النكتة من أجمل الأشياء التي تعبر عن الحال مهما كان مؤلما وجارحا، تجعلك تقابل الموقف المؤلم بدموع مبتسمة، في السنوات الأخيرة برع الشعب السعودي في صناعة النكتة بحبكة عالية مع سرعة بديهة وإنجاز فما إن يقع الحدث حتى تبدأ النكت في الانتشار بصيغ مختلفة وزوايا متنوعة، تفتح ذهنك على أمور لم تكن تراها في الحدث وتكشف لك بقية المناطق التي لم تكتشفها، أصبحت النكتة في كثير من الأحوال أحد روافد الإصلاح الاجتماعي الذي يسير فيه المجتمع، وكالعادة خلف كل مجهود بناء سعي للهدم فبرغم اجتهاد صناع النكت بوضع أيديهم على مواطن الخلل بروح فكاهية يأتي من يضع يده بروح محبطة حاقدة محورها الاستهزاء والسخرية من فئات المجتمع الذين يخالفونه الرأي!! النكت التي انتشرت على دخول المرأة لمجلس الشورى والبلديات ركزت سخريتها على ضعف قدرة المرأة على التواصل الاجتماعي والإنساني مع شقيقها الرجل وجهلها في كيفية إدارة العمل والانتخابات!! وتداول النكت بهذا الشكل الواسع له عدة مدلولات منها أن صانعي هذه النكت قاصدون إحباط النساء وكسر مجاديفهن أو نشر وترسيخ معلومة جهل المرأة بين فئات المجتمع ليتنبه الناس عن قدرة هذا المخلوق الضعيف الجاهل الذي سيخوض العام القادم تجربة جديدة في المجتمع وهم يخالفون هذا التوجه فكانت النكت سلاح التأثير!! أو أن صانعي النكت ناس سذج بسطاء لا يعون أبعاد مثل هذا القرار التاريخي على المجتمع ككل سواء اليوم أو بعد سنوات بعيدة فيتناقلون النكت دون وعي وإدراك لانعكاسات أفعال لا يرون فيها إلا الضحك والمرح وكأننا في حالة بساطة عميقة لا نفرق بين الضحك للبناء والضحك للهدم!! السيطرة على العقول ليس بالضرورة أن يكون بالخطاب الجاد الحاد بل أظن أن النكتة أقوى في الرسوخ وأكبر في الإقبال وأكثر في التنقل والتبادل، في توقعكم كيف سينظر الجيل الحالي طلاب المدارس على سبيل المثال للمرأة التي تمثلها؟ الفتاة البسيطة كيف ستنظر لنفسها وتبني شخصيتها؟ الشاب كيف سينظر للمرأة في ظل نكت تحقر من شأن وعيها وقدراتها؟! من ضمن الرسائل التي وصلتني كانت لرسام كاريكاتير في إحدى الصحف المحلية وكانت الصورة كغيرها تسخر من المرأة في عالم الشورى والبلديات، الجميل أنها منعت من النشر، إلا يعي هذا الرسام الكاريكاتيري أبعاد مثل هذه الصورة؟ هل الكاريكاتير مجرد رسمة وكلام لإضحاك الناس دون هدف ومغزى؟! إن كان يؤمن بهدف الكاريكاتير ومغزاه فما هو هدف مثل هذه الصورة؟! من أكبر المشاكل التي يواجهها المجتمع عندما لا يعي من يفترض فيهم المجتمع الوعي ويحتلون مناصب مؤثرة المراحل التي يمر بها الإنسان أو المجتمعات!! كثرة النكت المتداولة عن أي فئة تتحول مع مرور الوقت من مجرد نكتة لحقيقة راسخة في عقول الناس مثل قطرة الماء الأولى لا تحفر الأرض ولكن تواصل التقطير علمياً يحفرها، عندما نعمل إعادة توجيه لرسائل تصلنا دون قراءتها ومعرفة محتواها ومدى تأثيرها فهذا دليل سذاجة يجللها الجهل أو التجاهل!! بعض النكت تحتاج أن يكون صانعوها على معرفة جيدة بالسياسة / الاجتماع / النفس / الاقتصاد / الفكاهة لتخرج نكتة تحدث تغييرا للأفضل.