اقترحت دراسة اقتصادية حديثة حول «تأثير قرار إيقاف زراعة القمح على المزارعين»، أن تشتري الدولة كل الأراضي المخصصة لزراعة القمح في المملكة وتحويل ملكيتها لمصلحة قطاع المياه، وذلك ضمن آلية واضحة تم اقتراحها تشمل تعويضاً نقدياً مباشراً تصل قيمته إلى10 بلايين ريال، إضافة إلى جزء يتجاوز هذا المبلغ عبارة عن أسهم لمزارعي القمح في شركة للاستثمار الزراعي الدولي. وكشف رئيس اللجنة الزراعية في غرفة الرياض سمير قباني في حواره مع «الحياة» : أن «حجم التعويضات التي يطالب بها المزارعون منذ بدء سريان قرار إيقاف زراعة القمح قبل ثماني سنوات وحتى الآن بلغ نحو 3.5 بليون ريال تقريباً». وقال: «إن الفريق البحثي المشارك في الدراسة التي قامت بها اللجنة بالتعاون مع مكتب استشاري متخصص، قدمت ثلاثة مقترحات مختلفة، لكل منها آليات عدة لأسلوب التعويض وهي: رفع سعر شراء القمح من المزارعين للفترة المتبقية من القرار ليصل إلى 2000 ريال للطن، أو اتباع آلية لإيقاف زراعة القمح تعتمد على تصنيف المزارعين بحسب حجم الإنتاج الذي تتبعه المؤسسة العامة للصوامع، أو إنشاء شركة مساهمة تقوم بشراء المعدات الزراعية لمحصول القمح من المزارعين لإعادة الاستفادة منها خارج المملكة، أو إعفاء المزارعين الذين يتوقفون عن زراعة القمح من الديون والأقساط المتبقية من القروض». ... وهنا نص الحوار: ما أهم المواضيع التي ركزت عليها الدراسة التي قامت بها اللجنة؟ وما أهم توصياتها؟ - أعدت اللجنة دراسة ركزت من خلالها على الآثار العكسية لقرار إيقاف شراء القمح المحلي، والتعويضات المناسبة المقترحة لمزارعي القمح السعوديين. وقام بإعدادها مكتب استشاري متخصص، وأشرف عليها فريق عمل من اللجنة الزراعية، وتحملت التكاليف مشكورة الغرفة التجارية الصناعية في الرياض. أما بخصوص توصيات تقرير الدراسة فقدم الفريق البحثي للدراسة ثلاثة مقترحات مختلفة، لكل منها آليات عدة لأسلوب التعويض منها: 1- رفع سعر شراء القمح من المزارعين للفترة المتبقية من القرار ليصل إلى 2000 ريال للطن. 2- اتباع آلية لإيقاف زراعة القمح تعتمد على تصنيف المزارعين بحسب حجم الإنتاج، الذي تتبعه المؤسسة العامة للصوامع. 3- إنشاء شركة مساهمة تقوم بشراء المعدات الزراعية لمحصول القمح من المزارعين لإعادة الاستفادة منها خارج المملكة. 4- إعفاء المزارعين الذين يتوقفون عن زراعة القمح من الديون والأقساط المتبقية من القروض. ما الأضرار المتوقعة على المزارعين من جراء وقف زراعة القمح وفقاً لما جاءت به الدراسة؟ - من حيث الأضرار المتوقعة أكدت الدراسة أن تأثير وقف زراعة القمح سيتركز على عدم قدرة المزارعين على سداد القروض، وعلى الدخل الإجمالي لهم، وعلى الأنشطة التجارية والاقتصادية المرتبطة بهذا المحصول من صيانة وقطع غيار المعدات وتجارة مدخلات وأنشطة تجارية وعقارية مختلفة تنشط في تلك المناطق، ويستفيد منها سكانها نتيجة المردود الاقتصادي للقمح. كذلك الآثار المتوقعة على محاصيل أخرى ينتجها المزارع مستفيداً من دخله من القمح ويعتبرها مكملة لزراعة القمح، كما أشارت الدراسة إلى الآثار المتوقعة على البطالة، خصوصاً في بعض المناطق التي تعتمد في الأساس على زراعة محصول القمح والأعلاف بشكل رئيسي ولا توجد لديهم الإمكانات الفنية والخبرة التسويقية للتحول إلى زراعة محمية، إضافة إلى الخسارة المترتبة على آليات وتجهيزات زراعة محصول القمح التي تعتبر تجهيزات باهظة الثمن. كم حجم التعويضات المتوقعة للمزارعين؟ - بخصوص القيمة المباشرة للتعويض اقترحت الدراسة تخصيص 2000 ريال تعويضاً عن كل طن من الإنتاج المتوقع من المزارع، مضروباً في عدد السنوات التي بدأ إيقاف الزراعة فيها منذ بداية العام الأول وفترة السنوات الثماني الأخيرة، وقدرت قيمة هذا الشق بنحو 3.5 بليون ريال تقريباً. هل هناك اقتراحات أو حلول أخرى تراها الدراسة لتعويض المزارعين جراء الخسائر التي تعرضوا لها؟ - هناك اقتراحات أخرى من أهمها أن تقوم الدولة بشراء كل الأراضي المخصصة لزراعة القمح في المملكة وتحويل ملكيتها لمصلحة قطاع المياه، وذلك ضمن آلية واضحة تم اقتراحها تشمل تعويضاً نقدياً مباشراً تصل قيمته إلى10 بلايين ريال، إضافة إلى جزء يتجاوز هذا المبلغ عبارة عن أسهم لمزارعي القمح في شركة للاستثمار الزراعي الدولي. وهل هناك بدائل أخرى للمزارعين غير زراعة القمح؟ - البدائل الحالية لمزارعي القمح لا تزال جيدة بالنسبة إليهم، إذ يمكنهم التحول إلى إنتاج الخضراوات والفاكهة واستخدام التقنيات الحديثة في الري، والتوسع في الزراعة المحمية والزجاجية، لأنها تعطي معدلاً عالياً للإنتاج مقارنة بكل متر مكعب للمياه، وهذا هو التوجه المستقبلي والمستدام والذي تدعمه وزارة الزراعة، من خلال ما تقدمه من دعم أو من خلال صندوق التنمية الزراعية أو وزارة المياه التي تعطي التصاريح لحفر الآبار وتطبق القرار السامي في ما يتعلق بقواعد ترشيد المياه وحفر الآبار. فيجب ألا ننسى أن القطاع الزراعي في المملكة يعتبر أحد أهم وأكبر القطاعات وأكثرها حيوية، ويعتبر ثاني أكبر قطاع زراعي عربي من حيث الناتج المحلي بعد مصر، ويتجاوز حجم الاستثمار فيه 80 بليون ريال، وهو غني ومتنوع وليس فقط نباتياً وتحديداً من القمح، فهناك صناعة الألبان ومنتجاتها، والدواجن، والأعلاف، ومنتجات التمور لأكثر من 20 مليون نخلة في المملكة، إضافة إلى الصناعات الغذائية التي تعتمد على عدد مهم من المحاصيل الزراعية، وهذه ما زال مجالها كبيراً وواعداً. فالزراعة المستدامة هي جزء أساسي وركيزة من ركائز التنوع الاقتصادي والإنتاجي الوطني، وتحويل مناطق الأطراف في المملكة بخاصة القرى والهجر إلى مناطق جذب واستقرار وتوظيف لأبنائها. كم يمثل القطاع الزراعي من الناتج الإجمالي المحلي؟ وهل تتوقعون انخفاضه في حال الاستثمار الزراعي في الخارج؟ - تجاوز إسهام القطاع الزراعي في الناتج الإجمالي المحلي أكثر من 40 بليون ريال، وهذا القطاع لن ينتهي بالتوجه للاستثمار الزراعي في الخارج لمحاصيل مستهلكة للمياه وبعضها لم يكن يزرع أصلاً في المملكة مثل الرز أو فول الصويا أو بشكل محدود مثل الذرة. كما أن الاستثمار الزراعي الخارجي لمعظم المستثمرين حتى تاريخه لم يزرع ليصدر فقط للمملكة وإنما واقع الحال أن ما تمت زراعته وبشكل محدود تم بيعه قبل أن يصدر خارج الدول التي زرع فيها. الأمن الغذائي شعار للكثير من الجهات ذات العلاقة ولكن الخطط والتوجهات تسير بعكس ذلك، ما رأيكم؟ - في ما يتعلق بالأمن الغذائي داخلياً فلا أشاطركم الرأي بأنه غير مهتم به من الجهات ذات العلاقة، وإنما الفلسفة تغيرت في ما يتعلق بمفهومه. فكان المفهوم السابق يركز على الاكتفاء الذاتي، أما الآن فأصبح يعني إنتاج المحاصيل الأقل استهلاكاً للمياه وباستخدام أحدث التقنيات ونظم الري مع تأمين مصدر خارجي آمن والحفاظ على مخزون من المنتجات والمحاصيل المستهلكة للمياه، أي زراعة مستدامة تعتمد في الأساس على مصادر المياه المتجددة لإنتاج جزء من المحاصيل محلياً والجزء الآخر المستهلك للمياه من الخارج وبأسلوب آمن. كما يجب أن يؤخذ موضوع دعم الدولة من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي الخارجي وما يقدمه البرنامج من دعم كبير وآخرها تأسيس شركة حكومية برأسمال 3 بلايين ريال، لتكون ذراعاً تمويلياً واستثمارياً للبرنامج والراغبين في الاستثمار الزراعي الدولي، فيجب أن يؤخذ كفرصة استثمارية جديدة وواعدة، إذ ان الاستثمار الزراعي والغذائي يعتبر في هذه المرحلة أحد الخيارات الاستثمارية الواعدة على مستوى العالم. وهي أيضاً أحد المجالات التي يمكن للزراعيين السعوديين استغلالها والاستفادة منها. إيقاف زراعة القمح يهدف إلى الحفاظ على الموارد المائية إلا أن المزارعين اتجهوا إلى الأعلاف التي تستهلك كميات كبيرة من المياه. كيف ترون ذلك؟ - بخصوص وقف زراعة القمح والتحول لزراعة الأعلاف الأكثر استهلاكاً للمياه فإن هذا لم يكن مفاجئاً لي على الأقل وللعديد ممن يعملون في القطاع الزراعي. فالمزارع عادة يحاول الاستفادة من المساحة الكبيرة التي يزرع فيها المحاصيل التي تستخدم الري المحوري وكل من اضطر لتقليص مساحة القمح لسبب أو آخر فإن أسهل زراعة له فيها هي الأعلاف، فهي سهلة الزراعة سريعة المردود. وإذ إن المزارع ليست لديه قاعدة بيانات ولا يعرف عن المناطق الأخرى ومن سيزرع وماذا وما سيكون عليه إنتاج المناطق الأخرى من الأعلاف ومستوى الأسعار المتوقع، فهو يقوم بالتوسع في زراعة الأعلاف، ما أدى إلى التوسع الكبير في زراعة المحصول الشره للمياه، ويفاجأ الجميع لاحقاً بأن هناك فائضاً من الأعلاف عن الحاجة (يعني المياه استنزفت من دون مبرر) فيحجم لفترة عن زراعتها فينخفض الإنتاج المعروض من الأعلاف ويرتفع السعر، فيعاود الكرة الموسم الذي يليه وهكذا! ولذلك نؤكد دائماً أهمية بناء رؤية وإستراتيجية شاملة وكلية في أي نشاط بخاصة القطاع الزراعي، تُوضع له أهداف وإستراتيجية لتحقيق الأهداف المطلوبة، وآلية للتنفيذ ومعايير للقياس، ومن ثم تتخذ القرارات بتنسيق وتوافق بين قطاعي المياه والزراعة، والتي تخدم هذه الرؤية الشاملة بنجاح وبعيداً عن القرارات الجزئية المستقلة التي قد تأتي بآثار جانبية سلبية.