع الزراعي المستهلك الرئيسي للمياه من قبل من يسمونهم بفوبيا المياه أو بلوبي المياه. لا شك أن نتائج الخطة الوطنية للمياه ضرورية ومهمة للتخطيط الإستراتيجي المستقبلي وأتمنى أنها لا تتأخر أكثر مما تأخرت ولكن أجد من واجبي الوطني كمطلع على أوضاع المياه في المملكة والتي عايشتها أكثر من 32 سنة من خلال العمل بقطاع المياه بالجهاز الحكومي ثم من خلال عملي حالياً كاستشاري مياه أن من واجبي أن أوضح أن جميع طبقات المياه شهدت هبوطاً كبيراً في مستويات المياه وأرغب أن لا أدخل في شرح إنشائي طويل لكل الطبقات حتى لا يقال إن ما لدى المتخصصين بالمياه هو كلام يردد فقد رغبت وضع رسوم بيانية مبسطة وجداول توضح مستويات المياه في بعض آبار المراقبة للطبقات الرئيسية الحاملة للمياه في مناطق المملكة وكيف كانت مستويات المياه في سنوات محددة وماضية وما وصلت إليه في السنوات اللاحقة ليحكم القارئ هل ننتظر وزارة المياه والكهرباء لتوضح نتائج الخطة الوطنية للمياه ليتم الاستناد إليها للقطاع الزراعي وغيره من القطاعات مع أن هذا هو الصحيح لو كانت هذه الخطة منتهية ولكن مع استمرار وتواصل هبوط مستويات المياه لا يمكن الانتظار لأن بعض مستويات المياه قاربت الوصول لقيعان المتكون مثل عضوي العلاة والخبر بمتكون الدمام. معدل الهبوط في مستوى المياه في خزانات الطبقات الرئيسية خلال الأعوام المختلفة أتفق مع بعض طرح الإخوة المهندسين الزراعيين من أن قرار إيقاف زراعة القمح أدى إلى استنزاف المياه والسبب استبداله وبكل أسف بزراعة الأعلاف وغيرها وهي مستهلك كبير للمياه لأنها تزرع طيلة العام إضافة للتوسع في الزراعات الأخرى المستهلكة للمياه كالنخيل والبطاطس والتي وبكل أسف تتولى جزءا كبيرا منها عمالة وافدة تقوم باستئجار المزارع ولا تهمها المياه والمحافظة عليها. إن الأعلاف والتوسع بزراعة النخيل والبطاطس والزيتون الذي أصبح ينافس المزروعات الأخرى وكذلك صناعة الألبان تستنزف كميات كبيرة من المياه ولا شك أن زراعة القمح فيها استنزاف كبير للمياه لكن إذا كان سيستبدله المزارعون بالأعلاف فهذا خطره أكبر. لنعد بالذاكرة لسنوات خلت عندما وصل إنتاجنا من القمح 4,5 ملايين طن في العام بينما كان احتياجنا من القمح أقل من نصف الكمية وكنا نصدر الباقي لذا لابد من أن نعيد حساباتنا لمنتجاتنا الحالية من الأعلاف والعصائر والألبان والمياه والتمور والتي يصدر جزء منها إلى خارج المملكة والرجوع عن الخطأ فضيلة وخير وأفضل من الاستمرار فيه ثم الندم في وقت لا ينفع فيه الندم. إذا استمرت المياه دون قيمة في دراسة الجدوى الاقتصادية لأية مشاريع صناعية أو زراعية تعتمد على المياه وعدم فرض رسوم على ما يُصَدر من المنتجات التي تعتمد على المياه في إنتاجها وكذلك عدم فرض إجراءات للحد من استنزافها فسيستمر الاستنزاف ووالله أننا محاسبون أمام الله عن إهدار هذه الثروة التي تشاركنا الأجيال القادمة فيها. أرى أننا في حاجة إلى قرارات جريئة تضمن استمرار منشآتنا الصناعية والزراعية مثل صناعة الألبان واللحوم والمحافظة قدر الإمكان على مخزوننا المائي من خلال استيراد الأعلاف من الخارج ووقف زراعتها نهائياً والحد من التوسع في الصناعات والزراعات المستهلكة للمياه وقد ذكرت بعضاً منها أعلاه. * جيولوجي واستشاري مياه