(س ) سيّدة على مستوى لابأس به من الجمال، توقف تعليمها عند المرحلة الثانوية حين تزوجت قبل عشرين عاماَ، أنجبت خلاله عدداً من الأبناء والبنات، كانت خلال هذه السنوات قانعة بحياتها ترعى بيتها وتربي أبناءها بكل ما أوتيت من قدرة وجهد، بعد الطفل الأول بدأت الزيادة في وزنها، وأضافت عدداً من الكيلوغرامات بعد كل ولادة، اكتشفت إصابتها بمرض السكري بعد معاناة مع بطء التئام جرح أصابها، وحاجتها لشرب الماء كثيراً، وتم لاحقاً تشخيص إصابتها بهشاشة العظام لنقص العناية أثناء الحمل والولادة وعدم تعرضها لما يكفي من أشعة الشمس، وعدم وعيها بأهمية الرياضة. يعمل زوجها في القطاع الخاص، يسافر كثيراً ما يضطره إلى ترك بيته وإهمال تربية أبنائه، فاجأها ذات يوم بخبر زواجه من سيدة في سنِّ إحدى بناته، خيّر زوجته سارة بين القبول والبقاء في البيت أو الطلاق. غضبت وذهبت إلى بيت أحد إخوتها وبعد أسبوع جاءتها ورقة الطلاق من زوجها، بدأت معاناتها مع البيت الجديد الذي يعاملها كضيفة غير مرحب بها. افتقدت أبناءها الذين لا يمكن ان تراهم إلا بشق الأنفس. إجراءات الطلاق لدينا بحاجة إلى مزيد من الدراسة والاجتهاد وخصوصاً حقوق المرأة بعد الطلاق، فحين نقارن إجراءات الزواج نجد أن الزوجة ووالدها حاضران وقت عقد القران، تعلن خلاله الزوجة قبولها وشروطها إن وجدت، أما في حالة الطلاق فهي مغيبة تماماً هي ومن سيتولى أمرها بعد الطلاق. وقصة(س) أسوقها كنموذج لكثير من القصص التي تحتويها الكثير من البيوت في مدن وقرى المملكة، ونحن نعلم جميعاً الطبيعة الظالمة لكثير من البشر ما لم توجد ضوابط وأنظمة تحد من التعدي والظلم، وتحفظ الحقوق وتحقق العدالة بين الناس. الظلم من أهم أسباب خراب البيوت ومن أهم مسببات الأمراض النفسية والعضوية، ولنقلل من تبعاته السيئة علينا أن نسعى لتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع بقدر المستطاع، وأهم وسائل تحقيق العدالة المحاكم الشرعية المتخصصة، والتي يشغلها قضاة لديهم نظرة شاملة لقضايا الأسرة وحقوق الإنسان، وتهيئ لاستقبال الزوج والزوجة على حد سواء، وهنا أسوق للقائمين على وزارة العدل المقترحات الآتية: 1.إجراءات الطلاق لدينا بحاجة إلى مزيد من الدراسة والاجتهاد وخصوصاً حقوق المرأة بعد الطلاق، فحين نقارن إجراءات الزواج نجد أن الزوجة ووالدها حاضران وقت عقد القران، تعلن خلاله الزوجة قبولها وشروطها إن وجدت، أما في حالة الطلاق فهي مغيبة تماماً هي ومن سيتولى أمرها بعد الطلاق، مع أنها أكثر المعنيين بالطلاق، والمتضررين منه، لماذا لا تكون الزوجة حاضرة أمام القاضي ليتأكد من حصولها على جميع ما لها من حقوق على الزوج؟ وما هو مصير الأبناء بعد الطلاق ومن سيتولى رعايتهم حتى لا يصبحوا ضحية نزوات أو عداوات تنشأ بين الزوج والزوجة بعد الطلاق؟ لماذا لا يلزم الزوج المطلِّق بضرورة تأمين سكن مناسب للمطلقة وأبنائها إن كان قادراً على ذلك؟ هذه الإجراءات ستحد من مشكلات ما بعد الطلاق التي تعج بها محاكمنا، وستحد من الظلم الواقع على المطلقات وعلى الأبناء وخطر تعرضهم للضياع والإهمال. كما أن التشدد في إجراءات الطلاق قد يحدّ من الأعداد الكثيرة لحالات الطلاق، خصوصاً من قبل الأزواج العابثين والمستهترين والذين تجد المحاكم صعوبة في إحضارهم للمحكمة. 2.القضاة هم أساس نجاح المحاكم وهم صمام الأمان لتحقيق العدالة في المجتمع، وهم الذين يجتهدون لمعرفة الحقيقة والحكم بما يرونه صائباً، وهنا أرى أن القضاة من أهم فئات المجتمع التي بحاجة إلى اطلاع على ما لدى الآخرين والحكمة ضالة المؤمن، لذا أرى أن إعطاء القضاة دورات مناسبة في الدول المتقدمة في مجال القضاء وحقوق الإنسان ضروري جداً للاطلاع على ما لديهم، ومعرفة أفضل السبل لتحقيق العدالة والقضاء على الظلم ليس في مشكلات الطلاق فقط لكن في الكثير من القضايا والحقوق. 3.الدين الإسلامي دين عظيم يحقق العدل والمساواة بين الجميع، وهو صالح لكل زمان ومكان، ومن عظمته فتح باب الاجتهاد، مع الأخذ بكل ما هو مفيد. لذا أرى أن فتح باب الاجتهاد من قبل علماء دين متنورين ومطلعين على أنظمة الآخرين ضروري في هذا الوقت بالذات، والذي تقاربت فيه أطراف الأرض، وزادت فيه مطالب الناس، وارتفعت فيه أصوات المطالبين بحقوق الإنسان والمرأة بشكل خاص، هذه الحقوق كفلها الدين، لكن وسائل تطبيقها بحاجة إلى مزيد من البحث والاجتهاد. مجتمعنا كغيره من المجتمعات النامية، يعج بالكثير من المشكلات التي يصنعها الإنسان إما عن جهل وإهمال، أو عن قصد ولامبالاة، ولايمكن أن نحد من مشكلات المجتمع وأمراضه إلا باهتمام خاص بالإنسان، وبتحقيق العدالة على جميع المستويات، ضمان حقوق المرأة قبل الطلاق سيقلل من المشكلات الكثيرة المعلقة في المحاكم ومعاناة المطلقات. المرأة تشكل نصف المجتمع والاهتمام بها يعني الاهتمام بالأم والأخت والزوجة والابنة، إنه يعني الاهتمام بمستقبل الأمة وتقدمها..